بيان من مجموعة المعتقلات في قضية مامة المصطفى. 

سبت, 05/11/2022 - 20:52

الراصد: في ظل كل ما عايشناه ونعايشهُ من عنف وتحريض وتهديد لأمن النساء وحقهن في تقرير مصيرهن، وفي ظل حملات هجومية مرعبة تهدد أي محاولة لبناء مجتمع مبني على قيم التعاطف والسلام، ورغم حالتنا النفسية والجسدية الأليمة ووضعنا الأمني الخطير، نجدنا في حاجة لأن نخرج للرأي العام بتوضيح مجموعة من الحقائق والمواقف التي نهدف من خلالها إلى وضع نهاية للاستخفاف بحيوات النساء واستباحة أجسادهن ومصائرهن ولا أنسنتهن عبر أجهزة الدولة والقبيلة والمجتمع، وعليه نوضح مايلي: 

تابعنا كنسويات موريتانيات نؤمن بالمسؤولية الجماعية تجاه سلامة النساء وأمنهن، قضية الفاشنيستا "مامة المصطفى"، وتفاعلنا معها وفق مرجعياتنا السياسية وتحركنا فيها من خلال أهمية مبادئ المؤازرة والتضامن، فقمنا بالتنسيق معها للقيام بزيارة مؤازرة نطمئن فيها على صحتها مستعينات بتاريخ طويل من التضامن الاجتماعي الذي كان وما يزال بين النساء في محنهن.
 قمنا في شخص إحدانا بالزيارة فيما بقيت الأخريات خارجًا في انتظارها. بعد خروج الرفيقة من منزل مامة وبعد توديعها لها، قمنا بطلب سيارة أجرة وبقينا في انتظارها لنتفاجأ بعد قليل بمامَّة وهي تركض من أمها التي تصرخ على أهل الشارع: "مجنونة، مجنونة أمسكوا بها" وفي ذروة ذهولنا من المشهد تبعتهم إحدى الرفيقات راكضةً لتجدَ أحد الرجال يلبي نداء الأم الغريب وهو يعنف مامَّة بحجة "إعادتها لأمها" ما جعل رفيقتنا تحاول إبعاده عنها لتتفاجأ هي الأخرى بجار لهم يسحبها إليه ويصفعها؛ أثناء ذلك قامت رفيقة أخرى بإخراج هاتفها بغية توثيق التعنيف الذي تتعرض له رفيقتنا ليتم التهجم جسديًا عليها ومحاولة إدخالها في سيارة توقفت لتوها من شخص سيعرف نفسه لاحقًا بأنه ينتمي إلى "مجموعة دول الساحل الخمس".
وفي الأخير وبعد ربع ساعة من تعنيفنا لفظيًا وجسديًا وترهيبنا نفسيًا ومحاولة تشويه صورتنا أمام الشارع وجيران مامّة تمت جرجرتنا إلى منزل أهلها وإجبارنا بالقوة على الدخول بمساعدة من بعض الجيران الرجال واحتجازنا هناك بحجة محاولة اختطافنا لمامَّة، احتجازًا قسريًا استمر لساعة ونصف في صالونهم تعرضنا فيها لأنواع التعنيف ابتداءً من صفع رفيقتنا من قبل نفس الشخص الذي عنفها في الشارع وضرب رفيقة أخرى نتج عنه تشنج عضلي في كتفها وجروح في ذراعها الأيمن وليسَ انتهاءً بتهديد مشحون بالكراهية من قبل أم مامَّة: "السجن المؤبد أو القتل" أو من قبل أم مامَّة، والتهديد بالضرب من قبل رجال عائلتهم الذين لولا صاحب السيارة لضربونا. بالإضافة إلى التهديد بالاغتصاب من جار آخر عندما واجهته إحدانا سخر قائلًا: "نساء، أحضروا رجالكم!".

العائلة كانت على قدر كبير من الغضب والعنف الجارف، فقوبلت زيارتنا الاطمئنانية بالاتهام بمحاولة الخطف وتجمهر علينا حشد كبير من العائلة والجيران، حدثت مشاهد جنونية طافحة بالاعتداء الجسدي واللفظي ثم تعرضنا للاحتجاز القسري داخل منزل العائلة مع تهديد واضح بالقتل والسجن.
قامت عائلة مامة المصطفى باستدعاء الشرطة لاعتقالنا، وهو ماحدث بالفعل، أتت سيارة للشرطة وقامت باعتقالنا والذهاب بنا إلى مفوضية "لگصر"، وهو ما أذهلنا حقًا، كيف تعتقل الشرطة مواطنات قمن بزيارة امرأة للاطمئنان عليها؟ نظن أن الجواب واضح، هذه الأجهزة هي في خدمة السلطة القبلية لا غير.
في مفوضية الشرطة تعرضنا لعنف مضاعف، حيث تعرضنا لمحاولة ضرب من أم مامة المصطفى، التي هددتنا بالقتل، واستخدمت نفوذها وسلطتها القبلية في الدخول لمفوضية الشرطة وممارسة العنف فيها بكل وضوح وجبروت، في مشهد ذكرنا بأن الامتيازات القبلية فوق القانون وتمكن الشخص من حيازة العنف وممارسته في تحدٍ واضح لكل ما تدعي الدولة تمثيله، حيث قالت دون خجل "لنذهب لمفوضية الشرطة حتى ترى مامة بوضوح أنهن لا يملكن شيء لأنفسهن ولا لها" في إشارة لقدرتها على استخدام نفوذها ضدنا. حيث ظهر لنا أنها دولة السلطة القبيلة وليست دولة المواطنة، وأنه يمكن لشخص متسلح بالسلطة أن يحتجز مواطنات دون تهمة ويحرمهن من حقوقهن القانونية ومن الاستعانة بمحامي يحميهن من التعسف، بينما يسرح هو في مفوضية الشرطة كملكية خاصة، وهو مايظهر حقيقة الشرطة كجهاز طبقي قائم على حماية مصالح من يحوزون السلطة والامتيازات.
تم توقيفنا طيلة اليوم، في ظروف غير قانونية، حيث قام رجال الشرطة باحتجازنا في مكان لا وجود للنساء فيه، وصودرت هواتفنا، ومُنعنا من الاتصال بمحامينا أو السماح لهم بالدخول، ورغم مطالبتنا المتكررة أننا لن نقبل بمتابعة أي إجراء دون وجود محامي  وإضرابنا عن الطعام، لم تستجب مفوضية الشرطة لذلك، واحتجزتنا لساعات دون سند قانوني أو تهمة معينة، مع الكثير من التنمر والعنف اللفظي.
وبعد ساعات من الاحتجاز تعرضنا فيها لأنواع العنف الجسدي والرمزي والنفسي، استطاع محامونا أن يدخلوا أخيرًا، وأطلق سراحنا الساعة العاشرة

إن مامررنا به وما عقب الاعتقال والتعسف والعنف، والتبعات الاجتماعية التي واجهناها من مجتمع محرض على العنف ومتفاخر به ذكرنا بالسبب الرئيسي لكل ما حصل، والذي لا نريد أن يضيع في المحاولات الخبيثة لتعتيمه وطمسه، نحن تعرضنا للعنف والاعتقال التعسفي، لأننا تضامننا مع مامة المصطفى، ولأننا رفضنا أن يكون العنف والاغتيال المعنوي والمادي، وجعل النساء ملكية خاصة للقبيلة والأسرة والدولة هو قدر كل منا، ولأننا نؤمن بالحق الأصيل لكل كائن حي، لكل انسان بأن يُعامل بكرامة وأن يعيش دون قسر أو اضطهاد.
إن القضية اليوم هي قضية مامة المصطفى، هي حياة مامة المصطفى، وهي مصير مامة المصطفى، لن ندع العنف والحشود المتعطشة لدماء النساء وآلامهن أن تنسينا هذه الحقيقة.
مامة عُنفت، واحتجزت، وسلب مصيرها، لأنها قررت أن تتزوج من شخص تحبه في العلن، لم يكن زواجاً سريًا، ولم يكن خارجًا عن المألوف، لقد احتكمت مامة للشريعة وتواصلت مع فقيه أباح لها عقد قرانها مع سدوم ولد آب، بصفتها بالغة سبق لها الزواج وولايتها في يدها، لم تتصور مامة أن سلطة العادات والقبيلة فوق سلطة الإباحة الدينية، لذلك تزوجت، ولم يكن سراً عن عائلتها أيضًا فقد أخبرت والدتها بذلك، لكنها لم تتوقع أن تقوم بالانتقام منها عبر استدراجها بالقول أنها موافقة ويجب أن تحضر عندها لتباركها وتعلن الزواج للعائلة، لكن الأم استغلت عطف البنت وثقتها وأبلغت عنها الشرطة، عند اعتقال مامة وسدوم لم تجد السلطات أي تهمة تحاكمهما بها، فهما متزوجان حسب الشريعة والقانون الموريتاني، لكن مرة أخرى تثبت لنا القبيلة أنها الحاكم الأساسي للدولة وأن لا قانون فوقها ولا دين ولا عرف. لقد استخدمت عائلة المصطفى نفوذها لتطليق مامة قسريًا، واحتجازها والاعتداء عليها وتهديدها بالزواج القسري ونفيها لمدينة أخرى.
كانت مامة مسرحًا لممارسة سلطة القبيلة في تأديب النساء وإجبارهن على العودة لحظيرة القسر والانقياد لأقدار ومصائر لم يخترنها.
لم تتوقف مأساة مامة هنا، لقد تم احتجازها لثمان ساعات في مفوضية الشرطة يوم أمس، ومنعت من تناول أدويتها ما أدى في الأخير لانهيارها.
احتجزت ماما ليلة أمس لمحاولتها الانتحار في المفوضية بتهمة محاولة الموت، يتكرر سيناريو الدولة والقبيلة التي تحشد كل قواها لأجل ارجاع النساء لحظيرة السلطة وتقبل الانصياع لمصير قُرر عنهن سلفًا بينما تعجز عن توفير أبسط حماية لهن من العنف الأسري ومحاولة تدمير حيواتهن.
إن محاولة الانتحار هي صرخة ضد الظلم والعنف، ضد المصير الزاخر بالقهر والاضطهاد، لكن حتى في هذه لا آذان تسمع ولا قلوب تتعاطف. لقد رأينا كيف جُبل هذا المجتمع على العنف حتى ما عاد يرى في النساء سوى أشياء للعنف ومواضيع للعنف، لقد صقل العنف قلوب الناس بالأنانية وقلة التعاطف والتعطش لرؤية الدماء، رؤية النساء تسحل وتعنف ويتحكم فيها، لقد طُبع العنف لدرجة أن نرى مئات الأشخاص تهلل لتعنيف مامة وحجزها وسلب تقرير مصيرها، بل تعتبر أن ذلك حقا مطلقا لأهلها، لأن العائلة في ذهنيتهم الذكورية تعني الملكية وأن تكون البنات أشياء ومقتنيات تتداول بين الأسرة والقبيلة وتمنح حسب هرميات طبقية وعنصرية، تقسم الناس "لحر ومملوك"، لولد الخيمة لكبيرة وايگيو وحرطاني ومعلم وكوري، أسماء متعددة تعكس حقيقة الاقطاعية والهرمية التي تنخر هذه البلاد وتجعل قلة منها يمكلون حق التصرف في الثروات والمؤسسات والأشخاص، ويقسمون الناس حسب مزاجهم ومصالحهم، ويتعاملون مع النساء كملكية خاصة تحقق لهم الأرباح ويبنون من خلالها مجد السلطة.

ونحن إذ نسرد كل هذه التفاصيل بالكثير من الألم والصدمة والقهر والدموع الحارة والعظام المنخورة بالوجع وآثار العنف نريد أن نعلن أن: 
 
-تهمتنا هي التضامن النسوي مع امرأة سلب مصيرها وتعرضت للعنف والغدر من العائلة والقبيلة والمجتمع والدولة، وهي تهمة لا ننفيها، فإذا كان مجتمعنا مجبولا على كره النساء وتعنيفهن والتمتع برؤية دمائهن وآلامهن وأحلامهن المسروقة، فنحن قررنا قديمًا وليس سرًا أن نقف في وجه هذا العنف ونضع له حدًا، حتى لو كلفنا ذلك ماكلفنا من العمر والصحة والأمان.
-ندعو للتضامن مع مامة المصطفى، وندعو لحريتها الفورية وتحقيق العدالة لها ورفع القسر والعنف عنها، ومطالبة عائلتها بوقف نفيها واحتجازها، والتأكد من سلامتها الجسدية والنفسية.
-ندعو منظمات المجتمع المدني وكل القوى التي تمتلك موارد، لمساعدة مامة المصطفى ومؤازرتها نفسيًا وقانونيًا، وايقاف ماتتعرض له.
-نطالب كل القلوب التي ما تزال تقاوم عنف الأنانية والتلذذ بالاضطهاد وكراهية النساء، كل من يؤمنون بأننا بشر يحق لنا العيش دون أن نسحق ونضرب ونسحل ونُرهَّب بالخوف والاضطهاد، أن يقفوا الآن الآن وليس غداً لوقف هذا الظلم، لوقف العنف ضد مامة المصطفى، لوقف سلب مصيرها، لوقف الانتقام منها، ولوقف تحويل مجتمعنا لكتلة متحركة من الأذى والانتهاك والانتقام، لإنقاذ ولو القليل من قيم العدالة التي سحقت بالعسكرة والقبيلة والطبقية والعنصرية والذكورية وكراهية كل من لا يخضع للسلطة.
-نطالب الدولة الموريتانية بتحمل مسؤوليتها القانونية والدستورية في حماية مواطنيها ورفع الظلم عنهم، والتدخل في قضية مامة المصطفى وتوفير الأمن لها وضمان حريتها وحقها الدستوري في أن تمارس حياتها دون قسر أو عنف.
-نطالب بتضامن شعبي لوقف استخدام أجهزة الدولة الأمنية ضد المواطنات، وتسخيرها لخدمة مصالح القبيلة والنظام الأبوي الذكوري، ومصالح من يمتلكون الرصيد الطبقي والقبلي لكي يمارسوا الترهيب العنصري والذكوري ضد النساء والمجموعات الاجتماعية والاثنية التي لا تمتلك السلطة أو النفوذ. فهذه القضية أوضحت لنا سيادة الفساد والمحسوبية والقبيلة في كل أجهزة الدولة بدءا بالقضاء ووصولًا للشرطة والمؤسسات القانونية.
-نطالب المنظمات النسوية والنضالية في موريتانيا والعالم، بأن تقف معنا بالتضامن والحشد والمناصرة ضد هذا العنف الذكوري والقبلي والطبقي الذي نتعرض له وتتعرض له مامة وغيرها من الواقعات تحت قسر السلطة الذكورية، ومن فرض عليهن الانقياد لها لأن لا ملاذ منها ولا قوة تقدر على مجابهتها.

وأخيرا، نوجه تحية نسوية وشكر ونضال ورفاقية لجميع من تضامن ونشر عنا من نسويات/نسويين رفيقات/رفاق صديقات/وأصدقاء ومعارف ومتعاطفات/متعاطفين، ونذكرهم أنه وفي أثناء كتابة هذا البيان وصلنا من مصادر مؤكدة أن الشرطة تمنع وصول أي شخص لمامَّة لتغيير ضمادتها الأولى منذ البارحة.

#العدالة_لمامة 
#حمايتي_بالقانون_حقي...05/11/2022