شفى الله الشاعر الرمز أحمدو ولد عبد القادر…. اللهم اشف عبدك أحمدو أنت الشافي، شفاء لا يغادر سقما
مهما فعل المنتبذ القصي فلن يفي الشاعر الرمز أحمدو ولد عبد القادر حقه..
كان أحمدو من المرابطين على هذا الثغر النائي القصي مدافعا عن هويته مبرزا لها في المحافل الدولية.
إنه شاعر بحجم أمة وأبعاد وطن.
حين هزمت مصر ثلاثي الشر في العدوان الثلاثي كتب الشاب الثائر أحمدو ولد عبد القادر معبرا عن شعور موريتانيا:
يا بني مصر يا سموم الأعادي :: يا رحيقا لقومهم وسلاما
هاهنا حيث تنتهي أرض قومي :: بشطوط المحيط كنت غلاما
يحرق الدمع مقلتي حماسا :: إذ نصرتم على العدو وخاما
أي معنى ترونه خلف هذا الــدمع والدمع يستهل جماما
كتب النصر للزعيم وشعب :: يعشق المجد لا يهاب الحماما
آه لو أحضر الصراع فأحيا :: لحظات بها الفؤاد استهاما
فأرى النصر كالقلاع وكالنور وكالحق يصرع الأصناما
يوم عادت لأمتي ذكريات الــعز تاجا لفخرها ووساما
حين يمم الشعراء البوابة الشرقية كان أحمدو صوت شنقيط القادم إلى موكب النور في مهرجان الشباب العربي في بغداد 1977:
موكب النور هل ترى من بعيد :: وجه مشتاقك الحزين العنيد
أنا طيف وخاطري عربي :: لم يصافحك بعد موت الجدود
أنا شنقيط هل سمعت بوحي :: من رمالي أو درة من عقودي ؟
جئتك اليوم زائرا شعوري :: باقة الفخر والوفا للعهودي
عندما عربد النخيل فؤادي:: وأنبرى خاطري وثار قصيدي
أيه بغداد أين منا زمان :: كنت فيه وكان عهد الرشيد ؟
وحين أعلن رسميا عن إنشاء حركة فتح في فاتح يناير 1965 كان أحمدو أحد المرحبين بإنشئها كتتويج لكفاح الشعب الفلسطيني:
في الجماهير تَكمُن المعجزاتُ :: ومن الظلمِ تُولدُ الحرياتُ
ومن الليل سابحا في الدياجي :: مدلهِمًا تحفه الظلماتُ
يَنبُع الفجرُ مشرقا في الأعالي :: تتهادى بدربه النسماتُ
ومنَ العَسف في فلسطين قامت :: ثورةُ الفتح يفتديها الأباةُ
مكثت في النُّفوسِ عشرينَ عاماً :: تتعاطى لهيبَها الكلماتُ
ثمَ أضحت على صعيد الليالي :: ضرباتٍِ تشدُها ضرباتُ
ورصاصًاً يجولُ ضرباً وقصفاً :: وتلاشى النحيبُ والزفراتُ
(ديرَ ياسين) مانسيناَ دمانا :: في رُباناَ تدوسهاَ النَّظَراتُ
(ديرَ ياسين) مانسيناَ عظاما :: نسفتها الرياحُ والهبواتُ
جرحتْنا مخالبُ الدهرِ يوْماً :: وتلاقي على رباناَ الغزاةَ
واعتمدْناَ على سوانا زماناً :: ولهتناَ الدُّموعُ والحَسراتُ
غَيرَ أنّا قد انتفضنا وثرنا :: ثورةً لا تردها الفتكاتُ
حلفَ الدهرُ أن تسيرَ بنصر :: واعتزازٍ حتى يزولَ الطغاةُ
نحن شعبٌ قد صلبته المآسي :: صهرتْهُ الآلام والنكباتُ
نسكنُ النار لانبالي لظاها :: زادُنا العزْمُ والإبَا والثباتُ
نتلقَّى الشهيد عزاً ونصراً :: والضَّحاياَ توديعهُمْ حفلاتُ
ونُغني للموتِ بلْ ونراهُ :: في سبيل الحياة هي الحياةُ
ونغني حتى الجـراح تغنى :: في الجماهير تكمن المعجزاتُ
وقد استشهد القائد أبوعمار ياسر عرفات في أحد خطاباته بالبيت مطلع القصيدة:
في الجماهير تَكمُن المعجزاتُ :: ومن الظلمِ تُولدُ الحرياتُ
ساند أحمدو الحرية وانتصار كفاح الشعوب ضد المستعمر، ومن أبرزها ثورة فيتنام:
من بين أضرحة الجبال السود
يمضغها اللهيب
من أضلع الغابات يحرقها اللظى
حرقاً وينفثها هباء أسودا
ومن السهول الخضر تسلخ أرضها
نار الحروب
تشوي سنابلها القنابل والمدافع
طلعت على الدنيا من الشرق البعيد
شمس الصباح وغرة اليوم الجديد
وهاجة الأنوار تعبث بالجليد
وتذيب أنياب الحديد
وتحرك الآمال في أمم العبيد
طلعت من الفيتنام
رمز بطولة المستضعفين…
ساند أحمدو قضايا المظلومين فناهض الرق واستغلال العمال وعبر عن الاحتجاج على القهر والفساد، وحث على الثورة ضد الظلم، ومن هذه القصائد قصيدة “نشيد العمال”:
ضحايا الشقا يا ضحايا الفساد
يعم الفساد جميع البلاد
نهوضاً لنكسر قيد اللصوص
نهوضاً لنمحو حكم الفساد
ونقضي على البغي والعابثين
فماذا نقول وماذا نريد
نريد الحياة بلا ظالمين
تعبنا سئمنا صرعنا الرمال
نبشنا المعادن عبر الجبال
عملنا الكثير صنعنا المحال
وكل الجهود وكل الثمار
تعود مكاسب للمترفين
في مهرجان المتنبي في بغداد ألقي أحمدو ممثل شنقيط قصيدته “أمير الخالدين”:
رحلت مع الفجر صوب الشروق
أسافر بالشوق وردا وجمرا
فيا للحنين:
زنابق حب
تنير الوجود
وحرقة بينٍ تهزّ الجماد
تغذي البراكين نخبا عتيقا
من الركض
غطاه ذيل الزمان
رحلت وعندي من الذكريات
لشنقيط باقات ود صميم
تعيش مع القلب
تنبض دوما
بعرف الوفاء
معي قبضة من تراب المحيط
تلألأ ماسا
وعرجون نخل
قديم لوته رياح السموم
وزحف الرمال
وكنت أشذب منه اليراع
أشعشع بالماء فحم السيال
وصمغ القتاد
وحبات قرظ جناه الرعاة
فأسقى المحابر نور الحياة
يراعي تعلم سحر الوجود
وحبري وفيٌّ لعهد الجدود
وها أنتِ بغداد نبع الضياء
على الدرب ألقاك
تغنين للكون لحنا فريدا
روته الحضارات قبل الحضارة
نالت القصيدة استحسان الشاعر نزار قباني ذات لقاء بينه وبين أحمدو في مكتبه على شارع الحمراء في بيروت.
من أعظم الاتحادات التى شهدها المنتبذ القصي كان رابطة الأدباء والفنانين الموريتانيين التي تأسست سنة 1969 وضمت الأدباء الكبار والفنانين العظام مثل أحمدو ولد عبد القادر وسيداتي ولد آبّ وأضرابهما، وكتب لها غِبّ إنشائها الشاعر أحمدو قصيدته “صوت الفن” كتبها واصفا الواقع الذي يعيشه القلم والناي وخيالهما المجنح الذي يحلّق متماهيا في عالم الأحلام طامحاً لتحقيق المستحيلات وسلاحهما الشعر والترانيم لإعادة رسم الوجود بشكل أجمل إذ لا معنى له دونهما، فهما الكفيلان بإعادة رسمه وهما من ينفي عنه بشاعته:
بين خفق الرؤى وذوب الخيال:: واقتحام المنى عيون المحال
والأغاني المجنحات سكارى :: سابحات في موكب الآمال
نهض الناي واليراع وقالا :: كلمات بيض الحروف صقال:
هل لهذا الوجود معنى إذا لم :: يتفهم هويتي ومجالي؟
وأناشيد مزهري تتغذى :: من صدى أنتي وفرحة بالي؟
كنت حلما معللا بالأماني :: همسات تجوب درب الكلال
تارة أبصر الحياة وأخرى :: ألبس الصمت في ضمير الليالي
وأنا اليوم صرخة تركب الريـح جوادا تعلو متون الجبال
وأنا اليوم مشعل عبقري :: يزرع النور في جبين الزوال
وأنا اليوم فتية صاحبو الفـن ونالوا من وحيه كل غال
ورحيق الجمال بين يديهم :: مشرب للنفوس صافي الزلال
يتعاطون برده وشذاه :: في كؤوس ظلالها كالآلي
نحتوها من كوكب قمري :: في سماء الفنون صعب المنال
يتجلى في الشعر جدول سحر:: ضفتاه من روعة وجلال
قزحي الأنفاس يحمل فيضا:: أبديا يهتز كالشلال
وتراه رسما يصاغ ونقشا:: نمنمته يد البها والكمال
مثل مايبدع السحاب إذا ما:: عانق الأرض بعد قطع الوصال
بالندى والغصون هونا وحلي الورود والضيا والظلال
هللي مورتان ماذاك إلا :: ومضة من سراجك المتلالي
هللي يا بلاد مانحن إلا:: قطرة من معينك السلسال
وأبشري صفقي لوثبة نبع :: ظل يسقي مواكب الأجيال
حاول الغرب حبسه ذات يوم:: عن مجاريه عبر هذي الرمال
وانبرى يمضغ السدود ويجري:: لايبالي بشأنها لا يبالي
وتسامى أصالة وشموخا :: في رحاب الخلود ثرَّ نوال
نهضة ترفع المعارف جسرا:: ذهبيا يرقى بها للمعالي
فكرها عزمها من الجمود وضرب لنوايا المستعمر المحتال
فتعالي أقلامنا نسبر العصر ودنيا الألوان دنيا المقال
ريشة الفن بلسم وسلاح :: ودليل يضيئ وعي الرجال
إنها عالم الحقائق يحيا ::بين خفق الرؤى وذوب الخيال
وحين غزت إسرائيل لبنان 1982 واجتاحت دبابات شارون بيروت ورحلت كتائب فتح إلى تونس ، كتب أحمدو:
عرج بلبنان واذر الدمع منسجمــا:: وابك الهموم ولا تستنهض الهمما
لو ينفع الأهل شكوى الأهل مارحلت :: كتائب الفتح تحدو الموج ملتطما
مهاجرون بأسياف مهاجـرة :: تحكي القلوب مضاء والدماء دما
وترقص الراية العصماء طافيــــة :: فوق النجوم فلا ترضى بها شمما
تسَّاجد الموج إجلالا لروعتهـــــــا :: وانزاح رهوا وحيا الجند والعلما
يا بحر كم رسمت أطياف ثورتـــــنا :: في حاجبيك فذقت العز والألما
وكم أناشيد من نار الفدى غمــرت :: في بطنك الدر والتاريخ فابتسما
الشمس تنظر جيش النور مرتحلا :: وعصبة الليل تغشى الدار والحرما
إن القـرون ليالينا نعد بـها :: دين الحقوق ونستقضى الذى ظلما
ولن يظل طليقا من مصائدنا ::لوكل قطر غدى لبنان مضطرما
وحين زار الشاعر العربي الفلسطيني الراحل محمود درويش المنتبذ القصي سنة 1992، رحب به أحمدو وقدم “بطاقة تعريف” به
عرفناه في نسمة السحر الحالم لحنا شجيا
تلاقى مع الفجر في ظل زيتونة مباركة
عرفناه رعدا يلعلع في مطر الدم..
حلو التقاسيم والحمائم ثكلى
تطارحه دندنات الحنين
عرفناه في الحقل زهرة حب
من اللوتس المتبقي على إثر عاصفة
أدارت مرور غير الكرام على جسم تاريخنا
كذلك بعض الرياحين ترفض الاقتلاع
وقد يسقط الدوح منهزما مع الريح
ليهنأك أن انتفاضتنا اليوم جمر
ومن قبله حجر كان من قبله الشعر
أي المجرات تنكر وجهك
وقد ألفتك والشمسَ صنوين في فلك الشمم الحق
أيها الراسف في وحل الغربة
انتفض دائما
في نشوة كأس العذاب
انتفض دائما
مع الشعر والحجر الثائر فالجمر فالانتصار
انتفض دائما
مرحبا.مرحبا. مرحبا
كان أحمدو صوت الأصالة وصوت المعاصرة وما قصيدته “السقين” إلا تعبير عن ذلك الصراع وجدلية الثابت والمتحول:
“رحلنا كما كان آباؤنا يرحلون..
وها نحن نبحر، كما كان أجدادنا يبحرون..
تقول لنا: ضاربة الرمل:
واعجبا..
سفينتكم رفعت كل المراسي مبحرة،
ألا تشعرون؟
قالت: سأصدع بالحق،
“حلفكم” سفين. يغالبه ثبج كالهلام
تراميتم فوق ألواحه
قبائل شتى.. إني رأيت خياماً من الصوف
تطوى بأطنابها وأوتادها مكدسة
داخل القمرة المشحونة من كل لون
ومن كل جنس وقالت
رأيت رؤوسا من المعز تقضم أخشاب
بعض العوارض وتلحس صارية صدئت
ومالت على نفسها ومال الشراع.
وقالت
رأيت عجائز طالت أظافرهن
يرتلن شعر “البوصيري”
شوقا إلى الحج
ويحملن بعض المصاحف
ملفوفة معها زجاجات عطر من السند
وأخرى تحتوي سائلا لصبغ الشفاه.
وقالت
رأيت رجالا يشربون الأتاي
في العنبر الواسع يتضاحكون ملء حناجرهم
ولا زاد عندهم غير حقائب من علف الإبل”.
ملأ أحمدو الفراغ في المكتبة الأدبية فكتب القصة والرواية فكان رائد فن السرد برواياته “الأسماء المتغيرة” ، و”القبر المجهول” ، و”العيون الشاخصة”.
ولولا جهود أحمدو لضاع الكثير من التراث، فقد جاب مناطق المنتبذ القصي خلال عمله باحثا في مجال الآثار والمخطوطات في المعهد الموريتاني للبحث العلمي بين عامي 1975 و1985.
فأشرف مع البروفيسور عبد الودود ولد الشيخ ومجموعة من الباحثين الوطنيين والفرنسيين واللألمان على إنشاء مكتبة مخطوطة كبيرة ومكتبة مصورة على الميكروفيلم والميكروفيش. ومجموعة من فهارس المخطوطات، إضافة إلى مكتبة من مراجع مطبوعة.
واستطاعوا انتشال مخطوطات جمعت وحفظت في بيئة بدوية وصحراء مفتوحة لا ترحم المخطوطات؛ وأكثر هذه المخطوطات لملاك خصوصيين لا يتوفرون على وسائل مادية لحفظ هذه المخطوطات.
في هذه المكتبات نوادر من المخطوطات لا توجد في غيرها من مكتبات العالم، ويقدر عددها بأكثر من 40 ألف مخطوط موزعة بين 700 مكتبة عمومية وخصوصية بين مختلف القرى والمدن والأرياف الموريتانية.
كما استطاعوا إنجاز الكثير من البحوث الأثرية في بداية الثمانينيات من القرن الماضي وعن مناطق متفرقة من الوطن – أوداكوست، كومبي صالح، آزوكي..
وتنقل بين مدن الوطن وألمانيا وبيروت حيث المعهد الألماني للأبحاث الشرقية هو مركز أبحاث يركز على دراسة تاريخ ولغات الشرق، يقع المركز في بيروت وهو تابع لمؤسسة ماكس فيبر.
ومما يحكى أن الأديب الكبير أحمدو ولد عبد القادر سافر مرة إلى تمبدغه في مهمة تدخل في اطار عمله و جاء الى صديقه الشيخ محمد الأمين وفي سمر أدبي بإحدى الليالي تطارح الشيخ محمد الامين وأحمدو حول الأدب، فقال الشيخ محمد لمين لأحمدو ممازحا:
إن من مآخذي على (اغْنَ) أهل الگبله، أن قائله لا يصرّح بما في نفسه، ولذلك لا يفهم المتلقّي القصد من وراء رسالته إلا بجهد وكد.
فرد عليه أحمدو قائلا:
وأنا كذلك مأخذي على (اغْنَ) أهل الشرگ أنه يصرّح بكل شيء، ولا يمنح المتلقّي فرصة لتأويل المعنى، أو قراءة ما بين ‘‘السطور”
فرد عليه الشيخ محمد الأمين
اتركك من الدعوى، ولنحتكم إلى النصوص ..
سأروي لك أجمل كاف بالنسبة لي من (اغن) أهل منطقتنا
ولترو أنت بدورك أجمل نص من منطقتك..
فقال له أحمدو: لك ذلك، ولتكن أنت أول من يلقي.
فقال الشيخ محمد الأمين: أجمل كاف بالنسبة لي:
يَهْلْ اسْويْدْ الْمَاهْ الْحِلَّه :: نَاصِحْكُمْ، وَصْلِي نِبْغِيكْمْ
عَنْ فِيكُمْ هُونَاتِ طِفْلَه :: لَا كِبْـرِتْ فِـيكُـمْ تِخْلِيـكُمْ
فقال أحمدو أما أنا، فأجمل نص بالنسبة لي هو:
نَعْـرَفْ مَـرَّه كَـطَّـيْـتْ :: اعْـلَ جَـمْـلِـي شَـدَّيْـــتْ
گـيَّـمْـتْ ابْـتَـاسِـدْبِـيـتْ :: مِنْ كِيفْ الشَّمْسْ اجْبَـاتْ
مِنْ عَنْـدْ انْـوَيْشْ ؤُجَيْتْ :: الْـمَـغْــرِبْ لِامْـبَـمْـبَاتْ
فقال له الشيخ محمد الأمين ..
وخلاص ؟
فأجابه أحمدو ..
وخلاص.
مما يميز الشاعر الرمز أحمدو، جمال الإلقاء وهي ميزة لا تتوفر لكثير من شعراء المنتبذ القصي، وكان لي صديق تعجبه حكاية أحمدو للشعر وكان يقول لي كم أطربني أحمدو وهو يقرأ:
ومنَ العَسف في فلسطين قامت :: ثورةُ الفتح يفتديها الأباةُ
كم هي جميلة تلك “الفاء” عنده!!
قلت له تلك فاء (إدابلحسن) وهي الفاء الفصيحة
قال لي: كيف ذاك
قلت: يروى أن العلامة الحسن بن زين الگناني كان يدرس على العلامة عبد الودود بن عبد الله بن انچبنان الأشفغ حيبلي، وكان الحسن صاحب ذكاء وجد، فكان عبد الودود يحبه ويقدمه على غيره من الطلاب.
قال الحسن رحمه الله: وذات مرة سافر عبد الودود، فخرجت إلى شيخه بُلاّ الشقروي، فأتيته من الليل فإذا صوته من بعيد وهو يردد قول ابن مالك رحمه الله:
وبعدَ فَا جَوابِ نَفْيٍ أوْ طَلَبْ :: مَحْضَيْنِ أنْ وسَتْرُها حَتْمٌ نَصَبْ
قال فسمعته يقول: وبعد فا، مخففة..
تنهول الحسن من نطقه لها وطرب أيما طرب، لنطقه الفصيح للفاء، وكان الناس يسمونها “فاء إدابلحسن” لأنهم ينطقونها مخففة، وذلك هو نطق الفاء الفصيح..
قال الإمام الأكبر بداه إن لمرابط محمد سالم ولد عدود: “فتًى ما شئته”
وكذلك الشاعر الرمز أحمدو حفظه الله يصلح لكل شيئ كما يقول طلاب المحظرة للفتى النابه إنه مثل “نا” في قول ابن مالك:
لِلرَّفْعِ وَالنَّصبِ وَجَرٍّ (نَا) صَلَحْ :: كَاعْرِفْ بِنَا فَإنَّنَا نِلْنَا الْمِنَحْ
فأحمدو شاعر فحل مهيب وأحمدو رجل بدوي يعرف دقائق الصحراء يعرف ناسها وحيواناتها وأشجارها رملها وماءها وسماءها.
أحمدو رجل مدني زار معظم دول العالم لقي نزارا على شارع الحمراء واستضافه أدونيس بضيعته في لبنان ولقي بشارة الخوري شيخا فانيا في بيروت.
أحمدو سياسي وشاعر وناثر وكاتب مقال وصحفي متميز.
بداية تسعينيات القرن الماضي نظمت اليونسكو بالتعاون مع وزارة الثقافة الموريتانية ندوة بعنوان “صورة الغربي في المخيال الشعبي”.
قبل ذلك زار المتبذ القصي الأمين العام لمنظمة اليونسكو فيديريكو مايور، وهو رجل لاتيني، واللاتين كما يقال إنهم عرب في أصولهم القديمة.
وفيديريكو مايور إسباني يحب العرب والثقافة الإسلامية وما فتتئ يفخر بالتاريخ العربي الإسلامي في شبه جزيرة إيبيريا، ويؤكد أن تعدد الثقافات وتباينها لا يمنع النهضة، فإسبانيا لم تشهد نهضة كالتي شهدتها تحت ظل حكم المسلمين كما يقول.
وقد دامت زيارة مايور للمنتبذ القصي أياما ألقى خلالها محاضرة قيمة.
وحين قام الدكتور محمد سالم إديدبي بترجمة كتاب السياسة أو (الإشارة إلى أدب الإمارة) للإمام أبي بكر المرادي الحضرمي، إلى الفرنسية صدرت الترجمة مع تقديم من “فيديريكو مايور”.
كما أسلفنا بداية تسعينيات القرن الماضي نظمت اليونسكو بالتعاون مع وزارة الثقافة في المنتبذ القصي، ندوة بعنوان “صورة الغربي في المخيال الشعبي”
نظمت الندوة في دار الثقافة وطبعت المناشير والملصقات، وكانت حدثا نوعيا حضره عدد من المفكرين الغربيين من علماء النفس والاجتماع وعلماء الأنثروبولوجيا وأساتذة الفلسفة في عدة جامعات غربية، وتعاقب على المنصة عدد من أساتذة ومفكري المنتبذ القصي ليحدثوا الغربيين عن صورة الغربي في المخيال الشعبي في المنتبذ.
كان دكاترة و أساتذة المنتبذ يتثاقفون على أولئك الغربيين، وتحدث البعض عن نظريات إميل دوركايم وكارل ماركس ورالف لنتون وكلوكهون كلايد، وتحدث البعض عن ابن خلدون والجابري وحنفي.
وكان الغربيون ينصتون لكنهم كانوا يعون أن ما يسمعونه هو بضاعتهم ردت إليهم.
اعتلى المنصة الأديب الشاعر أحمدو ولد عبد القادر فتكلم بلغة بسيطة عن صلب الموضوع وهو عنوان الندوة: (الغربي في المخيال الشعبي)، قال:
حين جاء الغربيون أحدثوا صدمة لدى أهل البلد هي نتاج اللقاء والاحتكاك الأول فهم من حيث البشرة وزرقة العيون خلق لم يره الناس من قبل فظنوه (يأجوج ومأجوج) حتى إنهم خرقوا مسلمة كانت في المخيال عين المستحيل ومضرب المثل في الكذب وهي تسيير القوارب على الرمل “تمشيّت لگوارب فالبِرْ”،
فإذا هم ايمشّو لگوارب في البر من خلال سيارات تمخر الرمل لم يدر الناس هل هي شياطين أم عفاريت من الجن تضيء عيونها وتنطفي وكانوا إذا وقفت تجمعوا عليها وربما جاءها بعضهم بالعلف والماء حتى إذا هدرت محركاتها فرنقعوا عنها. كانت تلك مرحلة الانبهار لكن الانبهار عندما يشتد يولد التحدي وهنا يقول ولد عبد القادر تولد التحدي الذي نجد له في المخيال الشعبي قصة الطبيب ولد أوفي مع النصراني الطبيب، حين دخلا في تحدٍ قاتل، فقد سقى النصراني ولد أوفي سما ناقعا فشرب ولد أوفى السم وذبح ثورا ودخل في جلده الساحن فتصفد جسده عرقا فلم يضره السم وسط دهشة النصراني.
ثم جاء دور النصراني فأعطاه ولد أوفي بعض السنام المذاب “لودك” ثم سقاه ماء باردا فجمد الودك في بطنه (فگيّم لعياطْ) حين أوشك على الهلاك فسقاه كأسا ساخنا من الماسخة فتنفس الصعداء وأعطى القوس لأوفى.
نالت المحاضرة استحسان الغربيين فهذا ما كانوا يريدون.
ونختم هذا الاستشفاء بهذه المديحية المباركة للشاعر الرمز أحمدو:
أطل ربيع ...
"X ould XY"