الراصد: وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.
تعاني الإدارة في بلادنا من أزمات بُنيوية مردها جميعا الفشل الذريع في مجال تسيير الموارد البشرية حيث تتسم المسارات الوظيفية لكبار المسيرين الإداريين بالزبونية والعشوائية المطلقة بشكل جعل الوظائف الأساسية العامة للدولة مستباحة لكل من هب ودب ودرج.
ويحضرني في هذا الإطار نموذج من آليات التعيين في الخارجية ينطبق للأمانة على كل الوزارات الأخرى؛
أواسط التسعينات تم تحويل مدرس شاب إلى ولاي آدرار، سرعان ما أعجب المدرس بإحدى طالباته اليافعات التي كانت -للصدفة ربما- تحمل اسما عائليا مميزا بشكل لا تُخطئه أذن موريتاني في تلك الفترة، تقدم لخطبتها فوافق أهلها بعد أن لاحظوا تعلقها به خصوصا أنه كان ينتمي لوسط اجتماعي مقبول بالنسبة لهم، بعد عقد القران مباشرة تم تحويل المدرس بتدخل من عائلة الفتاة كمستشار دبلوماسي بإحدى الدول العربية، وبعد ذلك بحوالي سنتين تم تعيين محمد سالم ولد لكحل رحمه الله كوزير للخارجية في فترة كانت تشهد مظاهرات طلابية شبه يومية أمام كل بعثاتنا الخارجية بسبب تأخر المنح والتلاعب بها من موظفي السفارات، أمر الوزير الجديد بأعداد دراسة عن الموادر البشرية التابعة للوزارة فخلصت تلك الدراسة إلى أن 90 في المأئة من المراكز القيادية بالقطاع يشغلها غُرباء قدموا من قطاعات أخرى لا تمت بصلة للمهنة الدبلوماسية، وربما من الشارع مباشرة، بشكل يخالف قوانين الوظيفة العمومية؛ بعدها مباشرة أمر الوزير برد جميع المُعارين لقطاعاتهم واستبدالهم بموظفين مؤهلين.
كان صاحبنا أول المعنيين بهذا القرار حيث تم إرجاعه كمدرس لوزارته، تدخل أصهاره من جديد لكن الوزير المعروف بالحزم أكد لهم أنه لا توجد استثناءات في تطبيق القانون، طبعا تمت إقالة الوزير بعد فترة وجيزة والتراجع عن قراراته، وحتى لا تتكرر مثل تلك الحادثة عمد صهر المعني إلى استصدار مُقرر (حصلت على نسخة منه) بإنشاء بدعة من الأسلاك تسمى سلك مستشاري الشؤون الثقافية يتم التعيين فيه باقتراح من وزير التعليم على الرغم من أن اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية والنظام الأساسي للأسلاك الدبلوماسية ينصان صراحة على أن التمثيل الثقافي من المهام التقليدية للموظفين الدبلوماسيين.
طبعا كان أول تعيين بناء على هذا المقرر من نصيب الصهر الأثير الذي شغل بعد ذلك مناصب وزارية في عدة حكومات متعاقبة، وطبعا تغيرت عتبة الدار مع تغير النظام.
كانت تلك لمحة قصيرة عن الطريقة التي تُصنع بها المسارات الوظيفية والقوانين الحاكمة لتسيير الموارد البشرية في بلادنا.