الراصد: لا أستغرب التصريح الهلامي لرئيس الجمهورية عن عزوف الشباب الموريتاني عن المهن المتوفرة، وتفضيل الهجرة غير النظامية، ففخامته يمضي حياته اليومية في عالم شبه افتراضي لا علاقة له بواقع الشعب.
عندما يكون في الخارج، يعيش صحبة رؤساء العالم، في أرقى الفنادق أو في قصور فارهة. جُلُّ الذين يلتقي بهم قد وفروا لشعوبهم ظروف العيش الكريم، من تعليم و صحة وخدمات و بنى تحتية، وبالتالي لا يتحدثون معه إلا في مواضيع استراتيجية كالمناخ والأمن، بل لا يدركون أن الشعب الموريتاني بائس، وما زال يبحث عن لقمة العيش، في ظل دولة تراوح مكانها منذ نصف قرن، ويتم نهبها بصفة اجماعية و ممنهجة من طرف نخبها.
و عندما يرجع إلى موريتانيا، ينزوي في قصر رمادي، تحيط به زمر من المستشارين والوزراء، الذين بدورهم لا يعرفون من البلاد إلا "إمارة" تفرغ زينه، شغلهم الوحيد أن يقلبوا له الأمور، ويطمسون عنه الحقائق، بحثا عن مرضاته، فيصوروا له معاناة الموريتانيين وواقعهم المرير على أنه حياة مثالية من السعادة والهناء، بفضل التعليمات النيرة والانجازات الجبارة لفخامة رئيس الجمهورية.
إنْ خرج لزيارة مرفق عمومي، يتم تحضيره و تزيينه مسبقا حتى يظهر على أحسن وجه. أما في الداخل، فموريتانيا الأعماق، بوجهائها وشعرائها، كفيلة بأن تقنعه أنه المنقذ والمخَلّص والباني. إذا قام بزيارة لولاية داخلية تأتيه "إمارة" تفرغ زينه بخيلها ورجلها وتسبقه بطبولها وسياراتها الرباعية و أطرها حتى لا يحس أنه خرج منها. أما الصحافة الرسمية فهي لا تهتم بظروف المواطنين ولا معاناتهم ولا تنقل أخبارهم، فدورها يختصر على التلميع و التلميع ثم التلميع. إذن، الرئيس لا يدرك و لا يرى بؤس الشعب ولا مآسيه. ولا يُراد له أن يطَّلِعَ على ذالك، فهو قد يكون رهينة لما ينبغي أن يطَّلِعَ عليه.
إن كان لديكم سيدي الرئيس فعلا الإرادة الصادقة و الاستعداد لمعرفة ومواجهة واقع الشباب الموريتاني المزري، فإليكم حقيقة واقع شبابنا : نزوح الشباب الموريتاني، رغم المخاطر، ليس تكبرا عن المهن المتوفرة، التي، إن كانت موجودة أصلا، لم تتح لهم فرصة الولوج إليها، وإنما هو هجرة كرامة وخيار اضطراري، هروبا من الفقر والبطالة والتهميش والحرمان، لأن الدولة التي تترأسون لم تستجب لتطلعاتهم، بل أوصدت في وجوههم الأبواب وأنسدت أمامهم الآفاق.