الشفافية في مجال الصفقات العمومية ضمانة لمحاربة الفساد المالي (الحلقة السادسة)

اثنين, 21/10/2024 - 07:35

الراصد: تعد محاربة الفساد من خلال تدعيم الشفافية في الصفقات العمومية، قضية مركزية ومحورية لكثير من الأنظمة التشريعية والقانونية على مستوي الدول العربية وغير العربية، باعتبار أنها أهم مجال من مجالات الاقتصاد، فهي المهيمنة على الاستثمارات واقتصاديات الدول، ولأنها ــ أيضا ــ مجال تتحرك فيه الأموال، وتقوم الدولة من خلالها بنقل الموارد العامة إلى القطاع الخاص وهو ما يجعل من الصفقات العمومية مكانا خصبا لممارسة الفساد وعرضة لأشكال متنوعة منه. 

لهذا فإن اعمال مبدأ الشفافية في نطاقها، يعد من أهم الضمانات والحوافز الاستثمارية عند المستثمرين ’ كما يعد رافعة قوية للاستثمار.

 واحترامه كمبدأ يدل على وجود إرادة سياسية تهدف إلى تعميق آليات السوق والحرية الاقتصادية والمنافسة المشروعة. 

وعليه فقد أولي المشرع الموريتاني أهمية قصوى للشفافية في الصفقات العمومية من خلال مجموعة من التدابير، يمكن أن تساعد في الحد من الفساد، جاء ذلك ــ كما سنري ــ واضحا من خلال مقتضيات قانونية خاصة أو ضحها المشرع في القانون رقم 024 / 2021 الذي حل محل القانون رقم 044 / 2010 المتعلق بالصفقات العمومية وكذا المرسوم 2022 / 083 المتضمن تطبيق القانون المذكور. 

وفي هذا المقال، سيكون محور حديثنا عن مفهوم الصفقات العمومية من خلال القانون الموريتاني، وعن أشكال الفساد والجرائم التي قد تطال الصفقات العمومية، وعن التدابير القانونية التي وضعها القانون الموريتاني لضمان الشفافية فيها. كما سنضيف بعض التوصيات المساعدة في ضمان الشفافية وتعزيزها في مجال الصفقات العمومية. 

 

المحور الأول: مفهوم الصفقات العمومية 

التعريف اللغوي: 

جاء في القاموس المحيط للفيروز آبادي، باب القاف، فصل الصاد، أن كلمة صفقة، تعني: العقد أو البيعة، فيقال: صفقة رابحة أو خاسرة، وكلمة صفقة بفتح فسكون مأخوذة من صفق بمعني ضرب اليد على اليد في البيع وهي علامة إجرائه وإتمامه. 

التعريف الاصطلاحي: 

تدل كلمة صفقة في الاصطلاح على نقل السلعة أو الخدمة من شخص لآخر، كما تدل أيضا على عملية تجارية محتكرة بين أشخاص معدودين. 

التعريف التشريعي:   

ورد في المادة التمهيدية من القانون رقم 2021 / 024 والمنشور في الجريدة الرسمية تحت العدد 1501 الصادر بتاريخ 15 يناير 2022 أن الصفقات العمومية هي " عقد معاوضة مكتوب يبرم وفق الشروط الواردة في هذا القانون ويتعهد بموجبه المقاول أو المورد أو مقدم الخدمات اتجاه الأشخاص المعنويين العموميين الواردين في المادة 3 من هذا القانون، بتنفيذ بعض الأشغال أو توفير بعض السلع أو الخدمات مقابل ثمن. " 

كما يتحدد تعريفها أيضا من خلال ماورد في المادة 3 من نفس القانون المذكور، حيث بينت هذه المادة أن الصفقات العمومية هي عقود معاوضة مكتوبة، تبرم من طرف الأشخاص المعنوية المتمثلة في الدولة والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري والمجموعات الإقليمية اللامركزية وكذا المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري.. 

ويتبن من نص هذه المواد السابقة أن الصفقة العمومية عبارة عن عقد من عقود المعاوضة ’ ينشأ بين طرفين يكون من بينها طرف عام، ويلتزم الطرف الخاص بتقديم الخدمة أو السلعة، مقابل الثمن الذي يقدمه الطرف العام عوضا عن ذلك، كما وتشير المواد أيضا إلى أن عقد الصفقة العمومية يكون مكتوبا، ويعني ذلك ــ زيادة علي أهمية الكتابة في العقود ــ أن هناك مراحل وإجراءات شكلية يجب اتباعها في إبرام الصفقة العمومية.  

ولأن الأمر يتعلق بإنفاق المال العام، كان لابد من اتباع كل الإجراءات اللازمة للصفة العمومية حتى تتم المحافظة على المال العام من الضياع والإهمال الذي قد يتعرض له بسبب إغفال الإجراءات الضرورية التي تكفل صونه والمحافظة عليه. 

فالمفهوم التشريعي للصفقات العمومية يجمع بين ناحية التعريف والتكوين، أما من ناحية الغاية من الصفقات العمومية، فإن الدولة أو الأطراف العامة تلجأ غالبا إلى استخدامها كعقد وكوسيلة قانونية تهدف من خلالها إلى تحريك الأموال العامة لتنفيذ المخططات الوطنية الرامية إلى تحقيق المنفعة العامة، ويحيلنا هذا المقصد إلى معرفة خصائص الصفقات العمومية وأنواعها وطرق ابرامها وإجراءاتها. 

 

 

أولا: ـ خصائص الصفقات العمومية 

إن اعتبار الصفقات العمومية من ضمن العقود الإدارية، يجعلها تنفرد بعدة خصائص، سنكتفي بذكر خاصيتين من هذه الخصائص لأهميتهما وارتباطهما بموضوع بالبحث: 

1ـ الصفقة العمومية عقد مكتوب

تعود أهمية اشتراط الكتابة لعقد الصفقة العمومية لعدة أسباب، منها: أنها تعد أداة لتنفيذ مخططات التنمية عن طريق نقل الموارد المالية العامة لتنفيذ البرامج الإنمائية والاستثمارية، وعليه فإن الكتابة هي أهم وسيلة لصهر الشروط والالتزامات المتبادلة بين الأطراف المتعاقدة، السب الثاني الذي يبرر كتابة عقد الصفقة العمومية، هو حجم الأموال الضخمة التي تصرف من خزينة الدولة تحت عنوان الصفقات العمومية. 

2ـ الصفقة العمومية عقد من عقود الإدارة  

من المعروف أن العقود الإدارية، هي: العقود التي تتم بين طرفين أحدهما عام والآخر عام أو خاص، وتعد الصفقات العمومية بهذا المعني أهم أنواع التصرفات التي تبرمها الإدارة لأجل استمرار الخدمة العامة والمحافظة على المرافق العمومية المؤدية لتلك الخدمات العامة، وكون الإدارة طرفا في عقود الصفقات العمومية، يجعلها حريصة على مراقبة سيرها وإخضاعها للمبادئ التي تتأسس عليها الصفقات العمومية من شفافية وحرية منافسة. 

ثانيا: أنواع الصفقات العمومية 

بالرجوع إلى المادة التمهيدية من القانون رقم 2021 ـ 024 المتضمن مدونة الصفقات العمومية، نجد أنه حدد مجموعة من أنواع الصفقات العمومية، وقد جاءت هذه الأنواع على التوالي: الصفقات العمومية للتوريد، الصفقات العمومية المتعلقة بالخدمات ذات الطابع الفكري، الصفقات العمومية للخدمات، الصفقات العمومية للأشغال، الصفقات العمومية ذات الطابع المختلط. 

1ـ الصفقة العمومية للتوريد 

محل هذه الصفقة هو شراء أو اكتراء مع البيع أو الإيجار أو الإيجار مع البيع لشراء أو بدون شراء لأي صنف من البضائع بما في ذلك المواد الأولية والمنتوجات والتجهيزات والمواد الصلبة أو السائلة والغازية وكذلك الخدمات المتعلقة بتوريد هذه البضائع. 

ويعتبر هذا العقد من أهم العقود التي تبرمها الإدارة مع المورد (fournisseur) وذلك فصد تزويدها باحتياجاتها المتمثلة مثلا في: الأثاث المكتبي، الأدوية للمستشفيات، الكتب للمدارس العمومية والجامعات... 

2ـ الصفقة العمومية المتعلقة بالخدمات ذات الطابع الفكري 

يكون موضوع هذه الصفقة ذا طابع فكري، ويندرج في هذا الصنف من الصفقات، الصفقات المتعلقة بالدراسات والإشراف على الأشغال العامة، وقيادة العمليات وخدمات المساعدة الفنية والمعلوماتية وتفويض الإشراف على الأشغال. 

3ـ الصفقة العمومية للخدمات 

موضوع هذا النوع من الصفقات، لا يشمل صفقات التوريد ولا صفقات الأشغال العامة، وإنما تشمل فقط صفقات الخدمات ذات الطابع الفكري. كأن تلجأ الإدارة إلى التعاقد مع مؤسسة متخصصة في المعلوماتية لإقامة نظام معلوماتي بمقرها.  

4ـ الصفقة العمومية للأشغال 

يكون موضوع هذه الصفقة، إنجاز جميع الأشغال المتعلقة بالمباني أو الهندسة المدنية أو الهندسة الريفية أو ترميم المنشآت من جميع الأنواع وذلك لصالح السلطة المتعاقدة 

5ـ الصفقة العمومية ذات الطابع المختلط 

تجمع هذه الصفقة بين الأنواع المذكورة أعلاه، ولكنها مع ذلك قد تتضمن بصفة ثانوية عناصر تدخل في نوع آخر، وفيما يتعلق بإجراء إبرامها، يجب أن تأخذ نفس الإجراءات المتبعة في إبرام وتنفيذ الصفقات العمومية. 

ثالثا: طرق إبرام الصفقات العمومية 

بعد أن تعرفنا على مفهوم عقد الصفقة العمومية وأنواعها، يكون من الأفضل أن نشير إلى طرق ابرامها كعقد، وتعتبر هذه المرحلة من أهم المراحل التي يمر بها عقد الصفقة العمومية، وعلى هذا سوف نبين هنا أن طريق ابرام الصفقات، يأخذ أسلوبين، إبرام الصفقات بطريق المناقصة، وابرامها عن بطريق التراضي  

1ــ أسلوب المناقصة 

ـ طريق الفتح العلني للعروض 

ويسمح هذا الإجراء المعد من طرف لجنة ابرام الصفقات في جلسة علنية لمن شاء من المترشحين أو ممثليهم أن يتقدم في ملف استدراج المناقصة، وتلزم الإدارة باختيار أفضل من يتقدمون للعرض من حيث شروط الجودة وكذا الشروط المالية.  

وقد نصت على هذا الإجراء المادة 27 من قانون الصفقات العمومية المشار إلى رقمه سابقا، وتبرم الصفقة العمومية بعد إجراء المنافسة بين المترشحين كما نصت على ذلك المادة 28 من نفس القانون، وتعد هذه الطريقة هي القاعدة العامة لاستدراج المناقصة المفتوحة. 

ـ طريق الاستشارة المبسطة 

تختلف هذه الطريقة عن المناقصة المفتوحة، ففي هذه الطريقة، تقوم الجهة المتعاقدة بوصف الحاجيات والكميات المطلوبة وكذا تاريخ ومحل تسلمها، ويقتصر حق المشاركة في هذه الطريقة على أشخاص أو مكاتب أو مؤسسات معتمدة، وأشار إلى هذه الطريقة قانون الصفقات العمومية في المادة 31. 

وأشارت إليها أيضا المادة 35 من المرسوم رقم 083 / 2022 المطبق لمدونة الصفقات العمومية، والمنشور في الجريدة الرسمية تحت العدد 1511 الصادر بتاريخ 15 يونيو 2022. 

ـ طريق الصفقة الخاصة 

تلجأ الإدارة إلى هذه الطريق عندما تريد أن تشجع بسطاء الفاعلين الاقتصادين، مثل: التجمعات أو التعاونيات العمالية أو الحرفية أو التجمعات ذات النفع الاقتصادي والمؤسسات الاجتماعية أو الشركات الصغيرة والمتوسطة وخاصة إذا كانت هذه الشركات توظف بعض الشباب أو النساء، فتخصص السلطة المتعاقدة بعض صفقات الاشغال الصغيرة، تشجيعا للأشخاص والكيانات المذكورة.

2 ـ أسلوب التراضي 

الأصل أن تجري الصفقات العمومية بالطرق المشار إليها سابقا، ولكن مراعاة لظروف خاصة ونظرا لدواعي المرونة الفعالة، وضعت القوانين بجوار تلك الطرق العادية طرقا تكميلية تلجأ إليها الإدارة في ظروف خاصة، وبشروط محددة وبدون إجراء أي شكل من المنافسة، ويعرف هذا الأسلوب بصفقات التراضي أو التفاهم.

رابعا: إجراءات ابرام الصفقات العمومية 

يعد عقد الصفقة العمومية من عقود الإذعان، وفي سبيل ابرامه يلزم قانون الصفقات العمومية اتباع إجراءات خاصة وصارمة الشيء الذي يلزم الإدارة بإتباع هذه الإجراءات لضمان الشفافية والمساواة بين مختلف المترشحين. 

وهذه الإجراءات حددها القانون رقم 2022 / 044 المتضمن مدونة الصفقات العمومية والمرسوم رقم 2022 / 083 المطبق للقانون المذكور، وتختلف الإجراءات المتبعة في إبرام الصفقة العمومية باختلاف الأسلوب المتبع

1 ـ إجراءات أسلوب المناقصة 

ــ الإعلان عن المناقصة 

يهدف هذا الإعلان إلى اعلام المقاولين والموردين ليفتح المجال أمامهم، ويسمح للإدارة أن تختار أفضل العروض وأفضل المترشحين، ومن بين البيانات التي يجب أن يتضمنها الإعلان، تسمية الإدارة المتعاقدة، عنوانها، كيفية المناقصة، مفتوحة أو محدودة، وطنية أم دولية.. 

ــ إعداد مشروع المناقصة 

ويمر إعداد المشروع بمراحل منها، اختيار المشروع وفقا للحاجيات الاجتماعية والاقتصادية، ودراسة الجدوى الفنية للمشروع وهي ما تعطي صورة واضحة عن إمكانية تنفيذ المشروع من الناحية الفنية. 

ـ دفتر الشروط

ويراد منه توضيح الشروط ووضعها بحيث تنفذ الصفقة وفقا لقانون الصفقات العمومية، ويشمل دفتر الشروط مجموعة من البنود تختلف باختلاف الصفقات وانواعها. 

ـ دراسة العروض 

بعد تقديم العروض، تقوم لجنة خاصة بفتح الأظرفة في جلسة علنية وبحضور كافة المتعهدين الذين يتم اعلامهم مسبقا، ثم تقوم اللجنة بتقييم العروض، ويكون ذلك من قبل أعضاء من اللجنة تختارهم لكفاءتهم، ويتولى هؤلاء الأعضاء تحليل العروض والبدائل والأسعار والمقارنة بين المترشحين وعروضهم. 

ــ إرساء المناقصة 

بعد تقديم العروض وتقويمها، يتم إرساء المناقصة على العرض الأفضل، الذي يتوافق مع الشروط المدرجة والمنصوص عليها في دفتر الشروط، ويعد هذا الإجراء هو الأخير من الإجراءات الممهدة للتعاقد، ويكون قرار إرساء المناقصة قابلا للطعن أمام لجنة الصفقات العمومية. 

2 ـ إجراءات أسلوب التراضي 

وإجراء صفقة التراضي، يكون في الحالات التي حددتها المادة 43 من المرسوم المطبق لمدونة الصفقات العمومية المشار إلى رقمه سابقا وهذه الحالات هي:

ــ عندما لا يمكن تلبية الاحتياجات إلا عن طريق خدمة تتطلب استخدام براءة اختراع أو ترخيص أو حقوق حصرية يملكها فاعل واحد 

ــ عندما لا يمكن أن يعهد بالصفقة إلا لمتعهد محدد لأسباب تقنية أو فنية 

ــ عندما تكون الصفقة المكملة ضرورية لإتمام الصفقة الأصلية 

ــ في حالة الاستعجال الملح بدافع ظروف استثنائية أو قوة قاهرة (مثل الكوارث الطبيعية أو الأوبئة) وهذه الأمور والدواعي لا تسمح باحترام الآجال المطبقة عادة وتتطلب صفقات مباشرة لمواجهة الوضعية. 

ــ اقتناء سلع غذائية أو بذور قابلة للتلف والتي تتوفر حاليا. 

ـ شراء أدوية ومعدات طبية لازمة لمواجهة حالة صحية طارئة.  

المحور الثاني: أشكال الفساد في الصفقات العمومية 

كان الغرض من التعرض لمفهوم الصفقات العمومية في المحور الأول، وما اندرج تحت ذلك من تعريفها ومعرفة أنواعها وطرائق ابراهما، هو أن نكون أمام مخطط واضح يجمع شتات وأجزاء الصفقات العمومية.  

ومن شأن هذا الصنيع أن يساعد في اكتشاف الفساد في جميع مراحل الصفقات العمومية ابتداء من مراحل ابرام الصفقة العمومية مرورا بإجراءاتها وشكلياتها وانتهاء بإرسائها على المتعاقد الذي سينفذ الصفقة، وكل هذه المراحل عرضة لأن يدخلها الفساد، وهنا سأشير إلى الفساد الذي يمكن أن يحصل في بعض مراحل الصفقة العمومية، كما نشير بالإضافة إلى ذلك إلى بعض جرائم الصفقات العمومية. 

أولا: الفساد الذي قد يحصل في بعض مراحل الصفقة العمومية 

1: مرحلة الإعلان عن المناقصة 

ذكرنا في هذه المرحلة أن الإدارة توجه دعوة عامة إلى مختلف المقاولين والموردين لتفتح أمامهم فرصة تقديم ما لديهم من عروض، وفي هذه المرحلة تقوم الإدارة بإعداد دفتر الشروط الذي يتضمن كل المواصفات الفنية وجميع الشروط اللازمة من حيث معايير الجودة 

وهنا يمكن للقائمين على اعداد وتحرير دفتر الشروط، أن ينجزوه بطريقة احترافية تستهدف بعض الموردين ليدخلوا في سباق المناقصة، وتبعد آخرين عن السباق، كما يمكن أيكون ابعاد وإدخال موردين كان بسبب أن معايير الانتقاء أو الإرساء المطبقة تفتقر إلى الوضوح بشكل متعمد.  

2: مرحلة تقييم العروض ودراستها 

تعد هذه المرحلة من المراحل الحساسة التي تمر بها الصفقة العمومية، وهي مكمن الاحتيال والفساد، ففيها يمكن التلاعب عمدا في الآجال القانونية للصفقة، وفيها يمكن أن تسرب المعلومات لبعض الموردين أو المتعاقدين إخلالا بمبدأ المنافسة المشروعة، كما يمكن للقائمين على تقديم العروض تضخيم الاحتياجات، ويمكنهم ايضا تجزئة الاحتياجات بهدف تفادي الإجراءات الواجب اتباعها. 

3 ـ مرحلة إرساء الصفقة 

يتجلى الفساد في هذه المرحلة من خلال إمكانية قبول عروض في لحظة متأخرة أو رفض عروض لأسباب غير وجيهة ولا تتماشي مع ما سبق الإفصاح عنه من طرف الإدارة في دفتر الشروط، ويلجأ الموردون دائما في هذه المرحلة إلى التأثير على قناعات أعضاء لجنة الصفقات من أجل كسب الصفقة العمومية 

ثانيا: بعض جرائم الصفقات العمومية 

  1 ـ جريمة الرشوة 

لا تسلم الصفقات العمومية من جريمة الارتشاء، فهي من أخطر الجرائم التي تهدد المال العام، فتدخل هذه الجريمة إلى الصفقات العمومية عن طريق التأثير على الموظفين العموميين مما يجعلهم واقعين تحت تأثير هذه الجريمة، فيرضخون لطلبات الموردين وتفضيل عروضهم على حساب آخرين. 

2 ـ المحاباة 

جريمة المحاباة جريمة تخل بمبدأ المساواة بين المتعاقدين، وتجعل الموظف العمومي يمنح امتيازات غير مبررة للغير، وهذا يعرضه للمساءلة الجزائية التي نص على مقتضاها قانون الصفقات العمومية. 

المحور الثالث: التدابير القانونية لضمان الشافية في الصفقات العمومية 

حرصا من المشرع الموريتاني على الشفافية والمنافسة الشريفة، قام من خلال قانون الصفقات العمومية بوضع قواعد ومبادئ تعد تدبيرا قانونيا مهما، يضمن شفافية ونزاهة إجراءات الصفقات العمومية، وجاء ذلك من خلال المادة الثانية من قانون الصفقات العمومية، وسنتناول هذه التدابير كما وردت في المادة المذكور. 

أولا: حرية الولوج للصفقات العمومية 

تعتبر المنافسة من أهم الأركان التي يقوم عليها النظام الاقتصادي مما يعني انتشار الحرية الاقتصادية داخل السوق وبين الفاعلين الاقتصاديين، والمقصود بحرية الولوج إلى الصفقات العمومية، فتح باب المنافسة للمهتمين الذين تتوفر فيهم الشروط المطلوبة، ومما يجب ذكره وتبيينه في هذا الصدد، أن فتح باب المنافسة لا يعني أن الإدارة تكفل حق المشاركة للجميع، بل يمكنها أن تضع ما تراه مناسبا في اتجاه تحقيق المصلحة العامة. 

ثانيا: المساواة بين المترشحين 

من العروف أنه في إطار التعامل العمومي، يجب على الإدارة أن تقف على مسافة من جميع المترشحين، وتنظر إلى الطلبات المقدمة إليها بنظرة المساواة، فلا تفضل ولا تميز إلا في نطاق ما رسمه المشرع وأوضحه، وهذا تكريسا لمبدأ مهم في إطار الصفقات العمومية، كما أنه مبدأ دستوري عام يقضي بعدم التمييز والتفريق بين المواطنين في جميع النواحي السياسية والاجتماعية والثقافية.   

ثالثا: شفافية الإجراءات 

تعد الشفافية أهم وسيلة لمكافحة الفساد وتحقيق التنمية، ويقضي هذا المبدأ بأحقية المواطنين في التحقق من أن الصفقة العمومية تمت وفقا للمعايير والقواعد المنصوص عليها قانونا والمعلن عنها عبر الوسائل القانونية، وتغيب هذا المبدأ، هو ما يساعد في انتشار المحاباة والرشوة، إذ تتم هذه الجرائم في سرية وبعيدا عن أعين الناس حين تغيب الشفافية.

المحور الرابع: توصيات تتعلق بتعزيز الشفافية في مجال الصفقات العمومية 

  سعيا وراء تعزيز شفافية الإجراءات الإدارية المتعلقة بالصفقات العمومية ومكافحة الفساد من خلال تدعيم الشفافية، نقترح مجموعة من التوصيات المهمة في مجال الصفقات العمومية. 

أولا: تبسيط الإجراءات الإدارية 

من المهم جدا جعل مساطر الإجراءات المتعلقة بالصفقات العمومية تمر بشكل سلس ومبسط وواضح، فمراعاة هذه الأمور وأخذها بعين الاعتبار يساعد في التخلص من إمكانية اللجوء إلى الممارسات المرتبطة بالغش والرشوة، فبساطة التواصل بين الإدارة صاحبة المشروع وبين المتنافسين من أهم الخطوات الرامية إلى محاربة الفساد. 

ثانيا: تسهيل الحصول على المعلومات المتعلقة بالصفقات 

يلزم الجهة صاحبة المشروع والصفقة أن توفر كل المعلومات المتعلقة بحقيقة الصفقة بمجرد أول إعلان عن الصفقة وإلى غاية اليوم المحدد لجلسة الإعلان عن إرساء الصفقة 

ثالثا: تفعيل الإصلاح الأخير المتعلق برقمنة الصفقات العمومية  

  قامت الحكومة بداية 2024 بإصدار مرسوم تطبيقا لأحكام المواد 47 و48 و49 من قانون الصفقات العمومية، ويهدف هذا المرسوم إلي رقمنه الصفقات العمومية، ويعتبر هذا الإصلاح غاية في الأهمية.  

فمن بين الأمور التي يهدف إليها هذا المرسوم هو ان يصل الإعلان المتعلق بالصفقات العمومية إلى أنحاء عديدة من العالم، وبالتالي تكون الإدارة المتعاقدة قادرة على استهداف عدد كبير من المتعاملين. وعلي أهمية هذا الإصلاح ومكانته، يبقي نجاحه مرهونا بتفعيله واعتماده كنهج لتكريس الشفافية في مجال الصفقات العمومية.

إبراهيم الب خطري 
إطار في وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي
باحث في القانون والدراسات الإسلامية