استراحة دماغ (2) .............ا

ثلاثاء, 22/11/2022 - 07:35

أعود للمعلمة "أمينة" وبعض طيش الطفولة،.. كانت سيدة قاسية شيئا مَّا، ونظرة منها تصهر القفص الصدري، تُجاريها والدتي في قسوتها علينا، "لمصلحتنا"!، .. الذَّهابُ الى غرفتها كالسَّيْر إراديًّا نحو النَّعش.. فكم من لطْمَةٍ لم تُنظُر فيها حُجَّة.

كانت والدتي تتعلَّم عليها الأحكام والأدعية وتحفظ عليها السُّوَر، فبواقع أنَّها أميَّة، -كأغلب عَبِيدِ زمانها ممَّن خَذَلهم مَهبط الحياة المُصنَّف مُسْبَقا، وتلقَّتْهم لعنة الانتماء القسري بالأحضان- كانت تحفظ بالتَّلقين ولا تفك الرَّمز،.. (ذيكْ خبيئة تملُّق في حساب المستقبل، أفانْص للخال بيرام، لعل  يترشح عاگبذا وينجح،..  Bon حدْ إفرگ السِّبَّه).
 
أحيانًا تُلزمُني "لمْرابْطَه"  أنْ أُلقِّنَ والدتي دُعاءً أوحُكمًا أو سورة، وهيَّ سريعة الحفظ، بذاكرة لا تتنازل عن التَّفاصيل،.. ولا يُزعجني أنِّي أُحَفِّظها أشياء لا أستوعبها ولا أفهُمها، لكن يُزْعجني أنَّ الأمرَ يُقيِّدني وعلى حساب وقت لعبي، رغم شعوري بالزَّهو، فقد كنتُ أبني على شخصيَّتي سقفًا من السَّعادة حين أمارسُ عليها فخْر "التِّگريَّه" .. 

العلاقة الودية بين الوالدة والمُعلِّمة تُغيظني، ويُغيظني تفاهمهما "السَّادي" على "تعذيبنا" باللَّوح،.. استجمعتُ مَخزوني من الشَّر لأكيدَ لهُما، وأحجز  مقاماً في عالم الوقيعة .. فلقَّنتُ والدتي دُعاءً مُمزَّقًا، مُتَعاكس الكلمات، حفظَتْه عليَّ جيِّدًا، وأنا أُغالب الضَّحك، لكن في نشوة المُعتصم بالنَّصر.
طَويتُ الورقة المُجعَّدة، و انتقلتُ أنتظرها في غرفة المُعلّمة، أتلوَّنُ توجُّسًا، فقد دسَسْتُ للتَّوِ جُنْحَةً في عُبِّ جُرأتي،.. 
رأيتُ والدتي قادمة تتبخْتَر، فقلتُ في سِرِّي:«ستُلقِّنُكِ أمينة عَلْقة ساخنة » على الدُّعاء الفاسد، كنتُ أتصوَّر أنها ستُسمعها حتمًا ممَّا تُسمعنا، من نَثِيثِ الشَّتْم الصَّافي، وأنْ تُكافئ جهدي في التَّحفيظ..

ردَّدَت والدتي الدّعاء المُمزَّق ، انخرطت المُعلِّمة في موجة من الضَّحك، وهي المُقتِّرةُ فيه عادة، فحين تُداعبنا تَقذِفنا بكلمة واجمة،.. وكنتُ أعلم أن ضحكتها تنطوي على شُبهة مُسْتَتِرة،.. تناوبتْ مَعي نظرة بعين كالمِسْبار، استظهرتْ ما يَعتلِج داخلي، وقَبْل أن يرتدَّ إليَّ طَرفي المُتهيّب، الخجول، التقطتْ صيوانَ أذني بقرصة وقذفتْ برأسي تحت فخذها،.. 

 مكيدة بائسة، مَسكوكة في تركيبتها النقية من سَذاجة العمر،... تُبتُ!،.. كانت آخر مَكيدة أدبّرها... على ما أعتقد.. ولستُ متأكدة!