الراصد: قيل إن الدهماء يجمعها الطبل وتفرقها العصا...
بعضنا إذا اجتمع لنصرة، أو تنديد، أو مطالبة بعدل، أو اعتصام لإحقاق حق وإبطال باطل، تراه أمواجا حتى لتدعو الله أن يقذف في قلوبه الرعب حتى لا يخسف بالعالم الأرض فيجعل عاليها سافلها، ثم يبعث الله الناس على نياتهم...
لا تحزن، لا تحزن، ابشر بطول سلامة يا عالم، فصوت(ابَّتَارْ) صغير من لعب الأطفال كاف لتراه كأنما (أغريت قسورة بسرب ظباء) فلن ترى منه إلا متخففا من نعال، متبرما من عباءة وقميص، ملتفتا إلى الوراء، سترى أطعمة وأشربة وزادا كثيرا أعد لمعركة مقدسة، تعجل عنه أصحابه، وتخففوا منه كي يخفوا لمسابقة الرياح..انتهى القوس...
الدهماء خليط بشري غير مصنف، يشبه اليوم "بالوطة راباخا"،تتصدره العامة، لا يصدر عن رأي موحد، ولا يوجهه قانون...
لا يبحث عن حكمة، يثيره الفضول، يتسلى بالمحن والشرور...
لكن الدهماء هي رحم ثقافة الشعوب، منها تنطلق الأحكام المرتجلة على الظواهر والأشياء وعلى الإنسان نفسه، وفيها تولد مسميات الأماكن والأحياء والمدائن، وجديد رسوم القماش وصباغته، وأنواع الضفائر والحلاقة، وحتى الأشياء العصرية من حلوى وغيرها، مطلق الاسم مجهول،،
أمة إذا ضحكت سعلت، وإذا هدأت سألت، وإذا سألت أحرجت، وإذا غضبت فجرت...
نكرات لا تنتسب إلى مشترك، ولا تتسمى بمميز، تنتظم في سلك الفراغ رغم التنافر، ولا تطمع في الصعود، مرتاحة بغبائها، سعيدة بشقائها، لكن سلطانها غالب،
لا فرق فيها بين نابل وحابل وحاطب، وحكمها ماض، ورأيها قاض، وإن خلا من دليلها وفاض...
الدهماء مهد الإشاعة، يصعد بها رهط وينحط آخرون، يعز بها سلطان، وينهار بها بنيان، ويذل بها حق، ويعز بهتان، ويدال بها حكم ولله في خلقه شان، لا يحزنهم إقلال ولا نفاد، ولا يجزعون لقلة زاد، ولا يؤرقهم فزع يوم التناد..