العقبات التي تعترض نيل الاحترام...

أحد, 21/05/2023 - 18:57

الراصد :"""هياكل وسلوكيات يمكن أن تحرم قوات الأمن من خدمة أوطانها بكفاءة وفعالية"""

لا يبلغ‭ ‬جيش‭ ‬الدولة‭ ‬مراتب‭ ‬الأخلاق‭ ‬ولا‭ ‬يحقق‭ ‬الأثر‭ ‬الفعال‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬التزم‭ ‬بمعايير‭ ‬موضوعية‭ ‬معينة،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬استعداده‭ ‬للخضوع‭ ‬للحكم‭ ‬المدني‭.‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬الحال‭ ‬دائماً‭ ‬مع‭ ‬البلدان‭ ‬الإفريقية‭ ‬منذ‭ ‬سطوع‭ ‬نور‭ ‬الاستقلال،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬تناضل‭ ‬لإدراك‭ ‬ذاك‭ ‬المعيار‭ ‬الأساسي‭ ‬والحيوي‭.‬

يستعرض‭ ‬السيد‭ ‬إميل‭ ‬ويدراوغو،‭ ‬العقيد‭ ‬المتقاعد‭ ‬بجيش‭ ‬بوركينا‭ ‬فاسو‭ ‬وأستاذ‭ ‬الممارسات‭ ‬المشارك‭ ‬بمركز‭ ‬إفريقيا‭ ‬للدراسات‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬أربعة‭ ‬عوائق‭ ‬رئيسية‭ ‬في‭ ‬بحثه‭ ‬المنشور‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬النهوض‭ ‬بالمهنية‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‮»‬‭.‬

وتتضمن‭ ‬هذه‭ ‬العقبات‭ ‬الموروثات‭ ‬الاستعمارية،‭ ‬والتحيزات‭ ‬العرقية‭ ‬والقبلية،‭ ‬والجيش‭ ‬المسيس‭ ‬والسياسة‭ ‬المجيشة،‭ ‬وغياب‭ ‬المهمة‭ ‬أو‭ ‬القدرات‭ ‬العملياتية‭. ‬وفيما‭ ‬يلي‭ ‬نبذة‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬منها‭.‬

إرث‭ ‬الاستعمار

لا‭ ‬شك‭ ‬أنَّ‭ ‬القوى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬بنت‭ ‬مستعمراتها‭ ‬لخدمة‭ ‬إدارة‭ ‬حكومتها‭ ‬لتأمين‭ ‬ذلك‭ ‬النظام‭ ‬الحاكم‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬السكان‭ ‬بما‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬المركزية‭.‬

وكان‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬مواقع‭ ‬العواصم‭ ‬الوطنية‭ ‬إلى‭ ‬ترسيم‭ ‬الحدود‭ ‬يخدم‭ ‬مصالح‭ ‬المستعمر‭. ‬

وبالمثل،‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬جيوش‭ ‬المستعمرات‭ ‬فرض‭ ‬الأمن‭ ‬مع‭ ‬تجنب‭ ‬أي‭ ‬فرصة‭ ‬يخرج‭ ‬منها‭ ‬التمرد‭. ‬قالت‭ ‬الدكتورة‭ ‬نايلة‭ ‬صالحو،‭ ‬مسؤولة‭ ‬البرامج‭ ‬والأبحاث‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬كوفي‭ ‬عنان‭ ‬الدولي‭ ‬للتدريب‭ ‬على‭ ‬حفظ‭ ‬السلام،‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬لموقع‭ ‬‮«‬أكورد‮»‬‭ ‬إنَّ‭ ‬جيوش‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬“خرجت‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬الجيوش‭ ‬الاستعمارية‭ ‬التي‭ ‬تشكلت‭ ‬لأغراض‭ ‬المصالح‭ ‬السياسية‭ ‬بهدف‭ ‬قمع‭ ‬المقاومة‭ ‬المحلية‭ ‬وخدمة‭ ‬المصالح‭ ‬الجيوستراتيجية‭ ‬للقوى‭ ‬الاستعمارية‭.‬”

وذكر‭ ‬ويدراوغو‭ ‬أنَّ‭ ‬الأقليات‭ ‬العرقية‭ ‬من‭ ‬شمال‭ ‬بلدان‭ ‬أمثال‭ ‬غانا‭ ‬ونيجيريا‭ ‬وتوغو‭ ‬الواقعة‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬استُخدمت‭ ‬لتكوين‭ ‬جيوش‭ ‬استعمارية‭. ‬وهذا‭ ‬ساعد‭ ‬القوى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬على‭ ‬“تحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬مع‭ ‬الطوائف‭ ‬العرقية‭ ‬الأقوى‭ ‬تاريخياً”‭ ‬المتمركزة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الجنوبية‭.‬

وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬التبسيط،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬للقوى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬مصلحة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مؤسسات‭ ‬أمنية‭ ‬تدوم‭ ‬لأمد‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬النهوض‭ ‬بالعدالة‭ ‬والعلاقات‭ ‬المدنية‭ ‬العسكرية‭ ‬القويمة‭ ‬والحكم‭ ‬الرشيد‭ ‬خارج‭ ‬الأهداف‭ ‬الاستعمارية‭. ‬بل‭ ‬ذكرت‭ ‬صالحو‭ ‬أنَّ‭ ‬السلطات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬البريطانية‭ ‬والفرنسية‭ ‬فعلت‭ ‬النقيض‭ ‬تماماً،‭ ‬حتى‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬حكومتيهما‭ ‬تنهضان‭ ‬بمؤسساتهما‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬أوطانهما‭. ‬

ومع‭ ‬ذلك‭ ‬خرجت‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬الحكم‭ ‬الاستعماري‭ ‬وهي‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬مؤسسات‭ ‬أمنية‭ ‬قويمة‭.‬

فتقول‭: ‬“وجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أنَّ‭ ‬بلدان‭ ‬أمثال‭ ‬السنغال،‭ ‬التي‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬تنظيم‭ ‬جيشها‭ ‬وإضفاء‭ ‬الطابع‭ ‬المؤسسي‭ ‬على‭ ‬علاقاتها‭ ‬المدنية‭ ‬العسكرية،‭ ‬استطاعت‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬المدني؛‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬عجزت‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى،‭ ‬أمثال‭ ‬غانا،‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬ووقعت‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬من‭ ‬الانقلابات‭ ‬والانقلابات‭ ‬المضادة‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الثلاثة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الاستقلال‭.‬”

التحيزات‭ ‬العرقية‭ ‬والقبلية

تتجلى‭ ‬هذه‭ ‬العقبة‭ ‬في‭ ‬الأنظمة‭ ‬التي‭ ‬يشكل‭ ‬فيها‭ ‬الرئيس‭ ‬جيشاً‭ ‬يعتمد‭ ‬قوامه‭ ‬الأساسي‭ ‬على‭ ‬أفراد‭ ‬من‭ ‬طائفته‭ ‬العرقية‭ ‬أو‭ ‬قبيلته‭.‬

تُعرف‭ ‬هذه‭ ‬الممارسة‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬التحصُّن‭ ‬بالأصول‭ ‬العرقية‮»‬،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عواقبها‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬وخيمة،‭ ‬حتى‭ ‬وهي‭ ‬تساند‭ ‬القادة‭ ‬المستبدين‭.‬

تقول‭ ‬الدكتورة‭ ‬كريستين‭ ‬هاركنس‭ ‬في‭ ‬بحث‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬التحصُّن‭ ‬بالأصول‭ ‬العرقية‭ ‬في‭ ‬بيانات‭ ‬إفريقيا‭: ‬حين‭ ‬يستخدم‭ ‬القادة‭ ‬هوية‭ ‬النسب‭ ‬لبناء‭ ‬ولاء‭ ‬الجيش‮»‬‭: ‬“منذ‭ ‬إنهاء‭ ‬الاستعمار،‭ ‬وخشية‭ ‬من‭ ‬احتمالات‭ ‬محاولات‭ ‬الانقلاب‭ ‬والتمرد‭ ‬العرقي،‭ ‬واصل‭ ‬قادة‭ ‬كثر‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬تجنيد‭ ‬أبناء‭ ‬طوائفهم‭ ‬العرقية‭ ‬وترقيتهم‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬الجيش‭ ‬وضمان‭ ‬ولائه‭.‬”

ترى‭ ‬هاركنس‭ ‬أنَّ‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تمنع‭ ‬الانقلابات‭ ‬وتقوي‭ ‬الأنظمة‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القصير،‭ ‬بيد‭ ‬أنَّ‭ ‬استبعاد‭ ‬طوائف‭ ‬بعينها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتسبب‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬اضطرابات‭ ‬موسعة‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬أعمال‭ ‬شغب‭ ‬وعصيان‭ ‬وتمرد‭ ‬عرقي‭. ‬وتقول‭ ‬إنَّ‭ ‬أفراد‭ ‬الجيش‭ ‬الذين‭ ‬يخدمون‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬“يتصرفون‭ ‬بشكل‭ ‬مختلف‭ ‬تجاه‭ ‬المحتجين‭ ‬والمتمردين‭ ‬المنحدرين‭ ‬من‭ ‬طوائف‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬طوائفهم،‭ ‬ويشكلون‭ ‬ممارسات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والمراقبة‭ ‬والقمع‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬أدوات‭ ‬العنف‭ ‬لدى‭ ‬الدولة‭.‬”

يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتسبب‭ ‬ممارسات‭ ‬الترقية‭ ‬غير‭ ‬المنصفة‭ ‬في‭ ‬جيش‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬التحصُّن‭ ‬بالأصول‭ ‬العرقية‭ ‬في‭ ‬هدم‭ ‬الفعالية‭ ‬القتالية،‭ ‬فالجيش‭ ‬الذي‭ ‬يتميز‭ ‬بالتنوع‭ ‬ويتضمن‭ ‬عناصر‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬طوائف‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬يخدمها‭ ‬يكون‭ ‬أعظم‭ ‬أثراً‭.‬

ويقول‭ ‬ويدراوغو‭: ‬“وعلى‭ ‬الصعيد‭ ‬الآخر،‭ ‬فإنَّ‭ ‬الجيش‭ ‬المكون‭ ‬من‭ ‬قوات‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬مجتمعات‭ ‬الدولة‭ ‬يستطيع‭ ‬بناء‭ ‬أساس‭ ‬متين‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُبنى‭ ‬عليه‭ ‬دولة‭ ‬ديمقراطية؛‭ ‬كما‭ ‬أنَّ‭ ‬تنوع‭ ‬القوة‭ ‬يخلق‭ ‬ظروفاً‭ ‬مواتية‭ ‬لإضفاء‭ ‬الطابع‭ ‬الاحترافي‭ ‬على‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬حيث‭ ‬تعتمد‭ ‬الترقيات‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحوال‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الجدارة‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬العرق،‭ ‬ويكون‭ ‬الولاء‭ ‬للدولة‭ ‬ككل‭ ‬لا‭ ‬لطائفة‭ ‬عرقية‭ ‬بعينها‭.‬”

الجيوش‭ ‬المسيَّسة

تنشأ‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬حين‭ ‬يعتمد‭ ‬القادة‭ ‬على‭ ‬قوات‭ ‬الأمن‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬لمساندة‭ ‬النظام‭. ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفضل‭ ‬الحكام‭ ‬أو‭ ‬الأحزاب‭ ‬الحاكمة‭ ‬عناصر‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬جهاز‭ ‬الأمن‭ ‬القومي،‭ ‬فيغدقون‭ ‬عليهم‭ ‬بالتمويل‭ ‬والعتاد‭ ‬والتدريب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬المجموعات‭ ‬الفرعية‭ ‬الأخرى‭ ‬داخل‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭.‬

تجلت‭ ‬خطورة‭ ‬هذه‭ ‬الممارسة‭ ‬في‭ ‬ساحل‭ ‬العاج‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1960‭ ‬حين‭ ‬تولى‭ ‬فيليكس‭ ‬أوفوي‭ ‬بوانيي،‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬للبلاد،‭ ‬مقاليد‭ ‬الحكم‭ ‬لمدة‭ ‬33‭ ‬عاماً؛‭ ‬إذ‭ ‬قلص‭ ‬حجم‭ ‬الجيش‭ ‬وشكل‭ ‬ميليشيا‭ ‬موالية‭ ‬لحزبه‭ ‬تتألف‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬طائفته‭ ‬العرقية‭. ‬وذكر‭ ‬ويدراوغو‭ ‬أنَّ‭ ‬هذا‭ ‬التلاعب‭ ‬أسفرعن‭ ‬حصول‭ ‬بعض‭ ‬الضباط‭ ‬على‭ ‬رواتب‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬الموظفين‭ ‬الحكوميين‭ ‬الآخرين‭ ‬ومناصب‭ ‬في‭ ‬الحزب‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الامتيازات،‭ ‬مما‭ ‬مهد‭ ‬الطريق‭ ‬لحالة‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬ستؤدي‭ ‬إلى‭ ‬كارثة‭ ‬مستقبلاً‭.‬

وحين‭ ‬توفي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1993،‭ ‬تولى‭ ‬هنري‭ ‬كونان‭ ‬بيدية‭ ‬السلطة‭ ‬“بمساعدة‭ ‬قلة‭ ‬من‭ ‬ضباط‭ ‬الدرك‭ ‬المنتمين‭ ‬لقبيلته”،‭ ‬وهو‭ ‬تصرف‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬جعل‭ ‬الطائفة‭ ‬ذاتها‭ ‬تشارك‭ ‬في‭ ‬وصول‭ ‬لوران‭ ‬غباغبو‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2000‭.‬

ولكن‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بسنوات‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬وفي‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬زين‭ ‬العابدين‭ ‬بن‭ ‬علي،‭ ‬يبدو‭ ‬أنَّ‭ ‬نفس‭ ‬الديناميكية‭ ‬قد‭ ‬أتت‭ ‬بنتيجة‭ ‬عكسية‭. ‬فخلال‭ ‬تمرد‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2011،‭ ‬انفصلت‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬النظامية‭ ‬البالغ‭ ‬قوامها‭ ‬40‭,‬000‭ ‬جندي‭ ‬عن‭ ‬نظام‭ ‬ابن‭ ‬علي،‭ ‬فاستغنى‭ ‬عنها‭ ‬بقوة‭ ‬الشرطة‭ ‬الوطنية‭ ‬والحرس‭ ‬الرئاسي‭ ‬والوطني‭.‬

وحين‭ ‬خرج‭ ‬المحتجون‭ ‬المدنيون‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع،‭ ‬رفض‭ ‬الجنود‭ ‬وقادتهم‭ ‬الوقوف‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬ابن‭ ‬علي،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منه‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬لاذ‭ ‬بالفرار‭ ‬من‭ ‬البلاد،‭ ‬وأخذت‭ ‬تونس‭ ‬تخطو‭ ‬خطوات‭ ‬طويلة‭ ‬ومعقدة‭ ‬وهشة‭ ‬نحو‭ ‬الديمقراطية‭.‬

غياب‭ ‬المهمة‭ ‬والقدرات‭ ‬العملياتية

تتميز‭ ‬الجيوش‭ ‬المحترفة‭ ‬بالتعليم‭ ‬والتدريب‭ ‬الجيد‭ ‬ووفرة‭ ‬العتاد‭ ‬ووضوح‭ ‬التوجيهات‭ ‬حول‭ ‬مهمتها‭ ‬وغايتها،‭ ‬وتعتمد‭ ‬الجاهزية‭ ‬للمهام‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬جودة‭ ‬هياكل‭ ‬القيادة‭ ‬والسيطرة‭ ‬والعلاقات‭ ‬المدنية‭ ‬العسكرية‭.‬

وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬يشير‭ ‬ويدراوغو‭ ‬إلى‭ ‬سرعة‭ ‬انهيار‭ ‬قوات‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬مالي‭ ‬حين‭ ‬هاجمها‭ ‬متطرفون‭ ‬إسلاميون‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2012،‭ ‬وسهولة‭ ‬استيلاء‭ ‬قوات‭ ‬سيليكا‭ ‬المتمردة‭ ‬على‭ ‬بانغي‭ ‬عاصمة‭ ‬جمهورية‭ ‬إفريقيا‭ ‬الوسطى‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بعام‭. ‬ويمكن‭ ‬تفسير‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الإخفاقات‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الثغرات‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬القيادة‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انعدام‭ ‬الانضباط،‭ ‬وغياب‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬المشتريات،‭ ‬وانخفاض‭ ‬الروح‭ ‬المعنوية‭ ‬و‭ ‬“المهمة‭ ‬الخاطئة‭ ‬أو‭ ‬البائدة‭.‬”

وذكر‭ ‬أنَّ‭ ‬وجود‭ ‬ثغرات‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬القيادة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انخراط‭ ‬المجندين‭ ‬العاديين‭ ‬في‭ ‬جرائم‭ ‬تمر‭ ‬دون‭ ‬عقاب،‭ ‬مما‭ ‬يترك‭ ‬الانطباع‭ ‬بأنَّ‭ ‬أفراد‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬فوق‭ ‬القانون؛‭ ‬ومثال‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬ساحل‭ ‬العاج‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2000،‭ ‬إذ‭ ‬قتل‭ ‬جنود‭ ‬موالون‭ ‬لغباغبو‭ ‬عناصر‭ ‬مدنية‭ ‬شككت‭ ‬في‭ ‬فوزه‭ ‬بالانتخابات،‭ ‬ولم‭ ‬يُحاسَبوا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬فعلوا‭.‬

كما‭ ‬تشتهر‭ ‬الجيوش‭ ‬الإفريقية‭ ‬بكثرة‭ ‬الرتب‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬قيادتها،‭ ‬فيشير‭ ‬ويدراوغو‭ ‬إلى‭ ‬أنَّ‭ ‬جيش‭ ‬مالي‭ ‬كان‭ ‬يتضمن‭ ‬قبل‭ ‬عام‭ ‬2012‭ ‬لواءً‭ ‬لكل‭ ‬400‭ ‬جندي،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنَّ‭ ‬لواء‭ ‬المشاة‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ (‬الناتو‭) ‬يضم‭ ‬ما‭ ‬يتراوح‭ ‬من‭ ‬3‭,‬200‭ ‬إلى‭ ‬5‭,‬500‭ ‬جندي،‭ ‬ومن‭ ‬الشائع‭ ‬أن‭ ‬يقودهم‭ ‬عميد‭ ‬أو‭ ‬عقيد‭ ‬أقدم‭ ‬واحد‭. ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬ظاهرة‭ ‬‮«‬تضخم‭ ‬عدد‭ ‬الضباط‮»‬‭ ‬هذه‭ ‬إلى‭ ‬إجهاد‭ ‬الميزانيات‭ ‬وإحباط‭ ‬من‭ ‬يرون‭ ‬غياب‭ ‬الجدارة‭ ‬في‭ ‬الترقية،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬الانضباط‭ ‬وانخفاض‭ ‬الروح‭ ‬المعنوية‭.‬

من‭ ‬المعهود‭ ‬أن‭ ‬تتشكل‭ ‬الجيوش‭ ‬لحماية‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬التهديدات‭ ‬الخارجية،‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬صفات‭ ‬معظم‭ ‬الصراعات‭ ‬الإفريقية،‭ ‬فمن‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تواجه‭ ‬الجيوش‭ ‬الإفريقية‭ ‬تهديدات‭ ‬داخلية،‭ ‬كحركات‭ ‬التمرد‭ ‬المتطرفة‭ ‬في‭ ‬مالي‭ ‬وشمال‭ ‬موزمبيق‭ ‬وشمال‭ ‬نيجيريا‭ ‬والصومال،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭.‬

يقول‭ ‬الدكتور‭ ‬جاكي‭ ‬سيليرز،‭ ‬مؤسس‭ ‬وعضو‭ ‬مجلس‭ ‬إدارة‭ ‬معهد‭ ‬الدراسات‭ ‬الأمنية،‭ ‬لمجلة‭ ‬‮«‬فورين‭ ‬بوليسي‮»‬‭: ‬“يتميز‭ ‬الغرب‭ ‬بهذا‭ ‬النموذج‭ ‬للجيش‭ ‬المحايد‭ ‬والمنضبط‭ ‬الواقف‭ ‬على‭ ‬الهامش‭ ‬والمبتعد‭ ‬عن‭ ‬السياسة‭ ‬الداخلية؛‭ ‬إلا‭ ‬أنَّ‭ ‬النموذج‭ ‬الإفريقي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬جيش‭ ‬يُستخدم‭ ‬داخلياً‭ ‬ويعد‭ ‬محوراً‭ ‬من‭ ‬محاور‭ ‬السياسة‭ ‬الوطنية‭ ‬وتخصيص‭ ‬الموارد‭.‬”

ويرى‭ ‬ويدراوغو‭ ‬أنَّ‭ ‬حركات‭ ‬التمرد‭ ‬الداخلية‭ ‬هذه‭ ‬تلفت‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬الانفصال‭ ‬بين‭ ‬تكليفات‭ ‬الجيش‭ ‬والتهديدات‭ ‬الأكثر‭ ‬انتشاراً‭.‬

فيقول‭: ‬“ولذا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬قوات‭ ‬الأمن‭ ‬الإفريقية‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الكفاءة‭ ‬والمهنية‭ ‬الواضحة‭ ‬حتى‭ ‬يُكتب‭ ‬لها‭ ‬النصر،‭ ‬وإلى‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬القادة‭ ‬الأفارقة‭ ‬مهمة‭ ‬واضحة‭ ‬لمؤسساتهم‭ ‬الأمنية‭ ‬ويدمجونها‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬التخطيط‭ ‬الاستراتيجي،‭ ‬فلن‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬توفير‭ ‬الموارد‭ ‬وتدريب‭ ‬قواتهم‭ ‬للتصدي‭ ‬للتحديات‭ ‬الأمنية‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬يواجهونها‭.‬”‭  ‬