الراصد : أحسن القصص كما قال الله تعالى هي قصة يوسف ؛ الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ولا مجال للمقارنة بين مَن هذه صفاته وبين أهل زمانه أحرى زماننا لكن ؛ قال جل من قائل : لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ؛ ومن العبر العامة المستخلصة من هذه القصة العظيمة أن الله خاذل الظالم لا محالة في جميع محطاته وفاضح كيده ولو أجتمع معه أهل الأرض كلهم جميعا ؛ ثم إنه ناصر لا محالة المظلوم ولو تخلى عنه أهل الأرض عامة ؛ ولإن غلب باطل الظالم حق المظلوم فيما يبدو للناس لِقوّته وتحكُّمه ومكره فالله لا يخفى عليه ولا يعجزه شيء ؛ ومهما بلغ الظلم فهو مؤقت والدولة تستقيم على الكفر لكنها لا تستقيم على الظلم كما قال ابن خلدون ، والدوائر دائرة عليه عاجلا أم آجلا ؛ ومهما بلغ المظلوم من عجز وهوان على الناس فالله ناصره ولو بعد حين ؛ فالقصة بدأت برؤيا رآها سيدنا يوسف عليه السلام وتحققت بعد أن رماه إخوته في غيابات الجب ثم بيع مملوكا وقذفته التي هو في بيتها في عرضه ؛ ثم لبث في السجن بضع سنين ؛ كل ذلك من تقدير الله وتدبيره ؛ وبلُطفه ومنّه ؛ وبعد مكر الرجال وكيد النساء وتسلط الأعداء ؛ لم ينصره ويمكِّن له فحسب ، بل أظهر كل شيء على حقيقته : فندم الرجال واعترفوا بخطئهم وطلبوا الصفح منه والاستغفار لهم من أبيهم ، والنساء ذوات المنصب والجاه والمال والجمال يعترفن على رؤوس الأشهاد بما يستحيي منه أفجر الرجال ؛ ونطق صبي في المهد وشهد القميصان : الأول لم يُقدّ لا من قبل ولا من دبر لِيشهد والأخير قُدّ من دبر لا من قبل لِيشهد !! والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون !