أكدت حكومة الجزائر اليوم الأربعاء، وفاة عبد القادر بن صالح، رئيس الدولة السابق المؤقت ويلقب احيانا”حكيم البلاد”، الذي قاد البلاد في أصعب مرحلة سياسية لها، خلفا لعبد العزيز بوتفليقة الذي أطاحت به انتفاضة شعبية اندلعت في 22 فبراير 2019.
ورحل بن صالح، عن عمر ناهز 80 سنة بعد صراع مع المرض، بعد أيام من رحيل بوتفليقة في 18 سبتمبرالجاري.
ومطلع أبريل2019، تولى بن صالح رئاسة الدولة مؤقتا، بعد استقالة بوتفليقة تحت ضغط حراك شعبي لقي دعما من قيادة الجيش.
وتولي بن صالح رئاسة الدولة مؤقتا تطبيقا للمادة 102 من الدستور باعتباره رئيس مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان).
وتنص هذه المادة على أن رئيس مجلس الأمة يتولى الرئاسة مؤقتا لمدة 90 يوما، يتم خلالها تنظيم انتخابات رئاسية لا يترشح فيها.
وسلم بن صالح مهام الرئاسة للرئيس الجديد عبد المجيد تبون في 19 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بعد فوزه في اقتراع رئاسي جرى في الـ12 من الشهر نفسه.
وكان مقررا أن يعود بن صالح بعد تسليم المهام لتبون، إلى رئاسة مجلس “الأمة”، الذي كان يرأسه منذ 2002، وهو ما يجعله الرجل الثاني في الدولة.
لكن الرئاسة أعلنت بعدها أن بن صالح قرر الاستقالة من منصبه والانسحاب من الحياة السياسية، فيما قالت مصادر إن حالته الصحية تدهورت.
** قيادة أصعب مرحلة
ووجد بن صالح نفسه بحكم منصبه السابق على رأس الدولة في أصعب مرحلة سياسية بعد تنحي بوتفليقة عن الحكم في أبريل 2019.
وواجه الرجل في تلك المرحلة وضعا سياسيا معقدا دام 8 أشهر بين أبريل وديسمبر 2019، كانت ميزته شارعا هائجا يطالب برحيل كل رموز النظام وسلطة تحاول عبور المرحلة بأقل تكلفة سياسية.
ويعرف عن بن صالح أنه رجل هادئ وكتوم، لا يحب الظهور الإعلامي.
إذ لم يسبق له الظهور في مؤتمر صحفي لدى توليه قيادة الدولة أو مجلس الأمة أو حزب “التجمع الوطني الديمقراطي” (مشارك في الائتلاف الحاكم/ يمين وسط)؛ إذ لا يتواصل إلا عبر خطابات رسمية وبيانات مكتوبة.
وخلال قيادته للدولة كان يظهر فقط لإلقاء خطابات للشعب في مناسبات رسمية أو لإعلان قرارات سياسية.
وفي خطاب تسلمه السلطة في 19 ديسمبر 2019، قال الرئيس تبون إنه يوجه شكرا خاصا لبن صالح على تحمله مسؤولية قيادة الدولة في ظرف دقيق من تاريخ الأمة، منوها “بما أظهره من حكمة ورصانة في قيادة البلاد”.
وبحسب تبون، ساهمت خبرة بن صالح في “عمل سياسي منسجم مع قيادة الجيش خلال المرحلة الانتقالية، وكانت جسر عبور آمن نحو غد أفضل”.
ومقابل ذلك، كان معارضون ونشطاء حراك الجزائر يقولون إن الرجل لا يملك كاريزما سياسية، وكان يؤدي دورا دستوريا كواجهة للنظام آنذاك من أجل عبور المرحلة الانتقالية التي كانت قيادة الجيش الرقم الأهم فيها.
** البداية من مهنة الصحافة
يعد بن صالح من أقدم وجوه النظام الجزائري؛ حيث تولى رئاسة البرلمان عام 1997؛ أي قبل وصول بوتفليقة إلى الحكم في 1999.
واستهل حياته العملية منتصف الستينيات من القرن الماضي، في المجال الصحفي ليصبح مديرا لجريدة “الشعب” الحكومية، ومراسلا لجريدتي “المجاهد الأسبوعي” و”الجمهورية” الحكوميتين.
ثم بدأ حياته السياسية عام 1977، عندما انتخب نائبا برلمانيا عن ولاية تلمسان (غرب) لـ3 فترات متتالية.
وغادر الرجل العمل البرلماني منتقلا إلى السلك الدبلوماسي، عندما عُيّن عام 1989 سفيرا لبلاده لدى السعودية، ثم ناطقا باسم الخارجية في 1993.
قبل أن يعود مجددا لامتهان العمل النيابي؛ حيث ترأس المجلس الانتقالي (برلمان أزمة التسعينيات) عام 1994.
ولاحقا، أسس الراحل، رفقة ساسة آخرين، حزب “التجمع الوطني الديمقراطي”، وتولى رئاسته عام 1997.
تدرج بن صالح في المسؤوليات إلى أن وصل لمنصب الرجل الثالث في الدولة، عندما انتخب رئيسا لـ”المجلس الشعبي الوطني” في الفترة من 1997 إلى 2002.
** 18 سنة إلى جانب بوتفليقة
في 2001، اشتد الخلاف بين بوتفليقة ورئيس مجلس الأمة آنذاك، بشير بومعزة، وعُزل الأخير من منصبه، ليخلفه بن صالح، صيف 2002.
ومنذ ذلك التاريخ، شغل بن صالح منصب الرجل الثاني في الدولة، ولم تتزعزع ثقة رئيس البلاد في شخصه، رغم أن انتخابات التجديد النصفي للغرفة الثانية للبرلمان تتم كل 3 سنوات.
وعقب إصابة بوتفليقة بجلطة دماغية عام 2013، بات بن صالح الممثل الشخصي لبوتفليقة في المحافل الإقليمية والدولية، وبالأخص في دورات جامعة الدول العربية.
وعرف بن صالح بخطاباته الممجدة لإنجازات بوتفليقة وبرنامجه، واشتهر في السنوات الأخيرة بإطلاقه وصف “الأصوات الناعقة”، على معارضي بوتفليقة والمشككين في نزاهة الانتخابات الرئاسية لسنة 2014.
وبعد ظهور أحداث “الربيع العربي” عام 2011، عيّن بوتفليقة رئيس مجلس الأمة بن صالح، على رأس هيئة المشاورات الوطنية، تمهيدا لإصلاحات سياسية واقتصادية.
ورفع رئيس هيئة المشاورات تقريرا شاملا، عقب لقاءات مع رؤساء أحزاب وفعاليات المجتمع المدني وشخصيات وطنية، تمت بلورته في جملة من القوانين صدرت عام 2012.
** “رجل إنقاذ”
عندما دخل حزب “التجمع الوطني الديمقراطي” في أزمة عاصفة عام 2012، انتهت باستقالة أمينه العام الحالي أحمد أويحيى، تم استدعاء بن صالح لتولي رئاسة الحزب بالنيابة.
ثم انتخب في مؤتمر استثنائي للحزب عام 2013، أمينا عاما له، قبل أن يقدم استقالته في 2015، مفسحا المجال أمام عودة أويحيى.
وبحسب تقارير صحفية جزائرية، أوعز بوتفليقة لبن صالح بتولي قيادة “التجمع الوطني الديمقراطي”؛ لتفادي انكسار الحزب وتوحيد صفوفه، إذ يعتبر ثاني أقوى الأحزاب الموالية للسلطة بعد “جبهة التحرير الوطني”.