في الطريق إلى ولاتة، تمد الرمال أعناقها، معاندة مئات السيارات الفارهة التي انطلقت من العاصمة نواكشوط إلى تلك المدينة التاريخية الغافية بين آلامها الغارقة وآمالها التي لا تتجاوز طريقا معبدا، وشيئا قليلا من خدمات التعليم والصحة.
كسرت السيارات العابرة للصحراء هيبة القفار و الرمال التي كانت تضفي شيئا من الوقار والعظمة على المدينة التي يمتد تاريخها لقرون طويلة من التأثير العظيم والعزلة، وانتهاء أمد الغربة أو ابتدائها.
لم يكلف القادمون إلى ولاتة خلع نعالهم عند بساط التاريخ الممتد في آماد الأيام ودواوين الحضارة، عاثوا فيها يمنة ويسرة بملابسهم البراقة ولامع الثراء الباهر الذي جاء مع آلاف القادمين من العاصمة، ثم غادروا بعد ذلك تاركين المدينة تجمع ما بقي من ركام وقمامة وآلام وأشواق تنمية لم تتطور كثيرا منذ الاستقلال.
لم يخل تنظيم المهرجان من ثغرات كبيرة وهائلة، حيث شد الرحال عدد لا يمكن أن تستوعبه المدينة الصغيرة، وتكلف بعض السكان في ضيافة هذه الوفود الكبيرة والمثقلة بالمتاعب والمطامع.
كانت وزارة الثقافة هي جهة التنظيم، لكنها كانت الأضعف تأثيرا، وكان الحرس الرئاسي هم الدرجة الأولى التي تمكنت من فرض سيطرتها وبأسلوبها الخاص في ضبط الجمهور وتمييزه إلى فئات بعضها يستحق التقدير وفتح الأبواب، وأخرى تستحق الدفع والإبعاد، وقد وصلت سطوتها حد إبعاد عمدة المدينة، عن الدخول إلى المنصة، قبل أن ترتفع صيحات الجمهور بأن هذا الرجل هو عمدة.
يقول المشاركون في المهرجانات السابقة، إن سلوك الحرس الرئاسي هذه المرة أكثر ليونة وودعة مقارنة مع فترات ماضية، ومع ذلك لم يخل كما رأينا من عنهجية في الاعتداء على المتجمهرين.
كان للسلطات المحلية دورها هي الأخرى ومكانتها التي لا تتنازل عنها في ترك بصمتها هنالك، أما الجهة الوصية وزارة الثقافة، فلعلها كانت الأقل تأثيرا في المشهد، والأكثر اضطرابا أيضا.
الأكيد أن وزارة الثقافة لم تطور من عملها في ولا في أسلوبها ولا في اختياراتها، وأبسط مثال أنها لم تضع إشارات إرشادية في المدينة، ما جعل الجميع يتوه في زحمة الغربة.
كنا فريقا مكونا من 4 صحفيين منتدبين لتغطية المهرجان، وقدوصلنا المدينة بعد صلاة المغرب، لكننا لم نحصل على سكن إلا في حدود الساعة الثانية ليلا، وبعد ساعات عديدة، من التنقل داخل المدينة، حيث دلنا أحد مندوبي وزارة الثقافة على الغرفة المخصص لإقامتنا، لنجد أنها لم تعد متاحة فقد تم تأجيرها لجهة أخرى، ربما دفعت أكثر لننتقل رفقة المندوب إلى جهة أخرى.
كنا 5 وكانت الغرفة المخصصة السكننا أقل من أن تستوعبنا، وبسبب عزوف عدد كبير من السكان عن تأجير منازلهم بسبب ضآلة المبلغ المخصص للإيجار، أو بسبب زعم بعضهم أن الوزارة اختارت المنازل الأقل كلفة.
طيلة مقامنا لم يزر أحدهم سكننا ليتأكد من أن الخدمات على مايرام.
الماء في ولاتة لايوصف بالعذب ولابالقريب من ذلك لذلك يأمل السكان أن يستفيدوا من ماء الظهر الذي وصل أطراف ألمدينة وينقصه التمديد لداخلها.
رب المنزل الذي أقمنا فيه يدعى سيدي أحمد، وهو رجل في عقده الخامس، والظاهر أنه عامل بسيط، زوحته تدعى السالكة، وهما هادئين موطئي الأكناف، حرصو اعلى تلبية طلباتنا والتعامل معنا بأدب لاصخب فيه ولانصب.
ابنهم البكر على ما فهمت في ربيعه 17 وقد سألته في صباحنا الثاني في بيتهم عن مسألة محددة فأخبرني أنه بات في السهرة، وبالمناسبة لم تعر قوات الحرس الرئاسي أي اهتمام لبطاقات دخولنا ولا لصفتنا كصحفيين، بعضنا رجع للسكن والبعض دخل بمنة من الحرس الرئاسي.
المكتب الإعلامي للرئاسة هو الآخر لم يكن أحسن حالا من وزارة الثقافة فالظاهر أن الجميع في معركة تدار بالقوة ومكتب الرئاسة لا حيلة له ولادور..
موكف العزة فوق البروتوكول
لم يحترم البروتوكول، ووجد عدد كبير من المسؤولين والسياسيين الذي جاءوا بدعوة رسمية من وزارة الثقافة، وبأمر من رئاسة الجمهورية مقاعدة في المنصة الرسمية، وبالمقابل وجد أشخاص لا يحملون أي صفة رسمية مكانا فوق الجميع.
وعلى سبيل المثال كان استقبال العزة بنت الشيخ آياه وأسرتها التي رافقتها فوق الاعتبارات البروتوكولية، حيث سمح لها بإدخال سيارتها إلى باب الحفل، بينما بقية السياسيين والضيوف يعبرون الطريق إلى المنصة مشيا على أقدامهم بما في ذلك الرئيس صالح ولد حنن.
وفي المقابل بقيت رئيس اتحاد الأدباء الشعبيين بنت محمد الأغظف واقفة لفترة طويلة دون أن يلتفت أحدهم إليها.
كما أجلست موكف العزة وجماعتها على المنصة الرسمية، وبقي الجميع خلفهم، يتساءل عن خصوصية "العزة" وعن السبب ا الذي جعل الدولة الموريتانية تكسر لبرتكول وتتلاعب في المنصة التي يشاهدها العالم..
إشارات الإذاعة.. ترحيب على التلال
اختارت إذاعة موريتانيا وضع كثير من العلامات واللافتات الترحيبية التي تحمل عبارة "إذاعة FM ترحب بكم، على طول الطريق بين النعمة وولاته، وهو ما يعني هدر أموال كبيرة دون طائل، وربما خارج الاختصاص، وذلك ضمن ممارسات عديدة قامت بها عدة قطاعات وزارية دون أي جدوى ظاهرة.
ولربما كان الأجدى بالإذاعة أن تكتب على اللافتات مواد إرشادية وتكتب في الأسفل مع تحيات إذاعة الموجة القصيرة، فلربما يشفع لها ذلك بعد أن تخلت الجهات الأخرى عن مهامها.
وعلى نفس الحالة، أقامت مفوضية الأمن الغذائي حظيرة نصبت فيها بعض الخيام، الخالية على عروشها ليس فيها أي شخص، وكانت فرصة لبعض الوكالات التجارية لتعلق عليها لافتات ترويجية للقطاع الخاص.
والحق يقال أنخيم المفوضية كانت فرصة لنا في فترة التيه التي أصابتنا بين المغرب والهزيع الأخير من الليل، لنأخذ قسطا من الرحة.
شركة ريماتول مدت الأسلاك من النعمة إلى مدينة ولاته، في الفترة الأخيرة بمناسبة حضور الرئيس لحفل افتتاح مهرحان المدن القديمة.
يتساءل البعض عن وضع الانترنت بعد غيبة الرئيس والحال أنه في فترة حضوره كانت معدومة أو ضعيفة.
شركة موريتل هي الأخرى أعلنت عن توفيرخدمة الانترنت من الجيل الخامس في ولاتة.
الأسعار المرتفعة
انتهز الباعة الفرصة للتربح وهكذا ارتفع سعر قنينة الماء المعدني إلى 20 أوقية جديدة وليقس مالم يقل.
من أجل الاستفادة من التجربة
تتكرر نفس التجربة منذ عقد فيما يعرف بمهرجان المدن القديمة، صرفت لحد الآن مليارات كثيرة دون أن ينعكس أي شيئ من ذلك على هذه المدن، ولذى كان الأولى أن يتم إلغاء هذه التجربة من أساسها، أو التوجه إلى حلول أكثر جدوائية منها على سبيل المثال:
- تعبيد الطريق إلى هذه المدن
- بناء منشآت تعليمية وثقافية مميزة.
- تكريم مادي ومعنوي لأعلام هذه المنطقة وعلمائها
- إقامة نماذج اقتصادية تنموية قابلة للاستمرار
إن هذه الحلول قابلة للتنفيذ بسهولة، وستجعل تأهيل هذه المدن المرحلة الأولى في الاحتفاء بها، أما جلب سكان العاصمة إلى رمال ناعمة ومدن غافية على الفقر، ثم العودة بهم بعد ذلك، فليس له من عائد تنموي ولا ثقافي يمكن الإشادة به، حتى ولو قضت محكمة الحسابات التي تقيم هذه الأيام في وزارة الثقافة أن تسييرها شفاف.
تحريرا في محروسة ولاتة/ موقع الفكر
غرة شهر ديسمبر2023