الراصد : كغيرهم من شعوب الأرض في العصر الحاضر، اعتاد الموريتانيون على الإنترنت، فلا حياة بدونها ولا تواصل ولا تجارة؛ لقد تحولت هذه الخدمة إلى أوكسجين ثان يتنفسه الناس، بل إلى إكسير به قوام الحياة.
لذا تتعالى في موريتانيا هذه الأيام أصوات الانزعاج من قطع لخدمة الإنترنت على بيانات الجوال، مستمر لليوم الخامس، بقرار اتخذته الحكومة حتى لا ينتفع أربعة سلفيين فارين، من التواصل عبر الجوال في هروبهم الذي يشغل كل موريتانيا حاليا.
وأكدت الحكومة أن “قطع الشبكة الخلوية جاء لدواع أمنية”، مؤكدة أن “الأمن مقدم على كل شيء، وأن المقطوع حاليا شبكة الجوال وحدها دون خدمة الواي فاي، وأن الإنترنت سيعود متى كان ذلك ممكنا”.
وقد أربك قطع الإنترنت خدمات عدة في العاصمة والمدن والقرى أهمها التجارة الإلكترونية والتحويلات عبر التطبيقات المصرفية، وأنشطة توصيل الخدمات من الأسواق والمطاعم؛ لكنها من باب “مصائب قوم عند قوم فوائد”، أفادت قطاع باعة بطاقات الرصيد الذين كانت تجارتهم في كساد بسبب تحويل رصيد الجوالات عبر التطبيقات البنكية.
حملة مشتعلة
يقود حملة الاحتجاج على قطع النت في موريتانيا، نواب معارضون وشباب مدونون متمردون، يتحججون “بأن قطع هذه الخدمة فيه من الخسارة العامة ما ليس فيه من الفوائد، مع أنه لم يسرّع باعتقال السلفيين الذين ما يزالون طلقاء”.
وكتب النائب البرلماني المعارض محمد بوي ولد الشيخ محمد فاضل متسائلا: “ما قيمة وجود الإنترنت لديَّ (عبر الواي فاي) بينما هي مقطوعة عن أغلب المواطنين؟”.
وعلق المدون النشط عبد الله محمد، على المبررات التي قدمها الناطق باسم الحكومة، فقال: “تأكيد الناطق باسم الحكومة أن الخدمات لم تتعطل لأن الواي فاي لم يقطع عن الشركات، قول مغالط ومستفز”، مضيفا: “فهل الشركات لا تعامل مستخدمي الإنترنت/ جوال، وهل لا تترتب لهم حقوق بذلك ويختل الأداء؟”.
وزاد: “هل خدمات التوصيل والنقل وأكثر من معاملة لا تتم إلا بالإنترنت الجوال، لم تتضرر؟ أليست منصات تفاعلية وتجمع أفراد ضاعت عليهم فرص؟ أليس المواطن المتلقي لتلك الخدمات متضررا أيضا لمنعه من منصة التواصل مع مقدمي الخدمة تلك، وهل يعلم الناطق إحصائيا حجم الاتصال اليومي غير الهاتفي، المستخدم عبر الإنترنت وأهميته المقارنة؟”.
مطالبة بالتعويض
وطالب “تحالف أمل موريتانيا” المعارض حكومة الرئيس الغزواني بتعويض المتضررين من انقطاع شبكة الإنترنت.
وأضاف في بيان نشره الجمعة: “نعتبر عدم القدرة على توفير الأمن والخدمات الأساسية كالإنترنت في نفس الوقت فشلا ذريعا للسلطة الحالية، ونرفض التضييق على المواطنين، ونطالب الحكومة بالتعويض للمتضررين وخاصة أصحاب المشاريع الصغيرة عن الأضرار التي سببها انقطاع شبكة الإنترنت”.
الأمن والتنمية معا
كتب النائب البرلماني المعارض محمد الأمين سيدي مولود: “الإنترنت اليوم ليس ترفا، بل ركن أساسي في التنمية، وأي نظام لا يمكنه توفير الأمن والتنمية معا، فاشل تنمويا أو أمنيا أو هما معا”.
ويرى المدون سيدي المختار سيدي “أنه لليوم الرابع على التوالي يستمر منع الاتصال بشبكة الإنترنت عبر الهواتف المحمولة في كافة أنحاء موريتانيا؛ دون أن نعرف من اتخذ هذا القرار؟ وما دوافعه؟ وإلى متى سيستمر؟”.
العجز عن خطة بديلة
و قد تحدث العديد من المراقبين حتى من المقربين من السلطة و المدافعين عن سياسة النظام عن الإختلالات التي طالت جميع مناحي الحياة للمواطن...
فعن المناحي التي شلها قطع النت، فقال احدهم : “توفر تطبيقات التاكسي (كآراب وكلاس رايد وسهديني) مئات فرص العمل للشباب العاطل، ويستخدم هذا الشباب التطبيقات البنكية في غالبية التوصيلات (بنكيلي ومصرفي والسداد)، ونفس الشيء ينطبق على شركات توصيل الطلبيات (توك توك، مشاوير وغيرها) وحتى محلات البيع العادية (ترندي مثلا) التي تعمل فيها عشرات الفتيات، حيث يتم عرض البضائع على وسائل التواصل الاجتماعي، فيقوم الزبون بالدفع عن طريق أي تطبيق بنكي، لتصله مشترياته في المنزل”.
وأضاف: “جميع هذه القطاعات مشلولة تماما في انتظار القبض على الإرهابيين، الذين يبدو أن رجوع الإنترنت مرتبط بتوقيفهم، وهو ما قد يتم بعد يوم أو أسبوع أو شهر أو حتى سنة”.
وقال: “في الانتظار، يتم تعطيل مصالح وأعمال المواطنين، أمام عجز السلطات عن وضع خطة بديلة تفضي إلى القبض على الإرهابيين دون إلحاق الضرر برواد الأعمال الشباب”.
نقلا عن القدس العربي