الراصد : عرف التصفيق فيما قبل التاريخ وكان من الإشارات التي سبقت الكلام وكانت له دلالات مغايرة للإعجاب الذي عرف به فى تاريخ البشرية وحتى يومنا هذا فقد دلت البحوث والحفريات الأثرية فى الحضارة المصرية القديمة على وجوده فى أجواء غناء ورقص
وهذه الصورة النمطية للمصفقين الطفيليين عديمي المهارات كالرقص والغناء وليسوا من أهل الحظوة من مال وجاه
وكانت مشاركتهم تقتصر على التحفيز ومع تطور البشرية ظهر جيل ثاني من المصفقين فى الحضارة اليونانية القديمة واستطاع أن يفرض أجرا له مقابل التحفيز وذلك بإندساسه فى الجمهور المشاهد للمسرحيات الرديئة فيقوم بالتصفيق لإظهار إعجابه بالعروض المسرحية والغنائية الرديئة
إلا أن الدفعة الكبرى لإمتهان فن التصفيق جاءت من نيرون طاغية روما فقد أجبر حاشيته على إبداع فنون وتقنيات التصفيق حتى يتمكنوا من مجاراة جنونه.
وانتقل التصفيق من شعب إلى آخر فقد ظهر ضمن الشعائر الدينية عند العرب فى الجاهلية مرفوقا بالتصفير عند الطواف وفى فجر الإسلام كان المشركون يشوشون به على الرسول صلى الله عليه وسلم وفيهم نزلت الآية " وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً" الأنفال الآية 35
والمشهور عند أهل التفسير أن المكاء هو التصفير والتصدية هي التصفيق
فالتصفيق كان من سمات المشركين وحدد الإسلام لتنبيه الإمام داخل الصلاة بالتسبيح للرجال والتصفيق للنساء
وقد وقف المصفقون فى وجه الدعوة الإسلامية لتشكيلها خطرا عليهم( المنافقين ) ولم تكن بلادنا إستثناء من هذا الصراع إلا أن الدعوة الإسلامية تمكنت من تحقيق إختراق فى منطقتنا فى القرن السابع ميلادي غير أن المصفقين وتماشيا مع فكرهم التشويشي فقد شوشوا على روح الإسلام وسماحته وحقيقة التوحيد ومحاربة الشرك
وقد عانى أبناء الوطن الصادقين الجادين من سيطرة المصفقين على التوجهات العامة .
حتى ظهور يحي بن إبراهيم الكدالي والذي حاول التغلب عليهم فى البداية بالعلم مستعينا بعبدالله بن ياسين لكن قوة المصفقين إستعصت على الدعوة العلمية لإبن ياسين مما اضطره للهجرة إلى جزيرة تيدره ورب ضارة نافعة فقد التحق بهما الشباب ليتمكنوا من تأسيس حركة المرابطين فى القرن الحادى عشر والتى قضت على قوة المصفقين لفترة طويلة .
وبعدسقوط بلاد الاندلس سنة 1492 ميلادي عادت البلاد والمنطقة من جديد لتعانى من إنتشار المصفقين والفساد الناتج عنهم كما توضح ذلك الرسالة المؤرخة فى نفس السنة من محمد بن علي اللمتوني إلى جلال الدين السيوطي يستفتيه فيها عن بعض النوازل والتي يغلب عليها صفات وتصرفات المصفقين فقدد ورد فى الرسالة " ومنهم من حرفته أن يرمي عقله فيجعل نفسه كالمجنون فيضحك الناس به ومنهم من حرفته السؤال , ومنهم من حرفته أن يتزوج النساء الكثيرات الأموال ويعيش في رزقهن , ومنهم من حرفته أن يكون مع الامراء فيقضي للناس حوائجهم , ويعيش هناك , ومنهم من حرفته أن يعادي للناس أعداءهم ويحب لهم أحبتهم سواء كانوا على حق أوباطل..." واستمر نفوذ المصفقين ومايسببه من تخلف حتى دخول البلاد تحت الإستعمار الفرنسي الذي اشتكى ضباط حملته من إرتماء المصفقين فى أحضانهم كما كتبوا فى بعض مذكراتهم مثل المقدم افرير جان
ويتضح من كل ماذكر إرتباط التصفيق بالظلم والخداع والغش والديكتاتورية وتضاده مع التقدم والعدالة والحرية.
وفى العصر الحديث للدولة الموريتانية نجح الحكام حسب بعدهم عن المصفقين ويحضرني المثل الفرنسي الشهير " يظل الطفل بريئا حتى يتعلم التصفيق"
فمن منا لايتذكر بداية الحكام بنواياهم التي تبد أ حسنة وتنتهي عادة تحت هيمنة المصفقين
ومن منا ينسى خطاب النعمة التاريخي فى سنة 1985 للرئيس الموريتاني فى ذلك الوقت والذي أصبح عصره هو العصر الذهبي لإزدهار فكر التصفيق وتفرعه فقد كان الصفق للخصوم السياسيين حاضرا فى المعتقلات البوليسية والصفقات السياسية والإقتصادية حسب معايير الزبونية والمحسوبية على عكس الإتفاقيات الموقعة مع البنك الدولي لتطبيق الرأسمالية كفكر إقتصادي إستبدله المصفقون بفكر عنقاوي تذكر إنجازاته ولاترى ، فكما تصدى المصفقون للفكر العلمي لإبن ياسين فما زالوا في موريتانيا حتى الآن يحاولون التصدي للفكر العلمي لأطر وزارتي المالية والإقتصاد من خلال استبدال المشاريع التنموية والمؤسسات التجارية والمالية المحفزة لنمو إقتصادي سليم بمشاريع لايرى لها أثر تاخذ طابعا احتفاليا استعراضيا تنتهي بمغادرة الممول والمدشن ويدفع ضريبتها المستهدف وهو المواطن الموريتاني الشريف والبسيط .
عبدالله ولد محمدو ولدبيه