الراصد: الصانع التقليدي الموريتاني ومبنى المعرض الوطني قصة نسيان وخذلان مؤلمة ... فأيهما يشتكي للآخر غدر الأيام و ظلم ذوي القربى وضعف ذاكرة حراس التراث وحماة أمجاد الماضي ؟.
الصانع التقليدي ومبنى المعرض الوطني كلاهما كان صرحا شامخا من الابداع والعطاء فهوى .
أما الصانع التقليدي فقد كان جزاؤه جزاء ( سنمار ) الذي تحكي الروايات أنه كان بناء عظيما ،مجيدا ، متقنا ، وهو الذي بنى القصر المشهور باسم ( الخورنق ) للنعمان بن امرىء القيس ، من ملوك الحيرة ، قبل الإسلام ، وقد مكث في بنائه زمنا طويلا ، بحيث يكون أثرا فريدا لا مثيل له ، وفق رغبة صاحب القصر ، وبعد أن أتم عمله كأحسن مايكون ، نظر النعمان إلى القصر ، فكره أن يبنى ما يشبهه لغيره ، ويقال إن سنمار البناء قال للملك : إن هذا البناء الجميل فيه حجر إذا تحرك من مكانه تقوض البناء وتهدم ، وهو بذلك يشير إلى ذكائه ومقدرته ، ولكن الملك أراد دفن السر ، وكره أن يبنى قصر مشابه لأحد سواه ، فصعد مع سنمار إلى قمة القصر ، ثم إنه ألقى سنمار من الأعلى ، فسقط الرجل ميتا ، فكان هذا جزاؤه ، بعد إحسانه و اغانيه في عمله ، فقيل : جزاء سنمار ، في الدلالة على هذا النوع من المجازاة ، والرد على الخير بالشر .
وقد قال أحد الشاعر في ذلك :
جزتنا بنو سعد لحسن فعالنا* *جزاء سنمار وما كان ذا ذنب.
إن ما حصل مع "سنمار" حصل تماما مع الصانع التقليدي الموريتاني الذي لم يعد له اليوم ما يذكر بجميل صنعه وعظيم تضحياته إلا تماثيل بائسة تنقصها الاحترافيه والمسحة الجمالية الضرورية...إنها أشباه تماثيل لا تشكل في الواقع إلا مسخا و تشويها صارخا لنماذج باذخة وخالدة من ابداعات الصانع التقليدي الموريتاني.
أما قصة المعرض الوطني فلا تقل إيلاما عن قصة الصانع المنسي ، فقد كان يوما مزارا ومتنفسا لسكان العاصمة يوم كان مبنى نظيفا نابضا بالحياة تزينه الأشجار والزهور و تملأ جنباته الحيوانات بأنواعها كالأسود والضباع والغزلان والارانب و الطيور المتنوعة ، ثم انتهى به الحال مكبا للنفايات و بقايا وأطلال مبان متهدمة يسكنها الصمت و تجوبها الكلاب السائبة !!.
وهناك بين زوايا تلك الاطلال المهدمة وجد بعض ممتهني الصناعة التقليدية ، ممن لاحولهم ولاقوة ، عزاءهم في المعرض الذي يبدو أنه يشاطرهم ذات الاحزان وخيبات الأمل و النسيان و الخلاذن ... فهل من لفتة كريمة ويد حانية تنفض غبار النسيان عن الصانع التقليدي والمعرض الوطني ..فهل من مجيب ؟؟.
21⟨وصلى الله على نبي العدل والرحمة⟩20