الراصد : فجر اليوم الأحد الخامس والعشرين من شهر يونيو 2023 وفي حدود الساعة الثالثة فجر أصيب أحد صغار الأسرة بضيق شديد في التنفس، قررنا إثره التوجه إلى المنشأة الصحية الأعرق بولاية لبراكنه(مركز الاستطباب بألاك) علنا نجد فيه (متنفسا)، توقفنا عند باب المشفى فإذا بالحارس يغط في نومه ما اضطرنا للنزول من السيارة وفتح الباب ...
حركة الباب غير الانسيابية وأصواته المزعجة كل ذلك لم يوقظ الحارس المتعب...توجهنا شطر ما القسم المسمى تجوزا بالحالات المستعجلة، كانت غرفه كلها مابين مغلقة أو مهجورة.. دخلنا مكتب الطبيب الرئيس فاعترضنا قط ببابه (انظر الصورة) يبدو أنه لم يترك الجواد وحيدا وقرر المداومة وحيدا في القسم ...معدات متواضعة كانت على المكتب ....بين الفينة والأخرى يقفز القط لتعهدها ...طفنا داخل القسم ثلاثا أو أربعا ننادي هل من طبيب هل من مسعف ...بعد نحو ربع ساعة من التردد قادنا الفضول لدق باب إحدى الغرف المغلقة وبعد طول انتظار خرج علينا شاب في ثياب شبيهة بثياب النوم ، وبادرنا بالسؤال عن حاجتنا، وهل يسأل الداخل إلى الحالات المستعجلة في ثلث الليل الأخير عن حاجته، لعلها من نوادر الأسئلة؟
أجبنا في دهشة لدينا طفل مصاب بضيق شديد في التنفس بحاجة لتدخل عاجل، فرد علينا أيقظوا الممرض سيكون هنالك في الغرفة وأشار بيده نحو غرفة مظلمة توجهنا إليها وسلمنا فخرج إلينا شاب مذعور لم نتبين له قولا لعل النوم أثّر في نطقه، . .ثم عدنا إلى صاحبنا الأول وقد لبس بذلته وخاطبنا قائلا عليكم التوجه للصندوق لقطع تذكرة للطفل ....ياللهول الطفل بحاجة لإسعاف أولا ....
توجهنا إلى الصندوق فكانت نافذة الدفع مغلقة دققناها فكان استيقاظ صاحبتها أسرع، قطعنا التذكرة وعدنا بوصل الدفع إلى صاحبنا الذي تركنا في مكتب (القط) ...أخذ ورقة بدون رأسية (انظر الصورة) وكتب وصفة غير موقعة وأمرنا بشرائها من الصيدلية والتوجه إلى قسم الأطفال...توجهنا إلى الصيدلية التي كتب عليها أنها ميسرة ...الأكيد أن إيقاظ المداومين فيها عسيرا...دققنا نافذتها الموصدة مرات ومرات ومع بزوغ الفجر خرجت علينا سيدة سألتنا هل أذن مؤذن الفجر ...أجبتها(اقتربت الساعة وانشق القمر...).
عادت لمخبئها ثم خرجت وناولتنا ورقة وأشارت نحو الصندوق فالدفع أولى من الإسعاف، عدنا إلى الصندوق والى صاحبته التي كانت نومتها هذه المرة خفيفة ربما لقرب عهدنا بها...دفعنا لها المبلغ المرسوم وعدنا بوصل لم نتبين ما كتب فيه لسوء طباعته(حبر ساحبته نفد فيما يبدو) ...ناولنا الوصل لصاحبة الصيدلية واعطتنا الدواء في أيدينا، ثم توجهنا إلى قسم الأطفال الذي لم يكن أحسن حالا ...غرف مهجورة ومرضى يئنون وطفل صغير ملقى في جهاز بغرفة موحشة(انظر الفيديو) ...صحنا منادين هل من طبيب وبعد ساعة من الطواف عدنا إلى صاحبنا الأول الذي وجدناه قد أحكم إغلاق غرفته وترك قطه في المداومة ، دققنا عليه الباب فتح واخبارناه بأن قسم الأطفال لا طبيب به رد المداومون سيكونون في الغرفة الأولى على اليمين عندما تدخلون عدنا إلى الغرفة ودققنا بابها بشدة، جاءت (وقد نضّت لنوم ثيابها...) وبدأت في تلمس طريقها إلى غرف القسم المهجورة ثم اتصلت طالبة شيئا تبين فيما بعد أنه جهاز أكسجين جاء عامل يحمله وقد علاه الغبار...لم أطمئن له فالغبار هو أول أسباب ضيق التنفس...لكن (المضطر ما ينظر) كما يقول(حسّان).
كسرت صاحبتنا زجاجات الدواء وهي تمسح عينيها بيدها وتتمتم، ودون تعقيم ولا تنظيف جعلت جزءا من الدواء في القارورة الوسخة وعلقتها للطفل المنكوب ثم غادرت على عجل وتركتنا في غرفة شديدة الحرارة كريهة الرائحة...لم أطمئن لكل ذلك فخففت الوثاق عن أنف الطفل حتى أصبحت الانبعاثات تخرج إلى هواء الغرفة الملوث وبدأت في البحث عن السيدة ...سألتها عن المدة التي يجب أن يقضيها الجهاز في أنف الطفل فأجابتني أنها غير محددة فعدت اليه وخرجنا بخفي حنين.
مؤسف أن يكون هذا حال الحالات المستعجلة والأقسام الأكثر روادا بأكبر منشأة صحية في ولاية من أكبر ولايات الوطن وعند ملتقى طرق بسرة البلاد...تصوروا معي كم مريض لفظ أنفاسه قبل أن يستيقظ هؤلاء النوم وكم من آخر لقي ربه وهو ينتظر من يعود من الصندوق لاستكمال إجراءات معاينته...وكم من غريب لقي مصرعه دون أن يتبين وجهته في هذا القبو المعزول ...إنه مشهد مؤلم ما كان له أن يكون في هذا العهد ...أرجو من معالي وزير الصحة المختار ولد داهي Moctar Ould Dahi أن يضع حدا المأساة التي لا تناسب قطاعا يرأسه، وتخالف توجيهات رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني في تقريب الإدارة من المواطنين .
من صفحة الزميل عبد المجيد إبراهيم على الفيس بوك لمشاهدة الفيديو اضغط هنا