الراصد : كثير من الأطفال في أفريقيا مجبرين على العمل في عدة قطاعات، في البيوت وفي المزارع وكذلك في الدعارة، حيث يتم اغتصاب طفولتهم. غالبيتهم في سن التعليم الابتدائي. وحظر عملهم وحده لا يكفي للقضاء على هذه الظاهرة.
ففي بلادنا موريتانيا تقول بعض التقارير الصادرة عن بعض الهيئات الحقوقية و منظمات المجتمع المدني إن نسبة عمالة الأطفال ما زالت مرتفعة، رغم القوانين التي صدرت لمنع عمل الأطفال.
كما أفادت بعض التقارير أن الأطفال المحتاجين بموريتانيا ما زالوا يعانون بوجه خاص من مشاكل النفاذ للخدمات الاجتماعية الأساسية كالتعليم والصحة، ومن الاستغلال في الأعمال الشاقة والخطرة، ومن التنقل وانعدام الرعاية والإقصاء الاجتماعي.
وأوضحت عديد التقارير أن أكثر من ربع أطفال موريتانيا يعملون في مختلف القطاعات، خاصة في الوسط الريفي، و أن "أزيد من ربع الأطفال (26%) بين سن 15 و17 سنة يعملون، وأن نسبة الأطفال بين سن 12 و14 المشاركين في عمل تصل إلى 22%".
كما افادت بعض التقارير أن استغلال البنات خاصة أكثر في العمل المنزلي، مؤكداً أن مستوى تعلم الأم حاسم في توجه الأطفال إلى العمالة.
التقارير كذلك و رغم شح الارقام و الحقائق في موريتانيا و التستر و التعتيم لظروف اجتماعية و الخوف من الفضائح... شحيحة في المجال خاصة من الناحية الرسمية، بحيث لا تزال المنظومة القانونية ناقصة و تحتاج الى دراسات و الى اعادة تأهيل القائمين قضائيا عليها... ...
اما في بعض الدول المجاورة و دول الساحل تحديدا فالامر اشد غرابة ، تقول احدى البنات من مالي تدعى فطومة انها كانت في الثانية عشرة من عمرها عندما غادرت قريتها في مالي للبحث عن عمل ما في المدينة. وبالنسبة إلى والديها لم يكن التعليم ذو أولوية وعوض ذلك كانت البنت مجبرة على القيام باكرا للعمل كخادمة بيت لدى عائلة وتحضير الفطور ومرافقة الأطفال إلى المدرسة. وهذه مهام يقوم بها عادة أم أو والد، لكن هنا ينفذها طفل. "منذ أربع سنوات أقوم بهذا العمل. في مختلف العائلات التي اشتغلت عندها كان يوجد ما يكفي من الأكل ولم أحصل على مكان جيد للنوم، أرباب العمل كانوا يهينونني"، تقول فطومة البالغة من العمر 16 عاما. "ومن أجل تلقي راتبي في حدود 15 يورو، وجب علي تحمل آلام العالم. وأحيانا كنت أعود خاوية الوفاض إلى والدي في القرية".
وفطومة ليست حالة استثنائية. ففي جميع أنحاء العالم يكون الأطفال مجبرين على القيام بأعمال إلزامية أو خطيرة تهدد صحتهم وأمنهم وتطورهم الأخلاقي. ففي افريقيا جنوبي الصحراء بات عدد الأطفال المجبرين على العمل أعلى من أي مكان آخر في العالم، إذ أن خمس مجموع الأطفال الأفارقة معنيون بهذه الظاهرة. وأكثر من نصفهم مازالوا دون الحادية عشرة في العمر، ما يجعل أطفال افريقيا من أصغر العمال في العالم.
عمل إجباري والدعارة ومناجم الذهب
وعمل الأطفال له عدة أوجه. ويشمل ذلك أعمالا خطيرة ومستنزفة أو صعبة جسديا"، كما تشرح نينجا شاربونو من هيئة الأمم المتحدة لإغاثة الأطفال. "العمل الإجباري والدعارة والعمل في مناجم الذهب هي فقط بعض الأمثلة". وغالبية الأطفال في افريقيا تعمل في الزراعة وتربية الماشية، فحوالي ثمانية ملايين طفل يعملون مثل فطومة في قطاع الخدمات وحوالي ثلاثة ملايين في الصناعة. وفي الغالب يبقى عمل الأطفال بدون مقابل مادي، والغالبية تعمل في شركات صغيرة في ملكية عائلات.
"والضرر الذي يتحمله الأطفال من هذه الأعمال كبير وهو يعني قتل طفولتهم"، تقول شاربونو. "الأطفال لا يمكنهم النمو بشكل عادي وبدون صعوبات، كما ينص على ذلك حقهم. وهذا يقود في الغالب إلى أن لا يذهبوا إلى المدرسة. وبهذا تتجذر هذه الدوامة الشيطانية". لأنه بدون تعليم مدرسي لا يحصل الأطفال على أعمال جيدة. "ومن ثم لهم فرص ضئيلة للخروج من دائرة الفقر، وهذا يتعاقب على أجيال".
السن الأدنى للعمل
على غرار فطومة يغادر آلاف البنات الصغيرات أوطانهم في مالي للذهاب إلى المدن الكبرى. وهذا ما يقوله ديالو أسيتان فوفانا، رئيس نادي دعم وحماية حقوق العمل للنساء والأطفال في مالي: "إنهن عاملات مهاجرات تعملن في بيوت المدن الكبرى لمساعدة آبائهن في القرى وضمان قوتهن. والكثير منهن دون سن الرشد ولم يلتحقن بالمدرسة أو غادرناها". وتنص منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة على سن أدنى للعمل في حدود 15 عاما. لكن هذا التشريع الدولي قلما يتم تنفيذه ضمن قوانين وطنية، وبالتالي لا يتم اعتماد هذه الحماية في السن الأدنى للعمل في بوتسوانا واريتريا وكينيا ونيجيريا أو أوغندا.
و يبدو أن الشلل يصيب كفاح افريقيا ضد عمل الأطفال. وتفيد إحصائيات منظمة اليونيسيف أن عدد الحالات من 2012 إلى 2016 ارتفع رغم الإجراءات المعتمدة من قبل الحكومات الإفريقية. "الكثير من العوامل تلعب هنا دورا"، تقول شاربونو " لكن لاسيما النمو المتعثر اقتصاديا في كثير من بلدان افريقيا جنوبي الصحراء. وعامل آخر يتمثل في النزاعات. وفي بلدان النزاعات نلاحظ أن عدد الأطفال الذين يجب عليهم العمل يزداد". أكان ذلك في مالي والصومال أو السودان: فالفقر المتزايد يجبر الأطفال على تقديم المساعدة وضمان قوت العائلة. "العائلات تتعرض للتهجير ولم تعد تتوفر على دخل عادي أو أن رب العائلة تعرض للقتل أو تم فصله عن باقي العائلة".
التعليم وظروف عمل عادلة
الأمم المتحدة التزمت حتى عام 2025 بالقضاء على عمل الأطفال. "لكن واضح أننا حاليا لا نتوفر على السرعة المطلوبة"، كما تقول شاربونو. والقيام بتعديلات قانونية لا يكفي: "حظر عمل الأطفال بصفة عامة لا يكفي. فإذا كانت العائلة تعول على ذلك الدخل ولا تتوفر على شيء آخر، فإننا ربما لم نقدم خدمة لتلك العائلة". وعوض ذلك وجب تغيير الوسط العام وظروف العمل. وتذكر شاربونو أربع خطوات:" الأولى تتمثل في إيجاد تشريعات فعالة لحظر عمل الأطفال في شكله الأصعب وتنفيذ هذا الحظر". وثانيا وجب تحسين الظروف أمام العائلات:" مثلا مع ضمان تأمين اجتماعي في حال تعرض كلا الأبوين للبطالة. والآباء في حاجة إلى إمكانيات عمل عادلة وأجر مقبول حتى لا يكون الأطفال مجبرين على العمل". وبالنسبة إلى الأطفال يجب ضمان عروض تعليم بالمجان وذات جودة حتى يبقوا في حضن المدرسة.
وثالثا يرتبط الأمر بتغيير في الفكر الاجتماعي:" يجب لفت الانتباه إلى ان عمل الأطفال ما يزال يشكل إشكالية وأنه مضر بنمو الأطفال. ورابعا وجب على الشركات أن تقدم مساهمة كبيرة وهامة أكثر من أي وقت مضى".
خطوات صغيرة على المستوى الوطني
لكن يوجد أيضا تقدم، كما تقول أريان غينتون التي تعمل لدى منظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة (الفاو) كمندوبة برامج لعمل الأطفال في الزراعة. "مزيد من الحكومات والقطاعات في الزراعة يتخذون تدابير لمعالجة مشكلة عمل الأطفال في الزراعة. لكنها مشكلة معقدة لا يمكن حلها بإجراءات متفرقة أو من جانب دولة واحدة. فهذا يحتاج إلى جهود منسقة لمحاربة عمل الأطفال".
وعلى كل حال فإن بعض البلدان مثل ساحل العاج ومالي ورواندا عملت على تقوية الحماية القانونية للأطفال وبعض الحكومات أنشأت لجانا أو مجموعات عمل. ومالي رفعت السن الأدنى للعمل إلى 15 عاما ووسعت قائمة المهن الخطيرة بالنسبة إلى الأطفال.
وكالات