الراصد: خلال تسعينيات القرن الماضي وفي ظل حكم معاوية ولد الطائع ( عراب الأحلاف القبلية السياسية ) ، عجزت الأجهزة الأمنية ( بما فيها المخابرات ) وإدارة الجامعة في إفشال إضراب طلابها عن الدراسة، فخطرت لمعاوية فكرة ( أو وسوس شيطان إنس له بها ) وهي استخدام سلاح الأحلاف القبلية السياسية بحيث يحملها " شق أبنائها عصى الطاعة " على نظام هم سدنته وركيزته الأساسية، فأرسل أمرا " علنيا " لزعامات تلك الأحلاف و" ممثلوها " في مناصب الدولة، مفاده :
" كل مده اتحوز شورها أولادها ".
وكان التفاعل مع أمر معاوية سريعا وتنفيذه " فعالا " ، حيث استدعى كل متنفذ أقاربه من الطلاب ووعدهم ببعض الأمور ( مال، منح ، توظيف ، .... ) وتم إرسال العديد من الطلاب إلى مقاطعاتهم وقراهم ( أو نفيهم مؤقتا أحرى ) وتوقف الإضراب بعد ذلك لعوامل أخرى دخلت على الخط.
عرف عن غزواني ولهه وإعجابه بنظام ولد الطائع وأسلوبه أو طريقته في الحكم ( تسيير البلد بتفاهمات قبلية سياسية ) ونمط حياة وعيش المجتمع الذي " خلق " بدايات التسعينيات ليكون تربة خصبة ل " الديمقراطية العسكرية " التي يريد حكم البلد من خلالها، وهو المجتمع الذي أسميه " مجتمع الحزب الجمهوري " ( مجتمع البذخ والغبن والطبقية والمتنفذين )، ولا أدل على ذلك من انتهاج غزواني نفس نهج معاوية في تسيير البلد وإصراره أن تشمل حكوماته الثلاثة 5 أو 6 وزراء - على الأقل - من نظام ولد الطائع ونصف مدراء المؤسسات العمومية تقريبا، لدرجة اكتظاظهم اليوم في بعض الوزارات كوزارة المياه التي بها لوحدها 3 وزراء طائعيين ( الوزير نفسه، مدير شركة المياه، مدير إدارة الصرف الصحي ).
لم يعد بالإمكان اليوم تقليد ولد الطائع في سياسة " كل مده اتحوز شورها أولادها " لسببين أساسيين :
أولهما أن " أولادها " تجاوزوا سن الوصاية القبلية.
وثانيهما، وهو الأهم ، أن " أولادها " ينشطون على فضاء حر وفي دول خارجية حرة، وكل المعطيات تجعلهم خارج دائرة الوصاية.
ورغم ذلك يحاول النظام الطائعي في نسخته المشوهة الحكامة للبلد حاليا، ممارسة نفس مقاربات التسعينيات في الفساد والتوظيف والتنكيل بالمواطنين المسالمين ومصادرة الحريات العامة والخاصة، ومن مقارباته في التعامل مع معارضيه ومنتقديه ( الأحرار ) الإنتقام من أقاربهم والتضييق عليهم في أرزاقهم وحقوقهم وليس ما حصل مع السيدة فطمة بنت ابنيجاره سوى أحد الأمثلة على هذه السياسة.
فمنت ابنيجاره ليست سوى رئيسة لقسم التدقيق في الشيكات بالخزينة العامة، وليس لديها جهاز كشف الشيكات المزورة ولا أية تقنية لكشف تزوير التوقيعات.. تتعامل يوميا مع مئات المعاملات المالية الحكومية عبر المندوبين والمحاسبين الذين كان من ضمنهم محاسب مستشفي الأمومة. وكروتين عادي - كما هو معمول به في الإدارة الموريتانية - تؤشر على الشيك حتى يتحول إلى مصلحة التحصيل، وفي العادة توسم الشيكات قبلها بتأشيرات مديرين في المستشفى ثم المالية العامة ، ومن المفترض موافاة مديرة المستشفى بكشف الحساب كل أسبوع.. فكيف لم تكتشف اختلاس نصف مليار أوقية ؟ !
السيدة بنت ابنيجاره تهمتها الوحيدة أنها أشرت على شيك بمبلغ أقل من مليون أوقية ( 900 ألف تحديدا ) طلب منها أحد السماسرة ( موردي ) المستشفى إنهاء معاملته له في نهاية وقت الدوام، وهو ليس بغريب - أي المورد - عليها، فهو من قدامى الموردين للمستشفى ولا يمكنه إثارة شكها في هكذا معاملة.
المحاسب المتهم شهد واعترف أمام الشرطة بأن المعنية لا علاقة لها بالموضوع من بعيد أو من قريب، واستغرب ومن تم اعتقالهم أو التحقيق معهم وجودها ضمنهم واستغربوا أكثر اعتقالها وتوجيه تهمة لها.
تقطن المعنية في منزل مؤجر بحي " كرفور " وتعيش حياة بسيطة، ولم يعرف عنها يوم بذخ أو مظهر من مظاهر حياة ترف لصوص المال العام والمستفيدين منه.
المعنية مجرد ضحية لمقاربات النظام في الإنتقام من خصومه ومنتقديه خاصة أنهم موجودون خارج دائرة الوصاية أو الترغيب والترهيب، فابن عمها الحر Mohamed Mahmoud Bneijara غني عن التعريف في مجال انتقاد النظام وكشف الفساد والمفسدين بشكل يومي ومنذ سنوات على وسائل التواصل الإجتماعي، ثم تظهر إبنة عمها السيدة وردة بنت ابنيجاره قبل أيام في مظاهرة أمام سفارة النظام بواشنطن ، مشاركة انتقدها وندد بها المدافعون عن النظام ( خوفا وطمعا ) واتخذ مكتب الجالية الموريتانية بواشنطن قرارا فوريا ب " طردها " من المكتب، ولن تكون - أو تمر - هذه الحادثة " بردا وسلاما " بطبيعة الحال على السيدة فطمة بنت ابنيجاره.
أخيرا...
اتصل بي صديق بالأمس ليقول :
انت صاحبك، محمد محمود ولد ابنيجاره، ايبان ايدافع عن منت عمو !
فأجبته :
لو لم يفعلها لسقط من عيني ...
كنت لأستغرب ويحصل عندي شك في " تجرده " أثناء الكتابة عن القضايا، لو لم يعالج قضية ابنة عمه كما عالج مئات القضايا، بالدفاع عنها أو بتسليط الضوء على تورطها في قضية فساد.
المدون الحر لا يأخذ في الإعتبار قرابة شخص أو قبيلته أو جهته أو لونه حينما يسلط الضوء على قضية تتعلق به، بريئا كان أو مذنبا، والإمساك عن الكتابة حول مظلمة لأن المظلوم قريب أو قريبة، يكشف أن المدون " فيه لعظام " ويرضخ لضغوض تكميم الأفواه L'intimidation ولا يكتب بتجرد من العواطف .
إن كانت مديرة مستشفى الأمومة والطفولة بريئة في هذه القضية بحكم أن المحاسب يتبع لوزارة المالية وللمستشفى محاسبه الخاص، كما يقول المدافعون عنها، فبنت ابنيجاره أولى بالبراءة بهكذا منطق كونها لا سلطة لها ولا قرار وكل عملها مجرد إجراء روتيني في الإدارة الموريتانية البيروقراطية.