الراصد/: بعد أسبوع على قرارات قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان التي أعلنها في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فإن المشهد في البلاد بات مفتوحا على سيناريوهات عدة، لا سيما في أعقاب احتجاجات السبت الماضي التي عمت العاصمة الخرطوم ومدنا أخرى.
ولم يتغير مشهد شوارع الخرطوم غداة احتجاجات السبت عن الأيام التي أعقبت القرارات المعلنة في 25 أكتوبر/تشرين الأول، فما زالت الحياة العامة شبه متوقفة باستمرار إغلاق المدارس والمصارف وغالبية المؤسسات الحكومية، كما لا تزال خدمات الإنترنت والاتصالات مقطوعة، بينما تواصل قوات عسكرية إزالة الحواجز والمتاريس من الشوارع الرئيسية في مسعى لإعادة الأمور إلى نصابها.
وشهدت الخرطوم على مدى الساعات الـ 24 الماضية حراكا سياسيا لافتا تمثل بتعدد الوساطات المحلية والخارجية الساعية لإيجاد مخرج من الأزمة في البلاد، حيث تعددت الاتصالات واللقاءات المكوكية مع قائد الجيش السوداني من جهة، ورئيس الوزراء المعزول عبد الله حمدوك من جهة أخرى.
أكثر تشددا
ويرى مراقبون أن كلا الطرفين باتا أكثر تشددا في مواقفهما بعد مظاهرات السبت الماضي، فالمكون المدني رأى في المواكب الحاشدة دعما كبيرا من الشارع المساند لمشروع الدولة المدنية، في حين ذهب المكون العسكري لرفض العودة لما قبل 25 أكتوبر/تشرين الأول، وبات أكثر تشددا بضرورة البحث عن صيغة توافق جديدة مع مكون مدني يصر على إشراك قوى أخرى فيه.
وبحسب القيادي في تحالف قوى الحرية والتغيير مجموعة المجلس المركزي معتز صالح، فإن العسكريين لم يظهروا أي نية للتراجع عن تلك القرارات، ورغم الرسائل التي بعثتها جموع السودانيين في موكب 21 و30 أكتوبر/تشرين الأول بأن لا بديل عن مدنية الدولة، وهي مشاهد عززت -كما يقول- وحدة الشعب الذي تحدى الوضع الاقتصادي السيئ ولم توقفه إجراءات العسكر بقطع الإنترنت والاتصالات.
الرسائل وصلت
ويقول صالح للجزيرة نت إن رسائل السودانيين تلك وصلت لكل العالم بوضوح، لكنها من الناحية العملية لم تؤثر في قرارات القائد العام للجيش، وهو ما يعني زيادة المشهد تعقيدا دون بارقة حل قريبا.
ويرى مسؤول في الحكومة المعزولة تحدث للجزيرة نت مشترطا عدم ذكر اسمه، أن "الإصرار على الإجراءات المعلنة من قائد الجيش يؤكد أن القبضة العسكرية في طريقها لمزيد من الإحكام".
وذهب المصدر إلى اعتبار أن التصريحات عن تسليم السلطة لحكومة مدنية "ليست سوى ذر للرماد في العيون بعد التدخل السافر من البرهان واعتقاله وزراء واحتجاز رئيس الحكومة عبد الله حمدوك ووضعه قيد الإقامة الجبرية ومنعه من التواصل مع الإعلام".
لكن المؤكد بحسب مراقبين أن المكون العسكري سمح في المقابل لوفود محلية وأجنبية بمقابلة حمدوك والتوسط لإقناعه بقبول رئاسة الحكومة الجديدة، في محاولة لإعادة الصورة لما كانت عليه قبل الإجراءات، على أن تكون الحكومة الجديدة بعيدة عن أي حاضنة سياسية.
شروط حمدوك
وتؤكد مصادر متعددة أن حمدوك وضع شروطا للعودة للمشهد السياسي من جديد، على رأسها الإفراج عن المعتقلين السياسيين، والالتزام بالوثيقة الدستورية التي تحدد التزامات كل طرف دون أي تغيير في خارطة قسمة السلطة السابقة، بما يعني العودة إلى ما كان عليه الحال قبل 25 أكتوبر/تشرين الأول، كما أنه يتمسك بعدم التدخل في تحديد الشخصيات التي تتقلد المناصب، غير أن المكون العسكري رفض هذه الشروط وقال إنه لن يسمح بعودة الوجوه ذاتها التي كانت سببا في الأزمة من وجهة نظره.
وبحسب المصادر ذاتها، فإن العسكريين يريدون تكوين حكومة تكنوقراط دون لافتات حزبية ومن كفاءات ذات خبرة، لإقالة عثرة ملفات عديدة يرى العسكر أن وزراء الحكومة السابقة فشلوا في حلها، بينها قضايا وملفات ذات صلة بالصحة والتعليم والاقتصاد.
بدائل البرهان
ووفقا لمصدر مقرب من المؤسسة العسكرية تحدث للجزيرة نت، فإن القائد العام للجيش عازم على مواصلة المضي في قراراته ويعكف حاليا على مشاورات مكثفة لتسريع تشكيل حكومة مدنية، متوقعا إكمال ذلك قبل نهاية الأسبوع، على أن تعلن خلال ساعات التعيينات في المؤسسات العدلية، بينها رئيس القضاء والنائب العام.
ووفقا للمصدر المقرب للعسكريين، فإن قيادة الجيش ما زالت على أمل أن يوافق عبد الله حمدوك على الرجوع من جديد كمخرج من ضغوط دولية عنيفة تتمسك بالرجل رئيسا شرعيا للحكومة السودانية، وأنها "تقبل بجميع المقترحات والوساطات الساعية لتخفيف الاحتقان الحالي".
وعلمت الجزيرة نت أن فولكر بيرتس مبعوث بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال في السودان "يونيتامس" قضى ساعات طويلة مع حمدوك ليل السبت الماضي، في مسعى جدي لإيجاد معادلة مرضية لكل الأطراف، كما وصل الأحد إلى الخرطوم وفد رفيع المستوى من دولة جنوب السودان لتقريب شقة الخلافات.
ويلفت المصدر إلى أن القيادة العسكرية تضع في الحسبان عدم نجاح المساعي مع حمدوك وتبحث في أسماء أخرى لتولي المنصب.
مفتاح الحل
ومن وجهة نظر المحلل السياسي عبد الله آدم خاطر، فإن اشتراطات حمدوك لإطلاق سراح المعتقلين وفتح المجال للتفاوض مع كل القوى السياسية يمثلان المفتاح للحد من تفاقم الأزمة، متسائلا عن دواعي رفض البرهان لها رغم معقوليتها.
ويشير خاطر في حديثه للجزيرة نت إلى أن حمدوك لم يرفض تحمل المسؤولية من جديد، وأنه ما زال المرشح الأول لرئاسة الحكومة، خاصة في ظل تكاثر الوساطات الدولية وما أنتجه عامل احتجاجات 30 أكتوبر/تشرين الأول من الفراغ الذي تشهده مؤسسات الدولة منذ يوم الاثنين الماضي، مقرونا مع حالة الشلل في الحياة العامة، وجميعها مسائل تفرض على البرهان النظر بشكل مختلف للوضع الحالي.
ويؤكد أن احتجاجات السبت الماضي عززت تمسك السودانيين بالديمقراطية والمدنية، وهو الأمر ذاته الذي زعم البرهان الحرص على تحقيقه، وبات هذا رأي الشارع السوداني ولا يمكن لأحد تغييره، بما يستلزم إيجاد معالجات ضرورية عبر الوسطاء والحكماء لحل المشكلات ويعاد فهم الأزمة من جديد ويتم جدولة الحكم في اتجاه المدنية الكاملة.
التصعيد المستمر
وبالنسبة لتحالف الحرية والتغيير، يقول معتز صالح إنه ما لم يحصل اختراق في الوضع الحالي فلا مناص من التصعيد المستمر بالتنسيق مع تجمع المهنيين ومواصلة العصيان والاعتصام.
ويشير إلى إعلان كل من المعلمين والصيارفة أمس الأحد الدخول في إضراب شامل، وهو ما يعني مزيدا من تعقيد المشهد، وسيؤدي في النهاية إلى إضراب عام في كل البلاد.