الراصد: قال تقرير دولي نشرته منظمة "شانجينغ ماركت Changing Markets" بالتعاون مع شبكة السلام الأخضر - إفريقيا Greenpeace Africa، إن استنزاف المخزون السمكي من قبل مصانع دقيق السمك وزيت السمك يهدد الأمن الغذائي والتوظيف في كل من السنغال وموريتانيا.
وأكد التقرير أن موريتانيا تعد المزود الأول على مستوى المنطقة للمصانع الأوربية إذ تنتج لوحدها 110 ألف طن من دقيق السمك من ضمنها 18٪ موجهة للسوق الأوربي، كما تنتج 35 ألف طن من زيوت السمك من ضمنها 70٪ موجهة للسوق الأوربي.
وأضاف التقرير أنه في عام 2019 لوحده، استقبلت فرنسا أكثر من 60٪ من الواردات الأوروبية من زيت السمك الموريتاني، بينما كانت إسبانيا المستورد الرئيسي لزيت السمك السنغالي. نظرا لارتباطهم بشركات متورطة بشكل مباشر في هذه الفضيحة. حسب التقرير.
وأشار التقرير إلى أنه خلال الفترة من يناير إلى يونيو 2020 سجل الإنتاج الموريتاني لزيوت السمك زيادة بنسبة 20٪، مقارنة مع 2019 رغم الظروف التي فرضتها جائحة كورونا.
وتوقف التقرير مع مساهمة العلامات التجارية الفرنسية E.Leclerc وCarrefour وAuchan وMonoprix وCasino في هذا الاستنزاف، مردفا أن جشع هذه الشركات دفعها لاستغلال الصيادين التقليدين.
وذكر التقرير بأن موريتانيا والسنغال وقعتا في سبتمبر 2019 اتفاقا يسمح لـ400 زورق سنغالي بصيد 50 ألف طن من سمك السردين في المياه الإقليمية الموريتانية، غير أن بندا من هذا الاتفاق فرض على الصيادين تفريغ محصولهم في الموانئ الموريتانية والتي تزود المصانع المنتجة لدقيق وزيت السمك.
ولفت التقرير إلى أن هذا يتم في الوقت الذي يعد الصيد التقليدي المتنفس الوحيد لتزويد الأسواق المحلية بالمنتجات السمكية، مضيفا أن أغلبية هذه الشحنات توجهه لصناعة الأعلاف الحيوانية، حيث يتم توجيه 23٪ منها لصناعة أعلاف الخنازير.
تكتم على المعلومات
وذكر التقرير أن العلاقات التجارية بين المصانع الأوربية والشركات المحلية المزودة تحول دون الوصول لمزيد من المعطيات حول هذه القضية، وتحاول الشركات التغطية على عناصر ما وصفها التقرير بالفضيحة، رغم حجم الأموال الطائلة التي تجنيها هذه الشركات على حساب صحة وغذاء السكان المحليين.
وأكد التقرير أن الشركات الأوربية الأربعة الأولى في هذه الصناعات، وهي (Cargil Agua Nurution, EWOS, Mowi و BioMar) جنت خلال سنة 2017 لوحدها أرباحا بقيمة 3.3 مليار دولار.
ونبه التقرير إلى المخاطر التي تتفاقم جراء التبعات الصحية والبيئية التي تخلفها مصانع دقيق السمك، ففي "موريتانيا البلد الذي يضم أكبر عدد من مصانع دقيق السمك يشكو الكثير من سكان المناطق المحاذية للمصانع من أمراض مزمنة وأزمات تنفسية، كما ظهرت حالات من الأمراض الجلدية، هذا فضلا عن الأضرار البيئة بالمناطق البحرية المحاذية للمصانع".
تلاعب بالأرقام
وأشار التقرير إلى أن منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" أبرزت في تقرير عن وضعية مخزون الأسماك من نوع السردين أعدته عن المنطقة خلال 2019 الحاجة الماسة لخفض عمليات الصيد بنسبة لا تقل عن 50٪، وهو الأمر الذي لم تلتزم به الشركات.
وأكدت المنظمة أن تدقيق الأرقام أثناء إعداد التقرير أوضح بشكل بين أن الأرقام التي تقدمها الجهات المصدرة تختلف عن الأرقام التي تقدمها الجهات المستوردة، وهو ما يفسر تلاعبا ومحاولة للتغطية على حجم استنزاف الثروات.
ومثل التقرير لذلك بأنه في موريتانيا حسب قاعدة بيانات TradMap صرحت أنها صدرت للنرويج 3891 طنا من زيوت السمك خلال سنة 2019 مسجلة تحت الأرقام التجارية 150410 و150420، لكن المعطيات والأرقام المصرح بها من النرويج مختلفة، ففي نفس السنة وتحت الرقم 150420 لوحده صرحت النرويج أنها استوردت من موريتانيا 24344 طنا.
ولفت التقرير إلى أن إدراك حجم استنزاف الثروة البحرية في هذه البلدان، يتطلب معرفة أن إنتاج طن واحد من دقيق السمك يتطلب من 4 إلى 5 أطنان من الأسماك.
ووصف التقرير الحكومات الموريتانية والسنغالية والغامبية بأنها ليست على مستوى المسؤولية، إذ لم تعد قادرة على إدارة الموارد السمكية البحرية المشتركة بشكل صحيح.
ودعت منظمة السلام الأخضر الإفريقي من خلال التقرير إلى وقف صيد الأسماك الصالحة للاستهلاك البشري في غرب إفريقيا لتغذية الطلب على دقيق السمك وزيت السمك في الاتحاد الأوروبي.
جوع البشر لإطعام الوحوش
التقرير حمل عنوان: "إطعام الوحش: كيف تسرق المصانع الأوربية لزراعة الأحياء المائية وصناعات الأعلاف الحيوانية الغذاء من مجتمعات غرب إفريقيا"، وأشار إلى أن الكميات التي يتم تصدريها سنوات تكفي لإطعام 33 مليون شخص في المنطقة.
وتناول التقرير ما وصفها بالعواقب المدمرة لتجارة دقيق وزيت السمك في غرب إفريقيا، وكيف تقوم شركات زراعة الأحياء المائية وصناعات الأعلاف في أوروبا بتحويل مسار الغذاء لمجتمعات غرب إفريقيا.
وأكد التقرير أنه في كل عام يتم صيد أكثر من 500.000 طن من الأسماك من غرب إفريقيا لتحويلها إلى دقيق سمك وزيت سمك، ثم تصديرها للأسواق الأوروبية والآسيوية، مردفا أن هذه الصناعة تحرم سكان وسط السنغال والبلدان غير الساحلية، مثل مالي وبوركينا فاسو ، من أحد مصادرهم الرئيسية للبروتين.
وشدد التقرير الدولي على أن الضحايا الرئيسيين لهذه الصناعة هن النساء المعالجات للأسماك اللاتي يعملن بشكل تقليدي لتجفيف وبيع الأسماك في الأسواق المحلية، وكذلك الصيادين الحرفيين في بلدان المنطقة والذين يفقدون مصدر رزقهم بمنافسة واستنزاف الصيد الصناعي الأجنبي للثروة.
واعتبر التقرير أن الاستغلال المفرط للمخزون السمكي في هذه البلدان يؤدي إلى تفاقم الصعوبات القائمة، وزيادة التحديات مع أضرار مصانع دقيق السمك ومصانع زيت السمك التي تضر بالبيئة وتهدد الأمن الغذائي وسبل العيش والوظائف لملايين الأشخاص في غرب إفريقيا.
وقال التقرير إن دول غرب إفريقيا تعد موردا عالميا لدقيق السمك وزيت السمك، ولا سيما زيت السمك لقطاع زراعة الأحياء المائية في أوروبا، مضيفا أن الموارد السمكية البحرية من نوع السردين المستديرة، والسردين المسطحة، والبونجا هي بالفعل ضحايا للصيد الجائر في هذه المنطقة. ويساهم صيدها لتحويلها إلى دقيق سمكي وزيت سمك بغرض تغذية الأسماك المستزرعة أو صنع مستحضرات التجميل أو إنتاج أغذية الحيوانات الأليفة، في تفاقم الصعوبات القائمة بالفعل وتسريع استنفاد الموارد.
وكشف التقرير أن كميات دقيق وزيت السمك المصدر لأوربا قفزت من 13 الف طن سنة 2010 إلى 170 الف طن سنة 2019، مشيرا إلى أن صناعة دقيق وزيوت السمك تعمل على تحويل مصدر غذاء مهم لصالح تربية الحيوانات.
وأكد التقرير أن سوء الإدارة في دول المنطقة، والصيد غير القانوني وغير المرخص، والاستغلال المفرط للمخزون السمكي من قبل صناعات مثل مصانع دقيق السمك وزيت السمك، كلها عوامل تؤدي إلى عواقب وخيمة على السكان المحليين، إذ يسلبونهم أحد أهم مصادر التغذية محليا وأحد أبرز مصادر دخل سكان منطقة غرب إفريقيا عموما، الأمر الذي يلجؤ السكان لنظام غذائي فاشل حسب التقرير.