الراصد : (عيشه) امرأة في العقد الخامس من عمرها ، وهي أم لخمس بنات ، أبوهن _ (زوجها) شيخ كبير ، شاب رأسه ، واحدودب ظهره ، ووهن العظم منه .. وهو مصاب بعدة أمراض مزمنة …
كان كدح (عيشه) في السوق كافيا لإعالة الأسرة ، حيث كانت تضع قربتين على أتان لها ذلول ، وتمشي إلى السوق ، فتظل تبيع الشراب ، ومساويك الأراك ، والحناء ، و(تقيه) .. لتروح بكفاف ، أو سداد رمق _ على الأصح _ تصون به بنياتها ويغنيها عن ذل المسألة .
أغلق السوق أمام (عيشه) وبإغلاقه فقدت الأمل في الرزق المكتسب ..
لكنها بقيت على يقين من أن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ؛ وأنه سيرزقها ، وطفقت تشدو
توكلت في رزقي على الله خالقي… وأيقنت أن الله لا شك رازقي
وما يك من رزقي فليس يفوتني … ولو كان في قاع البحار العوامق
سيأتي به الله العظيم بفضله… ولو لم يكن مني اللسان بناطق
ففي أي شيء تذهب النفس حسرة… وقد قسم الرحمن رزق الخلائق
وتمد بالبيت الأخير صوتها الرخيم
كان الزوج مستلقيا على قفاه يهم بأمر العزم لكن لا يسطيع منه سوى تحريك زر مذياعه العتيق ليضعه على موجة fm فيستمع للإذاعة الوطنية ..
ناداها ذات ليلة بعد أن سمع خطاب الرئيس ليؤكد لها يقينها ويبشرها بحلول الفرج ، فالرئيس تكلم ، ومن عادته إذا قال أن يفعل ، وأقسم لها الأيمان أنه هو الذي قيل في حقه :
إذا كان ما ينويه فعلا مضارعا… مضى قبل أن تلقى عليه الجوازم
حكى لها عن الصندوق ، وتبرع الدولة والرئيس وأعضاء حكومته ورجال الأعمال والموظفين له ؛
حكى لها عن تخصيص مبلغ مالي صخم لثلاثين ألف أسرة فقيرة .. وعن تحمل الدولة للماء والكهرباء.. وتخفيض الأسعار و وو
تنفست (عيشه) الصعداء وحمدت الله واستبشرت ..
مضى ما يزيد على شهر ازدادت الأوضاع سوءا
وأصاب الضنى (عيشه) وبعلها وبناته .. ولم يعد البعل _ لشدة ارتعاش يده _ يستطيع تحريك زر مذياعه الذي كان يخفف عنه البؤس بما يسمع فيه من الوعود السرابية ..
(عيشه) تطرح سؤالا ، وترسل بلاغا ، وتذكر بماض
السؤال : أين ذهبت أموال صندوق (كورونا) وغيرها؟
البلاغ : إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ ذلك أوضيعه.
الماضي :
” عام الرمادة في الآذان ضجته … لم يكنز إذ ذاك فيه التبر والنعم
كان (التآزر) في الضراء مذهبهم… فبالتكافل يحيى الفرد والأمم .
من صفحة المدون ” أبو عبد الرحمن “