كلام عن أكبر الخاسرين و من ربح….

أحد, 07/07/2024 - 21:31

الراصد : يكون الكلام فيما يلي على الخاسِرين والرابحين من الرئاسيات الموريتانية. فأمّا أكبَر الخاسرين فهو، جَلياً، الرئيس غزواني. فقد قام على ثلاثة وعود: 1-تمييز إيجابي لصالح الحراطين (بالأخصّ) سيُلطّف لاحِقاً ويُسمّى بـ"التآزر" و2-التهدئة السياسية و3-المدرسة الجمهورية. عشية الانتخابات سقطت هذه السيقان الثلاثة. فـ: 1- صوّت حراطين المُدن، لا حراطين الإقطاع، بكثافة ضدّ برنامج النظام في المدن. من الواضِح أنّهم لا يرون في "التآزر" غير البقششة والفساد: لا يعترِفون به. 2-البلد يشهد أكبر انقسام وعرقنة وقمعٍ سياسي منذ فترة. وحده البهلوان مازال يمدَح الرئيس بالتهدئة. إنّها نكتة من العام الماضي.  3-المدرسة الجمهورية هي الوجه الآخر للتآزر: يتخلّلها التوريد والفساد، ولا تُقنِع مهمّشي المُدن، علاوة على أنّها لم تتجسّد. فهكذا: دخلها المستر غزواني مكتمِل الريش، والآن يخصف عليه من التوت. 

يعود جزءٌ من انتكاسة النظام إلى أنّه واجه عدّة ثورات: في الشمال ظهر الامتعاض من سجن أبناء الشمال. وفي الجنوب ظهَر تمرّد الجنوب على الإقطاع وعلى الدولة البيظانية. وفي المدن ظهرت معارضة بيظانية شابّة راديكالية (وإن كانت الطبقة الوسطى البيظانية قد التحقت بالنظام لأسباب ريعية أو قومية وتقاعدية). وفي العواصِم واجَه الصوت التقليدي للمعارضة، التي مشت مع أفكارِها وغريزتها التاريخية، لا مع أيقوناتِها القديمة.

أكبر الرابحين في الانتخابات هو بيرام ولد اعبيد. فقد أظهر نموذجاً بديلاً للعودة السياسية political comeback. هزَم محاولات استبداله: بما فيها مشروع زعيم بديل وجديد للمعارضة، ناهيك عن محاولات إحراقه من النظام واستراتيجييه ورجالات أعمالِه. أظَهر أنّه أقرب إلى الضفة من زعمائها الأهليين، بولاراً أو سونينكى. تغلّب على محاولة النظام إحراقه بالشراكة معه وتعيين كوادره. إنّه أوّل زعيم معارض يستطيع القيام بسياسات تمريغ حلفائه والتفاهم مع النظام دون أن يُدمّره ذلك سياسيا. بل على العكس يزيده ذلك. إنّ هذا لا يجعله مجرّد سياسي محترِف، بل زعيماً تاريخياً. 

طبعاً يجب الحذر دوماً من الانتصاروية والظفروية. فالرئاسيات تختلِف عن التشريعيات والبلديات، التي تتحكّم فيها الاعتبارات الأهلية والعشائرية على الصوت الوطني. والتعبئة فيها ونسبة التصويت أكثَر وحظّ المعارضة فيها أقلّ. ثمّ إن جوقلة العمّال فيها وتهجير الناخبة المدنية الى المناطِق الأهلية يرجع للدولة أكثر من الفاعلين المحليين، والتعبئة للنظام فيها أقوى، لأنّها تمرّ بالأعيان المحليين وليس إلى ذات الرئيس المجرّدة. وهكذا يتحرّر الصوت الفردي في الرئاسيات وينكمِش في التشريعيات. لذا سنشهد تصويتات عقابية في الرئاسيات و"كوناكرية" في النيابيات.

تواصل حقّق نجاحاً بأن بقي. بل وحقّق نجاحاً بأن خرج من عقدة 2009، التي حرّمت الرئاسيات على الإسلاميين بغياب زعامة قادِرة على جمع صوتٍ غير حِزبي، أو حتّى حزبي كامل. أوّل من نجَح منهم في ذلك، وإن لم يربح كافة الصوت التواصلي، هو امّادي لكلامِه لغة التقوى الشوارِعية واللغة الرومانسية، وإن غير العمَلية، لتطبيق الشريعة. ولكنّه بهذا يُحوّل الحِزب من "إخواني" أي إسلامي وسطي تحديثي إلى حِزب ورِع محافِظ بنفَسٍ طالباني. وفي الحقية فإنّ هؤلاء، حسب تجربة الفقير، كانوا سلفيين أكثر ممّا كانوا إخواناً. فلعّل هذه أوّل مصالحة لهم مع ذاتهم. وقد توتّرُهم مع الديمقراطية فتردّهم لما تجاوزوه. ولكنّها مصالحة ناجِحة إذ ستزيدُهم أصواتاً في المستقبَل وتربطهم بناخبة فكرية غير حزبية. هذا سيُعوّض هزيمة حاضِرتهم، عرفات (أمام غزواني بيرام). بوكار با خاض معركة مقاومة الأرستقراطية الثورية البولارية للزعامة الحرطانية وانهزم. 

المرشّحان، سومارى والعيد، قدّما، بأساليب مختلفة، نفس الموقِف من الانتخابات (وهو الاعتراف بها بعد لعثمة اعتراضات). هذا يُظهِر أنّهما يفهمان من النتيجة الانتخابية ضرورة تغيير قواعِد اللعبة. سيصعّب عليهما تصدّر حراك سياسي، إلاّ إذا حدَثت فرصٌ سياسية نتيجة مسح الطاولة (انقلاب وانتخاباتٌ مثلاً). من الواضح أنّ خطأهما هو خطأ مسعود بولخير وأحمد ولد داداه في 2003: لم يحصلا على الكثير لأنّ المباينة لم تكن بينهما وولد الطائع، بل كانت بين هيدالة وولد الطائع. يعني كانت، على رأي بيرام، "امبِرّْ بين آوداجَيْن": منازلة بين ثورَيْن. 

 "إللّي ماوْ امْدّازْ اعْبَار"

منقول