الراصد: “ولأن والدي لم يعترف بي، لم يستمر زواجي سوى يومين “، هكذا أوضحت لاله بصوت يعتصره شيئ من الألم بسبب طلاقها.
لاله، تبلغ من العمر 29 عاما، وهي من ضحايا الزيجات السرية المنتشرة في البلاد، لم يعترف الرجل الذي تزوجته والدتها سرا بانتمائها إليه، مما جعلها عرضة للقذف والطعن في عرضها كما تقول.
توزجت والدتها من رجل لم تسمح له مكانته أن يعلن ذلك للمجتمع، خاصة أنه متزوج من سيدة أخرى من علية القوم كما تقول والدة مريم، “وبعد عامين من زواجنا الذي جرى بشهود، بعث لي ورقة طلاق، وأنا في بداية حملي بلاله”، بعد ميلاد لاله بعثت والدتها برسالة إلى طليقها لتزف له البشرى، لكن ردة فعله جعلتها في صدمة لم تتجاوز تبعاتها حتى الآن، فقد رفض الاعتراف بأبوته للفتاة، موجها تهم الفجور إليها.
بعد ميلاد لاله، بدأت أيضا سهام القذف توجه إلى عائلة والدتها، ولم يصدق أحد قضية الزواج السري، رغم وجود عقد عرفي مكتوب، مما جعلها منبوذة في حيها الذي يوجد جنوب موريتانيا.
لم تسلم لاله من النظرات المترفعة في مسيرتها الدراسية التي لم تتجاوز مرحلة الاعدادية، وحين بلغت 20 عاما، تزوجها أحد أقارب والدتها، لكن المحيط القبلي رفض ذلك، لأنها ليست بنت أصل كما يرى، ومارس كل وسائل الضغوط، حتى انتهى الزواج في اليوم الثاني.
مجتمع….
ولأن شرف المجتمع الموريتاني مرهون بالنساء، بحسب الباحثين الاجتماعيين، فإن المرأة هي الضحية الأولى للزيجات السرية، رغم أن غالبية أبناء هذا الزواج، يتجرعون نفس المرارة، إذا لايمكنهم أن ينعموا بالمكانة الاجتماعية، أو الدراسة، أو حتى العلاقات الإنسانية.
الباحث الاجتماعي الشيخ ولد السيد يرى أن أكبر معاناة يعيشها الإنسان، هي أن يكون مجهول النسب في موريتانيا خاصة، لأن مصير هذه الحالات، هو الحرمان من الاعتبار، والمكانة، وحتى المعاشرة، وهذا قد يسبب تأثيرا نفسيا خطيرا
ويقول الشيخ:
” المجتمع الموريتاني تطبعه المحافظة ظاهريا، لكن تصرفاته الباطنية تظهر مدى وحشيته، فمقتضيات العادات التي تجعل المرأة كبش فداء، مهدت طريقا مفروشا بالورود، للرجال من أجل التنكر والتخلص من أبناء الزيجات السرية.”
لايمكنهم التعلم….
من أصعب الأمور التي يواجهها أبناء الزيجات السرية، هي التعليم، فنظرا لعدم وجود أوراق مدنية مكتملة، تجعل من مهمة التحاقهم بالتعليم، “شبه مستحيلة”.
مريم “اسم مستعار”، ضحية هي الأخرى للزواج السري، وقد أنجبت في إطاره طفلا لم ينتم لأي أب حتى الآن، وحين حان وقت التحاقه بالمدرسة، وقفت الأوراق المدنية عائقا أمام تلك المسيرة، لتتفاقم المآسي على والدته من جديد.
تقول مريم:
” تزوجني سرا أحد المعلمين الذين يدرسون في قريتنا، وحين علم بحملي، غادر الحي إلى غير رجعة، وانقطعت أخباره بعد تغيير رقم الاتصال، ليجعلني عرضة للتشهير والقذف.
وحين أنجبت ولدا من ذلك الزواج، أطلق عليه أبناء الحي، ولد الدولة، “أي ابن غير شرعي”، حتى أن بعض أقاربي يشمئزون من رؤيته، أحرى الكلام معه رغم براءته.”
وتضيف مريم :
:”حين بلغ من العمر 7 سنوات، ألح على الذهاب إلى المدرسة، ولأن قضيته مشهورة في الحي، تعاطف معه مدير المدرسة وسمح له بالدراسة، لكن حين وصل إلى مرحلة مسابقة دخول السنة الأولى الاعدادية، توقفت مسيرته الدراسية نظرا لعدم توفر أوراق مدنية مكتملة.
من العجيب والمؤسف، أنه لم يسألني يوما عن من يكون والده، لكنه يبكي حين يطلق عليه الابن غير الشرعي.”
الفقر….
بحسب المنظمات الحقوقية، فإن الزيجات السرية منتشرة لدى الأحياء الفقيرة، وغالبا ماتكون عائلة الفتاة هي السبب في ذلك، فحين يتقدم لهم أحد الأغنياء بعرض زواج سري، يوافقون على الفور، ودون استشارة الفتاة، وبدون تفكير في العواقب، لأن وضعيتهم المادية، تجبرهم على موافقة العرض، حتى وإن كان على حساب مستقبل الفتاة.
وحين يتم الزواج وتحمل الفتاة بعد ذلك، يسلط المجتمع عليها الضوء، وتصدق ادعاءاته، حين ينكر الزوج المولود”ة”.
مريم بنت سيدي عالي من منظمة رابطة معيلات الأسر وقد سجلت العديد من هذه الحالات، وصل بعضها إلى القضاء.
تقول مريم:
“وصلتنا في منظمتنا العديد من هذه الحالات، من أبرزها إحدى الحالات التي تصدرت “تريند” التواصل الاجتماعي في موريتانيا خلال الفترة الأخيرة، والتي انتهت لصالح الابن، حيث اعترف والده بانتمائه إليه.
منذ 2008، ونحن نستقبل بشكل يومي هذا النوع من الحالات، وقد استطعنا انتزاع حقوق أغلب الضحايا اللواتي لجأن إلينا.”
وتضيف مريم :
” خلال شهري أكتوبر وسبتمبر الماضيين، وصلتنا عدة حالات، منها حالات في الداخل الموريتاني وبعضها في العاصمة نواكشوط، على غرار فتاة تبلغ من العمر 10 سنوات، والتي وصلت قضيتها إلى وكيل الجمهورية.”
بحسب معطيات صادرة عن منظمات حقوقية، فإن أغلب ممارسي هذا الزواج، أغنياء وأصحاب نفوذ، وبنسبة 95% منهم، لايعترفون بأبنائهم، ونظرا لحساسية الموضوع لدى المجتمع الموريتاني، تلتزم أغلب ضحايا هذا الزواج بالصمت، ليكون الطعن في شرفهن ونكران أولادهن، هما المصير الموحش، الذي عليهن التعايش معه.
حمن يوسف
تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH / JHR – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا