الراصد : أصدرت منظمة الشفافية الشاملة، أمس، تقريرها حول مشروع آفطوط الشرقي، حيث توصلت المنظمة إلى أن المشروع فشل فشلا ذريعا رغم ما أنفق عليه من المليارات، وذلك نتيجة لسوء التنفيذ والغش والتحايل والتواطئ بين المشرفين والمنفذين.
وبحسب التقرير فإن مشروع آفطوط الشرقي هو مشروع ضخم تابع لوزارة المياه والصرف الصحي، يسعى إلى توفير المياه الصالحة للشرب لسكان المناطق الريفية الواقعة في مثلث الفقر ومناطق أخرى.
وقد تم تزويد المشروع في مرحلته الأولى بتمويلات كبيرة لتحقيق هذا الهدف من خلال صفقات ضخمة لإنجاز خزان كبير وشبكات متشعبة من الانابيب وأبراج المياه، سعيا لتزويد القرى في ثلاث ولايات، هي: غورغول، العصابة ولبراكنة، كلها مجاورة لسد فم لگليته .
وقد تضمنت المرحلة الاولى من هذا المشروع جزأين:
• جزء أول: أنجزته شركة المقاولون العرب، يتضمن أساسا بناء خزان مياه ضخم فوق هضبة شلخت التياب وتزويده بالمياه من سد فم لگليته عبر مضخات وأنابيب كبيرة، وتم إنجاز هذا الجزء بشكلٍ مقبول في سنة 2016 .
• وجزء ثان: يسعى إلى تزويد القرى المستفيدة، انطلاقا من الخزان الضخم في شلخت التياب، عبر شبكة من الأنابيب تُزود مئات الحنفيات العمومية، وذلك أساسا من خلال صفقتين كبيرتين فاز بهما تحالف ( groupement: CSE-VAERA-BIS TP) التابع لرئيس الاتحاد الوطني لأرباب العمل الموريتانيين، السيد زين العابدين، تبلغ الأولى (4.189.204.808 أوقية)، إضافة إلى إعفاء ضريبي بمبلغ (953.344.381 أوقية)، وهي الصفقة ( ( LOT 2-2 ) ، أما الثانية فتعرف بصفقة (AFD) نسبة إلى الوكالة الفرنسية للتنمية التي وفرت التمويل، وبلغت (5.828.639.234 أوقية قديمة) بالإضافة إلى إعفاء ضربي بقيمة : (1.785.299.365) أوقية قديمة
وقالت المنظمة إنه بعد تتبعها لتنفيذ هذه الاشغال ونتائجها الرامية إلى توفير الماء الصالح للشرب لصالح (155.000) نسمة، من خلال رحلة ميدانية استغرقت أسبوعين، زارت خلالهما أغلب المناطق المستهدفة،
وبعد سؤال السكان المحليين عن حقيقة توفر المياه واستمراريتها في الحنفيات العمومية بعد تدشين المشروع،
وبعد الوقوف على أكثرية (الحنفيات العمومية) التي تتمثل اهداف المشروع في انجازها، بهدف سقاية كافة القرى المجاورة،
وبعد مقارنةً ما هو موجود على أرض الواقع مع الاهداف المعلنة للمشروع ومع جدول الكميات والاسعار في الصفقة ودفتر شروطها،
وبعد التدقيق في كافة الوثائق التي جمعتها المنظمة حول المشروع تبين لها ما يلي:
1. إن تنفيذ المشروع بشكل عام كان سيئا جدا، بحيث لا تتوفر المياه في الأغلبية الساحقة من هذه الحنفيات العمومية، فعلى سبيل المثال بعد زيارة 100 حنفية عمومية تتوزع في كل المناطق بشكلٍ عشوائي لاحظت منظمة الشفافية الشاملة :
• انقطاع الماء نهائيًا عن 20 % من الحنفيات بعد افتتاح المشروع – في عيد الاستقلال سنة 2020 – بثلاثة أيام، إلى الآن.
• توفر الماء بشكل متقطع ومجحف للسكان في 72 % من الحنفيات العمومية.
• توفر الماء بشكل شبه دائم في 8% فقط.
2. تبين تأثر تنفيذ المشروع بالغش في الكم والكيف، وهو ما تسبب في ضعف مردوديته المائية وعجزه عن تحقيق أهدافه
3. تبين أن ممثلي الجهات الرسمية ومكتب الدراسات المكلف بالرقابة والشركة المنفذة كانوا متفقين جميعهم على التلاعب بالمشروع وأهدافه.
وتناولت المنظمة الصفقة(AFP) كنموذج للتلاعب، من خلال ثلاث مكونات رئيسية هي الأهم من حيث الكلفة المالية.
1. شبكة الأنابيب :
وهي أكبر مكونات المشروع قيمة، حيث تزيد قيمتها على أربعة مليار (4.072.590.950) أوقية، منها ثلاثة مليارات وأربعمائة مليون (3.419.920.168,00) أوقية كثمن ل 818,970 كم من الأنابيب، والباقي (652.670.782) لأعمال الحفر والردم لهذه الانابيب.
وتوصلت المنظمة أنه من حيث الكم، وبحسب محضر الاستلام الموقع بتاريخ 2 نوفمبر 2020 أن مجموع طول الأنابيب التي تم انجازها في المكونة (أ): 310,853 كم + 56,439 كم، وفي المكونة (ب): 154,578 كم، أي ما مجموعه: 521,87 كم، وهو ما يعني عدم انجاز 297,10 كم من الكمية المتفق عليها أصلا، (أي نسبة 36.27% من الاتفاق الأصلي) (الوثيقة 1)(الوثيقة 2) .
ومن حيث الكيف تأكدت المنظمة من خلال الزيارات الميدانية التي أجرتها من رداءة نوعية شبكة الأنابيب وملحقاتها، حيث صادفت التسرب في كل مكان، رغم محدودية الضخ وتقطعه كما تبين أيضا أن عمليات الحفر للأنابيب وردمها التي زادت كلفتها على 6 مائة مليون لم تحترم شروط الالتزامات، وأن الحفر يجب أن يصل إلى عمق يتراوح بين تسعين (90) سم ومائة وتسعين (190) سم لأصغر الأنابيب، وذلك من أجل حمايتها من التعرض لمخاطر التلف مع مرور الزمن، لكن العكس هو ما حصل، وذلك طبعا من أجل خفض تكلفة الأشغال والاستيلاء على المبلغ الكبير المذكور أعلاه، دون بذل أي مجهود يذكر، ولا يمكن ذلك إلا بتواطئ مع مكتب الرقابة الذي يتقاضى ما يزيد على 500 مليون سنويا (الوثيقة 6)من أجل الرقابة و ضمان الجودة واحترام دفتر الشروط، “وستلاحظون معنا أن الأنابيب المكشوفة على الأرض صادفتنا في كل مكان، مما يدل على أن عمق الحفر لم يتجاوز عشرين سم بدلا من 90 سم كحد أدنى إلى متر وتسعين”.
وبخصوص الحنفيات العمومية
وهي أهم مكونات المشروع فعليا وثالث أكبر مكوناته من حيث القيمة حيث بلغت: (219.956.234) أوقية قديمة، بهدف إنجاز 402 حنفية عمومية حسب ما ورد في الصفقة الأصلية
لاحظت المنطمة أنه حيث الكم وبحسب محضر الاستلام الموقع بتاريخ 2 نوفمبر 2020، فإن مجموع الحنفيات العمومية التي تم إنجازها في المكونة (أ) :271 وفي المكونة (ب) : 81، وهو ما يعني ضياع 50 حنفية ، لكن من الواضح أيضا أن عدد الحنفيات العمومية المستلمة حسب محضر الاستلام لم يكن صحيحًا، لأن بعثة مشتركة بين وزارة المياه والشركة الوطنية للمياه أعدت تقريرا يوم 28 مارس 2021، أي بعد أربعة أشهر من الاستلام أثناء جولة استغرقت ثمانية أيام تهدف لإحصاء المنجزات من أجل البدء باستخدامها، أظهرت أن عدد الحنفيات الفعلية الموجودة على أرض الواقع لا يتجاوز 319، وهو ما يدلل على وجود تواطئ مكتب الدراسات المكلف بالرقابة وعدم مصداقية لجنة الاستلام، بعد تجاهلهم لعدم انجاز 83 حنفية (أي نسبة 20.64%) .
ومن حيث الكيف، تبين لمنظمة الشفافية الشاملة من خلال معاينتها للحنفيات العمومية أن ما تم إنجازه منها كان رديئا جدا ومنافيا لدفتر الشروط والالتزامات.
الأبراج المائية :
و تبلغ قيمتها الاجمالية: 416 442 662 بهدف انجاز 25 برجا وخزانين اثنين بين المكونتين (أ) و(ب)
لاحظت المنظمة أنه من حيث الكم يبلغ عدد الأبراج 19 برجا بالإضافة إلى 1 خزان RST في المكونة (أ) و 6 أبراج بالإضافة إلى 1 خزان RST في المكونة (ب)، لكن حسب محضر الاستلام، لم ينجز سوى 18 برجا في المكونة (أ) و 6 ابراج مائية في (ب )، وهو ما يعني ضياع برج واحد فقط، أما بالنسبة لبعثة وزارة المياه التي أحصت الأبراج بعد أربعة اشهر فلا يوجد سوى 17 في المكونة (أ) و5 في المكونة (ب)، و هو ما يعني عدم انجاز ثلاثة أبراج (12% من مجموع الأبراج المبرمجة)، وهو ما يؤكد عدم مصداقية لجنة الاستلام.
ومن حيث الكيف، لاحظت المنظمة أن الأبراج لم تزود بأجهزة التحكم عن بعد ولم تنته التشطيبات النهائية فيها وبقيت أكثريتها بلا طلاء، كما توجد من بينها أبراج فارغة لا تعمل وفيها أبراج تعاني من التسرب .
وأكدت المنظمة أن هناك تواطؤا على حساب المشروع، “بالرغم من كل ما اطلعتم عليه من نقصان فج في أهم مكونات المشروع، فقد تم منح مبلغ إضافي للشركة المنفذة من خلال ملحق بقيمة: 699.329.334 أوقية قديمة مع إعفاء ضريبي بلغ (209.911.523 أوقية) قبل انتهاء الأشغال بأشهر، وتم تبرير العقد الجديد ب :
• زيادة عدد القرى المستفيدة من المشروع
• زيادة طول الأبراج المائية من 10 أمتار إلى 20 مترا .
• زيادة قدرات ضخ المياه من المحطات (الوثيقة12)”.
وقالت المنظمة إن حجج التبرير واهية كما يتضح فيما يلي:
• ففيما يتعلق بالمبرر الأول، لا تمكن سقاية قرى جديدة إلا من خلال الحنفيات العمومية، وقد تم التحايل على تنفيذ 77 منها كما ورد سابقا.
• أما فيما يتعلق بالمبرر الثاني فهو كاذب حيث أن كل الأبراج المائية في المخطط الأصلي كان طولها 20 مترا ما عدا واحدة ولم تتم زيادة طوله حيث بقي بطول عشرة امتار حسب محضر البعثة المشتركة بتاريخ 28 مارس 2021، انظر
• وأخيرا فيما يتعلق بالمبرر الثالث فهو كاذب أيضا بشهادات السكان الذين يعانون من انعدام المياه.
ويتضح من عرض الأسعار (Devis) لهذا الملحق أنه في سبيل الحصول على المبلغ الضخم الذي يتم السعي لاختلاسه، تمت زيادة كمية الأنابيب الأكبر والأغلى بمقدار الضعف، وتم اختيارها على ما يبدو بسبب وجودها تحت الأرض حتى يصعب التحقق منها.
وأكدت المنظمة أنها قارنت أماكن وجود الأبراج المائية التي تزودها هذه الأنواع من الأنابيب في الصفقة الأصلية مع الأماكن التي وجدتها فيها البعثة المشتركة، فتوضح أنها في نفس المكان، مما يعني عدم زيادة المسافة، زد على ذلك أن 297,10 كم لم تنجز من الأنابيب التي كانت مبرمجة وأن ثلاثة من الأبراج اختفت أيضا !!! .
وتوصلت منظمة الشفافية أنه تم منح هذا الملحق بتواطئ بين ثلاثة أطراف :
1. ممثل وزارة المياه السيد: أحمد زيدان ولد الطالب مختار، منسق مشروع آفطوط الشرقي، فهو من وقع عقد الملحق الإضافي وهو من ترأس لجنة الاستلام التي لم تذكر أي نقص في كميات مكونات الصفقة بالرغم من قيمتها الفائقة واكتفت ببعض الملاحظات الشكلية.
2. مكتب الدراسات SGIE/CIRA
وهو تحالف بين SGIE مكتب دراسات موريتاني تابع لرجل الأعمال: محمد لمين ولد بتاح ومكتب دراسات من دولة مالي برئاسة سيدو كوليبالي يتقاضى SGIE/CIRA مليون ومائة واثنان وثمانون ألف (1.182.000) يورو كل سنة، أي ما يعادل 500 مليون كل سنة (انظر الوثيقة) .
يتضمن العقد رواتب شهرية للمهندسين العاملين في المكتب، تتجاوز الستة الاف (6.000) يورو كرواتب شهرية، تدفع افتراضيا لعشرات المهندسين والفنيين المتواجدين في كل مواقع العمل (حسب العقد)، من أجل مراقبة الشركة المنفذة في كل كبيرة وصغيرة لضمان احترام الكم والكيف حسب دفتر الشروط في هذا المشروع المهم .
مع كل ذلك شارك المكتب في كل عمليات التدليس، فهو من زكى المبررات التي مهدت للزيادة المذكورة في الملحق رقم 2 ووقع كل محاضر استلام الكميات المزيفة.
3. أعضاء لجنة الاستلام
ضمت ممثلين عن قطاعات هامة في الدولة، (انظر الوثيقة التي تبين الأسماء والمناصب15)، لم يعترض أي منهم على عدم تنفيذ نسبة كبيرا من الأشغال المبرمجة في الصفقة بلغت حوالي (23% من كل الأشغال المبرمجة في مكونات المشروع الثلاث)، حسب تقديرات المنظمة انطلاقا من النسب المئوية للأشغال غير المنجزة من كل مكونة من المكونات الثالث الرئيسية .
وخلص التقرير إلى أن منظمة الشفافية الشاملة تأكدت من تسديد الوكالة الفرنسية للتنمية الدفعة النهائية من مبلغ القرض المقدم من طرفها لتمويل هذا الجزء من المشروع، والبالغ 22.3 مليون يورو (انظر الوثيقة16) بتاريخ 04/12/2020، وهو ما يعني تحمل الأجيال المقبلة تسديد أموال تم تبددها.
وأن هذا المشروع، رغم أهميته والآمال المعقودة عليه في توفير المياه الصالحة للشرب لعدد هام من القرى الريفية في مثلث الفقر يبلغ عدد سكانها (155.000 نسمة)، قد فشل فشلا ذريعا رغم ما أنفق عليه من المليارات، وذلك نتيجة لسوء التنفيذ والغش والتحايل والتواطئ بين المشرفين والمنفذين.
وطالبت المنظمة الجهات الرسمية بفتح تحقيق حول هذا المشروع في أسرع وقت سعيا لاسترجاع أموال الشعب المنهوبة وردعا لهذا السلوك المستشري.
كما أرفقت المنظمة التقرير بوثائق وصور تثبت ما جاء فيه.