الراصد: خلال السنة الدراسية ٨..٢-٩..٢، وأنا في مكتب رئيس جامعة نواكشوط، تم إشعاري بأن شخصية إدارية ودبلوماسية معروفة تريد لقائي ؛ لبيت الطلب على الفور لاعتبارين رئيسيين: ماضي الرجل كموظف عمومي وسنه المتقدمة.
ما هي إلا ساعة تقريبا حتى أُخبرت بمقدم ضيفي، وقفت قرب باب المكتب حيث استقبلته بأكبر حفاوة ممكنة وأشرت إليه بمكان جلوس يدل على التقدير والاحترام، وجلست بجانبه. بعد التحايا المطولة عادة في ثقافتنا والتي أطلتها عن قصد احتفاء بالزائر المميز، شرح لي هذا الأخير بأنه تقاعد من مهمة خارجية وأن ابنه قدم معه لأسباب قاهرة وأنه يود تسجيله في تخصص معين قريب من مجال دراسته في الخارج، ثم سلمني ملف الطالب. تصفحت الملف باهتمام ورددت عليه بأن نظام "ل.م.د" الجديد يعطي صلاحيات واسعة للعمداء المنتخبين على حساب رئيس الجامعة، إلا أنه نظرا للمسوغات المقنعة التي شرح لي، فإنني أتعهد له بتحويل الملف إلى العميد المعني مع الاتصال به لشرح أحقية صاحبه (القانونية) الواضحة والمستعجلة في التسجيل.
حاولت أن لا أقاطع الرجل وأن أتفاعل إيجابيا مع مواضيع حديثه اللاحقة ؛ بعد فترة، هم بالمغادرة، فوقفت لتوديعه كما استقبلته. بمجرد أن استوى واقفا، قال لي لهجيا وهو يبتسم : "لدي ملاحظة أفضل أن أبديها لك الآن، بدلا من أن تكتشفها لاحقا...". ظننت أنني قصرت في الاستماع إليه، فطلبت منه الجلوس مجددا، إلا أنه استطرد وهو واقف :" خير، الولد باكالورياه مزورة...". كان وقع هذه الكلمة الأخير علي كالصاعقة ؛ ورغم محاولتي إخفاء صدمتي، عجزت عن إيجاد كلمات مناسبة لتوديع ضيف تدحرج مستوى اعتباري له فجأة ليلامس الصفر أو يغوص تحته... أعتقد أنه لاحظ ذلك، لأن عبارة محياه تغيرت ادراميا. بمجرد إغلاق الباب خلفه، أخذت الملف المذكور بين يدي وضغطته ضغطا ورميت به في سلة المهملات، ثم اتصلت هاتفيا بالكاتبة لآمرها بأن لا تقبل منه أي اتصال بي في المستقبل...
(يتواصل إن شاء الله)