الراصد : أخشى أن تكون الدولة المصرية في وضع لا تحسد عليه بعد أن تأكدت حقيقة المخطط الإسرائيلي الشيطاني لتهجير أهالي غزة قسريا إلى سيناء؛ والذي يقومون بتنفيذه الآن على قدم وساق بارتكابهم اليومي لجرائم الإبادة اليومية لمئات الآلاف من الأهالي بشمال غزة وإنذارهم بضرورة نزوحهم إلى الجنوب، كمقدمة لإجبارهم لاحقا على اختراق الحدود المصرية في عدوان مميت على السيادة المصرية وعصف بأمنها القومي، وتجاهل تام للرفض الرسمي المصري الذي عبرت عنه في الأيام الماضية عبر كل القنوات.
وما اقترن بذلك من القصف الإسرائيلي لمعبر رفح، لمنع دخول أي مساعدات مصرية إلى غزة، وتجاهل وتخطي قنوات وآليات التنسيق الأمني والدبلوماسي القائمة بين الطرفين منذ سنوات طويلة، مع صدور تصريحات من وزير الدفاع الإسرائيلي بأن للجيش الحرية الكاملة في العمل في أي مكان في الشرق الأوسط لضمان امن "إسرائيل". وكل ذلك في حماية القوات وحاملة الطائرات الأمريكية القابعة بالقرب من شواطئ "إسرائيل".
أضف إلى ذلك خضوع معبر رفح المصري/ الفلسطيني للسيادة الإسرائيلية وليس للسيادة المصرية الفلسطينية المشتركة منذ توقيع اتفاقية فيلادلفيا بين مصر وإسرائيل عام 2005، حيث لا تملك الإدارة المصرية إمكانية التصرف في حركة المعبر بدون الرجوع إلى "إسرائيل" وهو ما ظهر للعيان في الأيام الأخيرة حين عجزت مصر عن إدخال مساعداتها إلى غزة رغم أن الأهمية العظمى لهذه المساعدات في إجهاض مخطط التهجير القسري للفلسطينيين.
بعد 45 عاما من توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، وبعد 9 سنوات من حكم عبد الفتاح السيسي الذي أطلق عبارته الشهيرة عام 2014 بأن السلام في وجدان المصريين وبأن الاقتراب من السلام خط أحمر وما بذله من سياسات وجهود حثيثة لتعميق العلاقات المصرية الإسرائيلية..
نقول: بعد كل هذا تجد الدولة المصرية نفسها اليوم أمام الحقيقة التي حاولت إنكارها وتجنبها لأربعة عقود؛ وهي أن القيود العسكرية المفروضة على قواتنا وتسليحنا في سيناء منذ 1979 تضعنا في موقف شديد الصعوبة لو قررت "إسرائيل" اجتياح الحدود بالقوة لتهجير مليون فلسطيني إلى أرض سيناء، في حماية ما يسمى بقوات حفظ السلام MFO والخاضعة تماما لإدارة وقيادة الولايات المتحدة وليس للأمم المتحدة.
وهو التحدي الأخطر منذ 1967، والذي دفع رئيس الدولة إلى التهديد يوم الأربعاء 18 أكتوبر في مؤتمره الصحفي مع المستشار الألماني بأنه سيطلب من ملايين المصريين النزول إلى التظاهر دفاعا عن سيادة سيناء وحدود مصر الدولية؛ بالإضافة إلى تلميحه "الأخطر" بأن تنفيذ مخطط التهجير القسري إلى سيناء سيؤدى إلى إنهاء عملية السلام بين مصر و"إسرائيل" في تصريح غير مسبوق من أي رئيس مصري منذ 1979. وعلى الأخص من السيسي الذي طالما كان يقدم نفسه للخارج بأنه خليفة أنور السادات وتلميذه النجيب في انحيازه وتقديره للسلام؛ بل كان أول من دعا من الحكام العرب إلى ضرورة توسيع السلام ودمج "إسرائيل" في المنطقة. ناهيك عما ظهر في كلمته اليوم (18 أكتوبر 2023) من تماهٍ مع الموقف الإسرائيلي فيما يتعلق بالمقاومة الفلسطينية وعدم رفضه لمبدأ التهجير القسري للفلسطينيين، بشرط أن يكون إلى صحراء النقب وليس إلى سيناء، وفقا لقاعدة "افعلوا ما تريدونه ولكن بعيدا عن سيناء".
لقد آن الأوان ليتضامن الجميع في مصر وراء مطلب وهدف تحرير سيناء وإعتاق الإرادة المصرية من القيود المفروضة علينا في المعاهدة؛ خاصة تلك الواردة في المادة الرابعة وملحقها الأمني الذي تم بموجبه تجريد ثلثي سيناء من القوات والسلاح إلا بإذن "إسرائيل".
وهى الترتيبات التي قال عنها آفي ديختر وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي الأسبق في إحدى محاضراته: "إن إسرائيل انسحبت من سيناء بضمانات أمريكية للعودة إليها لو تغير النظام في مصر لغير صالح إسرائيل.. وإن أهم هذه الضمانات هي خلو 150 كيلو مترا من سيناء من القوات المسلحة؛ بالإضافة إلى أن القوات الأمريكية الحليفة لإسرائيل هي التي تراقب المصريين هناك".