الراصد: من المؤسف حقا أن ترى نخبة سياسية يعلق عليها الموريتاتيون آمال إنضاج وعيهم السياسي ، وهي تقتبس قشور وأشكال وايقونات ابتكرتها نخب سياسية في بلدان أخرى .
لقد عانت البلاد العربية من محاولات استيراد وتوطين النظريات السياسية العميقة والواعية ، وبدل أن يشكل ذلك الفشل اساسا لدارسة المواقف السياسية ، ها نحن امام معارضة تعجز عن ابتكار خطابها الخاص و عن التعبير بأدواتها المبتكرة .
وساناقش في هذه العجالة قصة المكنسة “البلاية” التي كانت شعارا لجماعة “سونكو” السينغالية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة .
رفع بيرام وحمادي وروساء حملاتهم “بلاية بشيرو فاي ” ، ويشي هذا المشهد التمثيلي بفضيحتين آحداهما سياسية والأخرى ثقافية .
اما السياسية فتتعلق في جانب منها بضمور الوعي النهضوي الذي يتأسس وفق هوية وطنية في الشكل الرمزي تماما كما في المحتوى المعرفي .
أما في جانب آخر فتتعلق بذات المشروع السياسي الذي شغله تقليد انتخابات سينغال أكثر من انشغاله في صياغة مبررات مشروعه الوطني .
ومن المعلوم أن البرامج السياسية تكسب صلابتها من هويتها الذاتية وليس من تقليدها الأعمى والشكلي لخطاب وحيثيات مشاريع خارجية .
اما البعد السياسي الثالث فيتعلق بعقم العقيرة والعقل السياسي الوطني لجل كيانات المعارضة المتنافسة في الانتخابات اليوم والتي عجزت عن تقديم برنامج غير ارتجالي (مهرجانات التعليق على الأحداث بدل تسويق البرامج) .
ومن زاوية أخرى هي الأكثر أهمية فإن المشروع السياسي الذي التقط مرشحو معارضتنا ايقوناته وشعاراته ليس مشروعا ثوريا أطاح بنظام دكتاتوري معمر او ثورة شعبية على نظام فاسد مثلا .
إنه نظام دخل للتو على محك الاختبار ولم يعرف بعد ما إذا كان سينجح أم سيفشل ، والنظام الذي كان قبله كان نظاما من أفضل الأنظمة في تاريخ السينغال وانتهت مأمورياته وفق الحد الدستوري .
وكانت معارضتنا تطبل لمنجزاته بالأمس وتعتبره نموذجا ينبغي الاحتذاء به .
القضية إذا ليست قضية تتعلق بالاقتداء (نظام في أشهره الأولى) وإنما تتعلق بنجاح وافدين جدد ، وبما ان معارضتنا لا تزال متطفلة على الأداء والممارسة وليست لديها أي خبرات ولا معارف ، فهي تشتهي نجاحا على غرار نجاح جماعة “سونغو” بغض النظر عن اختلاف الدوافع والظروف التي ادت إلى نجاح هذه الجماعة .
نسي مرشحو المعارضة أن النظام السنغالي الراحل قد رحل بعد اكتمال مأمورياته وتنفيذ رؤيته ، وان جماعة “سونغو وبشيرو” قدمت للسنغاليين مشروعا مقنعا صاغت كل تفاصيله وفق الحاجة الوطنية وانها اختارت المكنسة كشعار ينتمي للثقافة المحلية وتتطابق دلالاته مع المشروع الوطني الذي بشروا به .
لقد برهن مرشحو معارضتنا عن فقر مدقع في القدرة على خلق التصورات والمشاريع حتى في الطور الشكلي المعبر عن الرؤية ، فاحكموا قبضاتهم على مكنسة سينغالية لإقناع الموريتانيين وتبشيرهم بتجربة مجاورة لم يعرف بعد إلى أي نهاية ستؤول .
في حين لم يستطع اي من هولاء المرشحين تصميم ولا توطين برنامج انتخابي واع وواضح .
اما من الناحية الثقافية فقد اظهر مرشحو معارضتنا ان وعيهم السياسي لا يزال في طور يعاني مما يعرف ب”قلق الهوية ” .
وهو طور تغلب فيه التزعات الانفعالية المشوشة على الرؤى الناضجة والواضحة .
كلكم تعرفون مايعانيه المراهق إبان بحثه عن ذاته من نزوع لتقليد الأشكال والحركات وانماط الحديث .
إنها مرحلة التوتر النفسي الحاد والتغير والتبدل والارتجال والمحاولات المستمرة في تقمص هوية ذاتية .
لقد فضحت هذه المكنسة حجم القلق النفسي والذاتي لمن رفعوها .
لقد أظهرت حجم الفقر المعرفي والثقافي لمرشحي هذه المعارضة حين استوردوا ايقونات مشروع أجنبي لايزال قيد الاختبار دون الرجوع لأبجديات التقييم السياسي ولا انتظار مداه الزمني ( يقلدون مشروعا لم يعرف بعد افاشل هو أم ناجح ) .
قالت العرب : المقلد أعمى
هزلت
محمد افو