من اكبر محن الوطن إعاقة ظلم الإنسان لأخيه الإنسان على أرضه قبل تأسيس الدولة وبعد قيامها ومحاولة تطبيق فكرتها وتنفيذها من لدن أبناء مجتمع عانى كثيرا وسلبته الحياة القاسية الكثير من خصائص البشر الإيجابية والمميزة ولم يعرف مزايا العيش المشترك الآمن خلال رحلة الشتاء الطويلة على أديم الأرض القاحلة من دعائم الأمن و من محفزات الاستقرار الداعية الى التمكن من قيام حضارة عمرانية تعزز الرغبة في خلق النسيج الضروري لتأكيد الصفات الدالة على تكريم الجنس بصفة عامة وشاملة ، لذالك فالأجيال بحاجة ماسة إلى تحديث أسباب رغبة انتقامها من المجتمع أولا ومن النخبة المسيطرة ثانيا وعلى هذه الاخيرة كي تجنب المشروع الافلاس والخراب ان تبعد العناصر المنتهية الصلاحية و تلك التي لم تتمكن من إثبات جدارة افكارها بالشمولية المطلوبة بالحاح في المجتمعات الحديثة .
ان وباء العنصرية الفتاك لم يقتصر على الممارسة الجسدية والمادية بل تجاوزهما الى الروحية والفكرية وقد سعت مجاميع عديدة عن عمد الى تكريس العنصرية بكل اشكالها واستماتت من اجل تحقيق هدافها الخسيسة واستخدمت القبيلة والجهة والدولة الوطنية فيما بعد لإنجاح هذ المسعى الاناني التمييزي القاصر وبالفعل تمكنت من حصد حياة وحرية واستقلالية العديد من الضحايا ، والواقع الأليم اليوم يعبر عن مدى نجاح العنصرية في تكريسها حتى في اذهان الضحايا ولربما الجناة أنفسهم ، والكم الهائل الذي تحصل عليه زبانيتها من راحة وتميز منتزع بعنف وفظاعة من حصص الشرائح المستضعفة التي مثلت سوق العرض الرخيص .
حينما تستخدم النخبة السياسية عواطف الضحايا كوسيلة ابتزاز النظام أي نظام ، فنحن امام مشهد ينذر بأنانية النخبة المفرطة واقتصار طموحها على منافعها المادية والرمزية الضيقة وهو ما يعني ان المشروع المتحصل عليه ـ بكثير من المعاناة وحكايات آلامه لا يزال انين ضحاياها يتردد بوضوح وبوجع في آذان الجميع ــ انه عرضة لمخاطر لا يمكن ابعادها الا بثمن باهض سيدفع قسط فاتورته الاكبر الضحايا والابرياء الذين قذفت بهم الاقدار داخل وطن لم يتفق اهله بعد عليه كوطن واحد للجميع وما سواه مجرد أملاك للغير محصورة ومحفوظة بعناية إن تسسلل منها او إليها البعض فلمدة محدودة جدا ومرتبطة بمساهمته المادية المعلومة او الروحية المدعومة .
لم تسلم لحظات الوطن عبر تاريخه القصير من هزات تخيف انتظام شعبه عليه يستخدمها البعض لفرض رؤيته او لاختطاف حصص غيره وهو ما ظل يعيق محاولة تجاوز الأطر التقليدية المسيطرة ويضعف اعتماد الوطن كبديل عنها يتوفر على ضمانات المساواة والإخاء و نشر العدل بل ويتخذها شعارا له لكي تطمئن أفئدة المطاردين عن حياض خيره وعطائه وعن دفئ احتضانه للجميع ، مهما طال انتظار تطبيقها واحترام الجميع لها فإن الرجوع عنها كفر بالوطن الذي تفرضه طبيعة التطور وأنظمة الكون من حولنا .
مهما حاولنا كجمهورية وكوطن حديث نكران العنصرية ومحاولة بعض الدوائر لفرض استمرارها فإن آثارها الدامية وحالاتها النشطة المخفية لا يمكن حجبها عن ضحاياها ولا عن أعين المسترقين النظر من فجاج مخابئهم ومن آثار تجاربهم النازفة ، فمن عاش الألم ليس كمن قرأ عنه ومن سيطرت عليه الغرائز وحب الشهوات ليس كمن يدفع حريته وكرامته وشرفه وبشريته مقابل البقاء على قيد الحياة متعلقا بأذناب أقسى أسبابها واشد أنواعها فتكا وصعوبة ؛ وستظل المصارحة والاعتراف بالخطا اقصر السبل لمواجهة الضحايا بحقيقة واقعهم وواقع أسلافهم المرير وعلى الجمهورية ان تتكفل بتصحيح اخطاء الجناة وان تفرض ارادتها على الجميع وتوقف حرب الاستنزاف المتبادلة وتوقف التجييش المعلن على منابر التواصل الذي يهدد السلم الاهلي والذي هو اهم دعائم استمرار المشروع الوطني الشامل والجامع والمانع فالاستمرار في خلق الامل وتصديقه مرهون ياستمرار تصحيح الاخطاء المعروفة وتلك التي تم اكتشافها مؤخرا وتلك التي لا تزال تكتشف ، وعلى النخبة السياسية تحديدا وقف دقدقة مشاعر المشحونين بفعل الظلم و ضعف الفرص المتاحة ومحدودية العمل الوطني الذي استهدف تضميد الجراح فمن يحاول تشكيل قاعدة شعبية عليه ان يروج الخطاب المقبول لا ان ينكي جراح الظلم والقهر ويدعوا للانتقام فالمواجهة إن حدثت ــ لا قدر الله ــ لن تبقي على فصيل ولن تذر شريحة وتأتي نارها على حصاد الجميع .