الراصد : عفت ديار الأنس وادلهم ليلها؛ و تاه في أوكارها عشاق الحياة يبحثون عن أوقية ضاعت قبل قرون عشرة، تحت الركام في أزقة كومبي صالح وآوداغست ...
كانوا يترنمون في حديث مع النفس .. في حسرة على وطن باضت في منازله البوم، وقد شاخ في ريعانه،
و صار كشيخ ضرير بلا دليل .. وهن العظم منه ..و لم يعد يقوى على حمل الأعباء ولا على تحمل أخطاء الأبناء.
فكسرت عليهم سكون الليل البهيم بتأوه منفرج على الواقع المر، وأنة حادة تغرز في ضمائر الأحرار خنجرا من التأنيب، وأنا أتأبط حقيبة أحلام مطاطة، و على كتفي نخلة من غرس الفاتحين، وألوك في فمي بقية علكة صمغ عربي مستباح منذ "..طاف عليها طائف من ربك وهم نائمون" في يوم كالح من أيام مقالع الملح.
كانت تأخذني الأحلام بعيدا إلى مسارح الآمال والجمال .. إلى ساحات النضال كي أعدم الألوان وأئد التذمر والتنمر، وأفك عقد الحياة فوقيها ودونيها.
غير أني كنت أفكر بذاكرة مستعارة تصنع من المجاز أحلاما فضية، وترى في الخنوع سلاما وألف ألف أوقية.
أخذت من الذكريات منطلقا يؤسسه المنطق وتدعمه النتائج، لأعبر عن حسرتي على مستقبل يتم إعدامه يوم الأربعاء من كل أسبوع.
فكم كنت ألهث خلف غيمة شل يمينها..!
لم يصلني منها غير صفير الريح .. وهزيم الرعد.
فكانت لهم الفوائد و عليّ السداد .. لهم أوقية الذهب ولِي أوقية "الأخلاق" ، و رصيد أمل يتآكل بإسراف مفرط.
لقد استعذبتُ أقوالهم في غفلتي وغفوتي، و عذبتني الأفعال؛ فغدا الماء سرابا والغاز هواء، وصار الذهب نحاسا والنحاس "سلقلقا" لا تجنَى منه أوقية.
وانتعشت أسواق التملق والتزلف، وبارت سوق الكادحين المتعففين المرابطين على قارعة طريقٍ تشققت كسباخ "أُعملت فيها المعاول" .. ينتظرون قدوم قطار التنمية مع انبلاج فجر جديد يفهم أن الكرامة أغلى من كل أوقية.