الراصد: : لم ينته بعد انشغال موريتانيا بعملية الاغتيال البشعة التي تعرض لها قبل أيام سبعة موريتانيين داخل الأراضي المالية، ولم يكتف الساسة والمدونون بما تبادلته الحكومتان الموريتانية والمالية من تصريحات بخصوص إجراء تحقيق مشترك حول الحادثة. فقد أعاد عدد من كبار المحللين طرح السؤال الذي لا إجابة عليه وهو: من الذي ذبح الموريتانيين السبعة وأخذ وقته، لدفنهم بدم بارد في قليب داخل التراب المالي؟ وفي ظل استبعاد أن يقوم الجيش النظامي المالي بعملية اغتيال جبانة بهذه البشاعة، وأمام استبعاد أن تقوم الحركات الجهادية المسلحة المحكومة بالوازع الديني بذبح سبعة رجال مسلمين دفعة واحدة، اتجهت أنظار بعض المحللين نحو فرضية أن تكون فرنسا وعملاؤها هم الجهة المنفذة لهذه العملية بما لدى باريس من حضور في المنطقة وما يتبع لها من بيادق وجواسيس وانتحاريين داخل التراب المالي. وعضد مفترضو التورط الفرنسي تهمتهم بسخط فرنسا على الطغمة الحاكمة في باماكو، وهو ما وصفه المحلل السياسي محمد الأمين الفاضل “بعدم تورع فرنسا عن القيام بأي شيء في سبيل إعادة النظام المتمرد عليها في مالي إلى رشده، وإلى بيت الطاعة”. وتابع الفاضل: “بغض النظر عن خطورة الانقلابات على الديمقراطية، وعن شرعية النظام القائم في مالي، فإن الشيء المؤكد هو أن النظام الحاكم في مالي قد دخل في مواجهة مكشوفة مع فرنسا، ومما لا شك فيه أن فرنسا بغرورها الاستعماري لن تقبل أن يسيء إليها الأدبَ، نظامٌ حاكم في إحدى مستعمراتها، فما يحدث في مالي من محاولة للخروج من جلباب الهيمنة الفرنسية لن تبتلعه فرنسا بسهولة، ومن المؤكد أنها لن تتورع عن أي شيء، وتدرك فرنسا أن الضربة القاضية التي ستؤدي إلى خنق مالي وإسقاط نظامها الحاكم تتمثل في إحداث توتر على الحدود الموريتانية المالية يؤدي إلى إغلاق تلك الحدود أمام التبادل التجاري، الشيء الذي يعني تشديد الحصار على مالي، وإيصاله إلى مستوى لا يمكن تحمله شعبياً ولا حكومياً”. واستدرك المحلل ليقول: “لا يعني هذا الكلام أن لفرنسا علاقة ما بمقتل الموريتانيين السبعة، ولا أنها مسؤولة عن ما يمكن أن يحدث مستقبلاً في هذا الاتجاه، فهذه ستبقى مجرد فرضية، ولكن لا يمكن استبعادها بشكل كامل إلا من بعد ظهور نتائج التحقيق”. وقال: “الواقع الجغرافي لا يمكن إلغاؤه ولا تجاوزه تحت أي ظرف، فموريتانيا ومالي تربطهما حدود برية طويلة جداً تصل إلى 2237 كلم، وهي من حيث الطول تأتي في الرتبة 14 عالمياً، والرتبة 3 إفريقياً، وهذه الحدود تمر تقريباً بنصف الولايات الموريتانية، وتلك حقيقة جغرافية يجب التعامل معها بحكمة وواقعية، فهذه الحدود الطويلة لا يمكن أن تلغى تحت أي ظرف، فلا موريتانيا تستطيع أن تلغي مالي من جوارها، ولا مالي تستطيع أن تلغي موريتانيا من جوارها”. وأضاف هناك عبارة شائعة تقول إن رفرفة أجنحة فراشة في البرازيل قد تؤدي إلى إعصار في تكساس، ومن هذا المنطلق فإن ما يحدث في مالي يمكن أن نصنفه بشكل أو بآخر، بأنه شأن داخلي موريتاني، ذلك أن تأثيراته ستنعكس مباشرة على بلادنا، إيجاباً أو سلباً، تبعاً لتعاملنا على المستويين الرسمي والشعبي مما يجري هناك”. وزاد: “الواقع السياسي والأمني لدى الشقيقة مالي في غاية التعقيد، فهناك مناطق شاسعة في هذه البلاد لا تخضع لسيطرة الحكومة، ومن الراجح جداً أن يتحرك عملاء بعض القوى الدولية أو الإقليمية أو حتى المحلية للقيام بكل ما من شأنه أن يزعزع العلاقة بين موريتانيا ومالي، خاصة وأن هناك فرصاً في الوقت الحالي أمام موريتانيا يمكن أن تستغلها لتعزيز علاقاتها التجارية مع مالي، وقد يكون ذلك على حساب مصالح بعض دول المنطقة”. أما الخبير مختار آبكه، رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في منطقة الساحل، فقد كان صريحاً في توجيه الاتهام إلى فرنسا، حيث أفرد لحادثة اغتيال الموريتانيين السبعة مقالاً تحت عنوان “هل فعلتها المخابرات الفرنسية لتأزيم الوضع بين نواكشوط وباماكو؟”. وقال: “تبدو بصمات الاستخبارات الفرنسية واضحة وضوح الشمس فى العملية التي راح ضحيتها سبعة موريتانيين عزل كانوا فى طريقهم إلى مدينة النوارة المالية يوم 17 يناير/كانون الثاني الجاري، وبما أنه للجيش المالي سابقة فى قتل المدنيين العزل سواء أكانوا ماليين أو موريتانيين، فإن ذلك يسهل على البعض إلصاق التهمة به بهذا الجيش”. وزاد: “لكن أول سؤال يطرح بعد وقوع أي جريمة، هو من المستفيد؟ فكل الدلائل تؤكد أن الفرنسيين ومن ورائهم صقور “إيكواس” هم أول المستفيدين، حيث ستؤدي هذه العملية الجبانة إلى اتخاذ السلطات الموريتانية والشعب الموريتاني لموقف معاد لحكومة باماكو وسيتراجعون عن التزامهم بالسماح لها باستخدام ميناء نواكشوط، وربما يعلقون الرحلات الجوية من مطار نواكشوط باتجاه باماكو”. وأضاف المختار أبكه: “حسب وجهة نظري، لم توفق باريس وحلفاؤها فى حبك وإخراج مسرحية الجريمة، فقد انكشف الستار عنها سريعاً”، مضيفاً: “كانت الاستخبارات الفرنسية غبية فى تنفيذ هذه العملية وستكشف تفاصيلها قريباً، وإن أراد البعض تلبيسها لعناصر الجيش المالي، لكني مع عدم تبرئتي له لماله من سابق فعل شنيع فى ارتكاب جرائم ضد مواطنيه ومواطنينا وما عملية الدعاة عنا ببعيد، فإني أرى أنه مظلوم في هذه العملية”. وقال: “لقد قامت الاستخبارات الفرنسية بالعملية الجبانة وأقدمت على قتل سبعة مواطنين موريتانيين داخل الأراضي المالية، من أجل إشعال توتر حدودي واحتقان شعبي بين مالي وموريتانيا، عقاباً للقيادة العسكرية الحاكمة في مالي التي تريد التحرر من التبعية لفرنسا والخروج من بيت الطاعة وعدم قبول وجود الجيش الفرنسي على الأراضي المالية تحت بنود اتفاقية استعمارية وبمبرر مكافحة الإرهاب في الساحل”. وتابع: “لا أستبعد أن ينفذ الفرنسيون وعملاؤهم، عمليات تخدم أجندتهم فى الجانب الموريتاني كأن يهاجم مسلحون يستقلون سيارات مدنية بلوحات موريتانية عناصر من الجيش المالي بحجة الثأر، مما سيصب الزيت على النار وينجح مخطط فرنسا وعملائها فى المنطقة، لا قدر الله”. القدس