الراصد : بيان :
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على النبي الكريم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا. (النساء، 135). صدق الله العظيم.
تشكل الانتخابات التعددية إحدى اللحظات الحاسمة في مسارات التحول الديمقراطي، باعتبارها مناسبة لجرد الحساب واختيار الأفضل وتأمين التناوب السلمي على السلطة؛ غير أنه في ظل الأحكام السلطانية المولعة بأساليب المكر والتحايل وغير المتورعة في نهاية المطاف عن استخدام العنف لتحقيق أغراضها، يمكن للانتخابات أن تتحول إلى مناسبة خطرة لاختبار مواجهة الإرادات وتجريد يافطة الديمقراطية من أية مصداقية، وبالتالي إلى مصدر خطر لزعزعة استقرار الأحكام والبلدان.
وفي بلادنا، أصبح جليا أن جناح اليمين المتطرف في السلطة الذي يسعى جاهدا لبسط هيمنته على مقدرات البلد، قد قرر التعويض عن التكاسل في تحقيق التعهدات والعجز عن كبح جماح المفسدين والفشل في تحقيق الانجازات، باستخدام قوة الدولة القمعية والزج بمختلف أذرعها في معركة التحضير للانتخابات المرتقبة، التي تحولت فجأة إلى هاجس يؤرق سلطة ظلت تدير الأمور كما لو أنها أسقطت كلما يتعلق بالاستعداد ليوم الاقتراع من حساباتها وتناست أن الكلمة يمكن أن تعود يوما ما إلى الشعب ليقول كلمته فيها.
وبناء على هذا القرار، باشر اليمين المتطرف مغامرته المستفزة، حيث كان عليه في مرحلة أولى أن يستخدم الخديعة للتخلص من لجنة الانتخابات السابقة قبل انتهاء مأموريتها وتحويل اللجنة الجديدة إلى طعم تمت بعثرته في أروقة وزارة الداخلية، من أجل اختطاف صفقات تتعلق بالتقطيع الإداري وقواعد الانتخابات مع طيف سياسي أقل ما يمكن أن يوصف به أنه لم يعد لوحده يمثل معالم الخريطة السياسية، وأن أغلبية العناوين المكونة له ليست أكثر من شعارات طالما آذت الشعب بسيئ القول وبررت نهب خيراته والتنكيل بقواه الحية. وفي مرحلة ثانية تمت إعادة ترميم الجهاز السياسي لحزب الحاكم واستعادة الصلة بالأطياف القبلية واسترضاء وجهاء المهمات الخاصة واستهداف المنافسين المحتملين، كما تمت بشكل خاص إعادة بناء آلية تزوير العشرية بأدواتها وشخوصها ونواياها الكيدية، والشروع في توفير المناخ الملائم لتدبير مهزلة انتخابية، كل ذلك في ظل هجوم غير مسبوق على حريات المواطنين ومصادرة حقوقهم في التعبير والتجمع والتنظيم، بل والتبجح علنا بتجميد قانون الأحزاب السياسية في ثلاجة الغرور والتأويلات المغرضة، وفي تحد سافر لإرادة الشعب المعبر عنها من طرف نوابه وللتضحيات الجسام التي بذلتها القوى الوطنية من أجل انتزاع حقها في تشكيل أحزاب سياسية تجسد طموحها لبلدها وتساهم في تهيئة الظروف المناسبة للتغيير الديمقراطي الذي أزف أوانه
وبالموازاة مع هذه الترتيبات، تنشط الدعاية الديماغوجية للسلطة، مستلهمة أساليب عهود خلت، لكن في نفس الوقت غارقة في وحل الفشل، تحت وطأة الضغط المزدوج لسوق فوضوية لحد التوحش ولبيروقراطية تضخمت أوداجها من تبديد ثروات البلاد وتوريث المناصب والألقاب وشابت ذوائبها متدحرجة من حكامة سيئة إلى أخرى أسوأ، محولة البلاد إلى أنقاض، بعد أن دفعت بشبابها إلى ركوب المخاطر ومكابدة الأهوال والموت مثل العصافير سواء بسبب سكاكين أو بنادق المجرمين أو بفعل أسلحة الجيران الفتاكة، ومن دون أن تكون دولتهم قادرة حتى على إبداء الأسف أحرى أن تدين ما يتعرضون له من استهداف أو تطالب بالتحقيق فيه. وبالتأكيد فإن تلك الدعاية تقف أكثر عجزا أمام واقع تردي الصحة والتعليم والتدهور المستمر للقوة الشرائية للمواطنين، في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار والفوضى الحاصلة في تموين السوق وتكاثر السلع المغشوشة والمزورة، إضافة إلى عجز الحكومة عن توفير خدمات أساسية حيوية مثل المياه الصالحة للشرب غير المتوفرة لمئات آلاف المواطنين في المدن والأرياف ومثل التغطية الكهربائية التي ما تزال في حدود 20% بالنسبة لبعض أكبر ولايات الوطن.
إن حزب موريتانيا القوية – المحروم من حقه في المشاركة السياسية رغم حصوله على وصل من الجهات المختصة وتجاوز الفترة القانونية المحددة لانتظار رأي تلك الجهات من دون أن تبدي أي اعتراض – وهو يتابع بقلق شديد تردي أوضاع البلاد ومصير شبابها، والاستعدادات الحثيثة الجارية لإقصاء طيف واسع من القوى الحية من المشاركة في الانتخابات المقبلة ولتزوير إرادة الناخبين:
• يجدد دعوته لكافة القوى الوطنية الطامحة للتغيير الديمقراطي، من أجل التحرك العاجل لتشكيل القطب الديمقراطي القادر وحده على وقف تردي الأوضاع وقيادة قوى المعارضة وجماهير الشعب لتحقيق التغيير الديمقراطي وهزيمة فلول الأنظمة السابقة؛ • يهيب بالسلطات العمومية، أن تحترم دستور الجمهورية وقوانينها وأن “ترفع الحجز” على وجه الخصوص عن الأمر القانوني رقم 024/91 الصادر بتاريخ 25 يوليو 1991 المعدل سنتي 2012 و 2018 والمتعلق بالأحزاب السياسية؛ • يدعو الحقوقيين ومختلف تنظيمات المجتمع المدني وشركاء بلادنا في التنمية وكل الغيورين على المكتسبات الديمقراطية للبلاد، إلى التحلي باليقظة تجاه وضعية الحريات العامة، وإدانة ما تتعرض له من تضييق وانتهاك وتعسف، بلغ حد مصادرة آراء الناخبين حتى قبل تنظيم الانتخابات.
نواكشوط، 07ديسمبر 2022
موريتانيا القوية