الراصد: كرس دستور 20 يوليو 1991 المعدل والمراجع في السنوات: 2006، 2012، 2017 في مادته العاشرة حرية التعبير وحرية الرأي والتفكير، كما كرست جميع العهود والمواثيق الدولية التي صادقت عليها الجمهورية الإسلامية الموريتانية العديد من الحقوق والحريات المتعلقة بالإعلام والتعبير، ومن هذه الحقوق الحق في الإعلام الذي لا غنى عنه في بناء الدولة الديمقراطية القائمة على الشفافية وسيادة القانون.
وأمام الانتشار الهائل للمعلومات نتيجة تعدد وسائل الاتصال وظهور شبكة الانترنت التي جعلت من العالم قرية واحدة فإن المتلقي أصبح يعاني لبسا كبيرا وصعوبة أكبر في التفريق بين المعلومة الصحيحة والمعلومة الكاذبة أو المضللة.
من هنا أصبح من واجب الدول التدخل بحزم لضبط الحقوق والحريات الإعلامية بما يضمن للمواطنين نفاذ آمنا إلى معلومات موثوقة تعزز حرية التعبير وتمكنهم من ممارسة حقهم في الإعلام في إطار احترام القيم الديمقراطية وصيانة الحقوق الخاصة.
وفي هذا الإطار صدرت عدة قوانين تسعى لضبط المعلومات وخصوصا الرقمية منها[1] كان آخر هذه القوانين هو القانون 2020/015 المتعلق بمكافحة التلاعب بالمعلومات الصادر بتاريخ: 23 يوليو 2020 والمنشور في العدد 1467 من الجريدة الرسمية.
يتكون هذا القانون من أربع عشرة مادة مقسمة على ثلاثة فصول، خصص أولهما للأحكام العامة والثاني للجرائم وعقوباتها والثالث لأحكام نهائية.
وسنحاول في هذا العرض تسليط الضوء على أهم الإشكاليات التي يثيرها هذا النص وذلك من خلال تتبع مواده.
أولا: الهدف
في إطار الفصل الأول تناولت المادة الأولى هدف القانون، وتأكد من خلال فقرتها الأولى غاية المشرع التي تتمثل في السعي إلى أمان المعلومات وسلامتها، ما من شأنه تعزيز حرية التعبير والإعلام لا تقييدهما كما يظن البعض، أما فقرتها الثانية فقد أضافت إلى الهدف نوعا من تحديد النطاق حيث أشارت إلى التركيز على مكافحة التلاعب بالمعلومات في ظروف الأزمات والانتخابات، وقد يكون ذلك راجع إلى الظروف التي نشأ فيها القانون حيث صدر في ظل انتشار جائحة كوفيد 19 وما صاحبها من تدفق للشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ثانيا: التعريفات
يعتبر البعض أن التعريفات ليست من اختصاص المشرع وإنما تترك للفقه القانوني، إلا أنه في بعض الأحيان ونظرا لدقة مجال معين وحداثته يكون من الأحسن تدخل المشرع بإعطاء تعريفات دقيقة وواضحة، وهو ما حدث في هذا النص حيث تطرقت المادة الثانية للتعريف بالمصطلحات التي تعتبر هامة لتحديد الفعل الجرمي، وهذه المصطلحات هي:
المعلومة الكاذبة
المعلومة المضللة
النبأ الكاذب
المصدر
بث أنباء كاذبة
ثالثا: الجرائم وعقوباتها
تطرق الفصل الثاني من هذا القانون (المواد من: 3 إلى 11) للجرائم التي يعتبرها تلاعبا بالمعلومات والعقوبات المطبقة عليها وسنتطرق فيما يلي لهذه الجرائم حسب عنونة النص لها ثم لأهم الملاحظات المستشفة منها:
الجرائم هي:
نشر معلومات كاذبة
إنشاء هوية رقمية مزيفة
نشر أنباء كاذبة
التواطؤ: ويعتبر كذلك من خلال نشر أخبار كاذبة الهدف منها استفزاز شخص حتى يرتكب جناية أو جنحة
نشر الأخبار المفبركة
التدمير أو التدهور الخطير
المزاد عن بعد
اختلاس الأصوات
وبالرجوع إلى هذه الجرائم يمكن ببساطة اكتشاف المجالات التي أراد المشرع حمايتها من التلاعب بالمعلومات وهي:
النظام العام بعناصره الثلاثة: الأمن العام والصحة العامة والسكينة العامة
حماية انضباط ومعنويات الجيش الوطني
حماية خصوصيات الأشخاص
حماية المجال الانتخابي
أما العقوبات فبالرغم من عدم قوتها؛ حيث تراوحت في الحبس ما بين 3 أشهر إلى 5 سنوات وفي الغرامة ما بين 50 ألف أوقية إلى 500 ألف أوقية إلا أن المشرع جمع فيها بين الغرامة والحبس، وتلك مسألة هامة في السياسة الجنائية، خصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار أن وراء المدانين في هذا المجال غالبا ما تظهر مؤسسات وهيئات لها ملاءة مالية، وتعمل بمخططات ممنهجة من أجل نشر الأخبار الزائفة والمضللة وتشكيل رأي عام مغالط، لذا فإن دفع الغرامات المادية لا يمثل ردعا بالنسبة لها.
رابعا: إنهاء البث
عنون المشرع المادة 11 من هذا القانون بعبارة “إنهاء البث”، وتطرقت هذه المادة لنشر المعلومات الكاذبة التي من شأنها أن تغير نزاهة الانتخابات عمدا أو بشكل مصطنع أو آلي ومكثف من خلال خدمة اتصالات عامة عبر الانترنت، وأعطت لقاضي الأمور الاستعجالية بناء على طلب النيابة العامة أو أي مترشح أو أي حزب أو مجموعة من الأحزاب السياسية أو أي شخص له مصلحة في التصرف ودونما مساس بإصلاح الأضرار المتكبدة أن يأمر بجميع التدابير المتناسبة والضرورية لوقف هذا النشر، وذلك خلال الأشهر الثالثة السابقة لليوم الأول من شهر الانتخابات وحتى إعلان النتائج.
ورغم حرص هذه المادة على حفظ وسلامة الانتخابات التي تعتبر الركيزة الأساسية للديمقراطية إلا أنها تثير الكثير من اللبس حيث خلطت بين البث والنشر وهما أمران مختلفان، كما تثير بعض التساؤلات المتعلقة بوقف النشر وهل هو مقتصر على الحالة التي تكون فيها هذه المعلومات منشورة عبر شبكة الانترنت؟ أم أن الأمر يتعدى ذلك إلى الصحف والمجلات والقنوات الفضائية؟ وهل الوقف هنا يمكن أن يطال الوسيلة أم يقتصر فقط على النشر أو البث محل التجريم ؟
ومحاولة منا للإجابة على هذه التساؤلات نرى أن المشرع قصد الإشارة إلى شبكة الانترنت باعتبارها الوسيلة الأكثر استعمالا في نشر الأخبار الكاذبة والمضللة إلا أن الأمر لا يقتصر عليها أبدا فأي وسيلة أخرى ارتكب من خلالها هذا الفعل يمكن لقاضي الأمور المستعجلة أن يأمر بوقف الفعل لا بتوقيف الوسيلة، وهذا هو دور الأوامر الاستعجالية أن توقف الأفعال الضارة والتي لا يمكن تدارك نتائجها إذا ما انتظر البت في الأصل.
ختاما يعتبر هذا النص مقاربة وطنية هامة في مكافحة التلاعب بالمعلومات وحفظ النظام العام الذي كثيرا ما تهدده المعلومات المضللة والكاذبة، إلا أن الأمر يحتاج إلى تعميق التقنين لكي يحيط بكل جوانب الموضوع، كما أنه من الأهمية بمكان تفعيل الهيئات المكلفة بتطبيق هذا النص خصوصا في المجال الفني من تتبع للجناة ومصادر المعلومات.
وفي هذا المجال يلعب قطاع الدرك الوطني دورا كبيرا من خلال مصلحة مكافحة الجرائم السبرانية التابعة لإدارة التقنيات الجديدة بالقيادة العامة للدرك الوطني، حيث تقوم هذه المصلحة بناء على أوامر قضائية بتحديد الهويات الالكترونية وإعادة ذاكرة الأجهزة وخرق المكالمات وتتبع مسار المنشورات، وغير ذلك من المسائل التقنية الفعالة في تطبيق هذا النص وبالتالي مكافحة التلاعب بالمعلومات.
باحث في القانون الخاص
مستشار قانوني قيد التكوين في المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء
[1] – القانون رقم 2016 – 006 يتضمن القانون التوجيهي لمجتمع المعلومات
القانون رقم 2016 – 007 المتعلق بالجريمة السبرانبة
القانون رقم 2017 – 020 المتعلق بحماية البيانات ذات الطابع الشخصي