الراصد : باشر رجال القبائل من"شيوخ" و وجهاء و أطر سامين و رجال أعمال تنظيم الاجتماعات و اللقاءات القبلية في كل ركن بهذه الولاية استشعارا بقرب الاستحقاق الرئاسي و بدأ ذلك من مدينة كيفه بأكثر الطرق صخبا و تجردا من أي لبوس مدني. كل ذلك يحدث بمباركة السلطات الإدارية و الأمنية دون أن تشعر اتجاهه بأي حرج ؛بل بدت هذه السلطة خانعة ومستكينة و هي التي تجتهد في أن تمتثل الأحزاب السياسية و المنظمات الأهلية الإجراءات و المساطر القانونية عندما تهم بالقيام بأي نشاط ؛ إن لم تضايقها و تضع ما أمكن من عراقيل في طريقها!
تباشر القبيلة هنا فعالياتها فترص صفوفها و توحد كلمتها بغية تقديم كل آي التأييد والمساندة و دعوة الرئيس بالتقدم لمأمورية ثانية ، و في سبيل ذلك تهون المخاطرة بمستقبل البلاد و يسهل تعريض كيانها للتشرذم.
و الذي يحز في القلب و تشعر نحوه بالدهشة و القلق هو اندفاع أبناء هذه القبيلة من الأكادميين و المحامين و الأساتذة و الطلاب الجامعيين في هذه الاجتماعات و الأنشطة الشيء الذي يكشف جدية المخاطر التي تهدد كيان هذه الدولة و حقيقة التردي الذي تدحرجت إليه! لقد كثرت هذه الاجتماعات و تنوعت و خرجت بعيدا عن المألوف و عن الحد الأدنى من مفردات اللباقة و الاحتشام فاستفزت كل ذي ضمير حي ، حالم بدولة المواطنة و التقدم.
يندفع زعماء القبائل و رؤساء الطوائف و الأطر السامون المنحدرون من هذه الولاية في ترتيب هذه الاجتماعات و يطلقون الكثير من المبادرات في ذلك الصدد، فلا يعنى صيف المواطن المثقل بالهموم شيئا بالنسبة لهم، لا يتحركون عندما تنقطع الكهرباء و لا يشعرون بأي شفقة اتجاه المواطن الذي يواجه أزمة عطش خانقة في كيفه وفي بلدات كثيرة من الولاية و ليست لديهم مطالب لإصلاح النظام التربوي و الاهتمام بالعمال و الفلاحين ،ولم يجتمعوا يوما بقبائلهم للمطالبة بتخفيض الأسعار أو تحسين الوضع الصحي أو التعبئة للموسم الزراعي أو تنظيف المدن.
و الذين يتحركون هنا و يحشدون عشائرهم لإيقاظ العصبويات المقيتة لإظهار الولاء المطلق لرأس النظام لا يقيمون أغلب أوقات السنة في الولاية و خلال ساعات معدودة يصبحون على شواطئ الأطلسي هناك!
إنه عند كل مرة يترأس هؤلاء اجتماعات عشائرهم لتجييش عواطفها و ترفع نساؤهم الزغاريد و تقرع جوقتهم الطبول ، يتأجل موعد ميلاد دولة القانون و الحداثة و الرفاه ، و تتقهقر ثقافة الديمقراطية و المواطنة و الاندماج الاجتماعي و تضرب قيم الجمهورية في الصميم.
سيقبض الوجهاء و الأطر المؤدين "للمخزن"دوما ثمن هذه الجماهير امتيازات سخية ورواتب عالية وكراسي هزازة وسيارات فارهة وقصورا شاهقة ، سيبيعونها مستخدمين "القبيلة" وسيلة للتعبئة والشحن ، فبهذه الأداة البائدة وحدها تغيب نظرات العقول وتحضر بقوة نزوات العواطف.
لقد بدأ "السماسرة" موسمهم لبيع المواطنين ؛ الذين سوف يكتشفون في نهاية عملية تسويقهم تلك أنهم خدعوا للمرة العشرين و أن مزيدا من الجوع و العطش و ,النسيان و التردي ينتظرهم لسنوات أخرى ، و أن فصولا من التعاسة و البؤس و الوقوف في طوابير" أمل " تحت الشمس الحارقة هو أكثر ما يستحقون!
أليسوا هم الذين قبلوا أن يباعوا مرارا في سوق النخاسة السياسية ؟ أليسوا هم الذين لا يستفيدون من الدروس ولا يأخذون العبر من تجارب الماضي؟
عن/ وكالة كيف للأنباء