الطبقية

خميس, 16/04/2020 - 19:06

الراصد : في موريتانيا توجد ثلاث طبقات:

1) المترفون

المترفون هم الذين أنعم الله عليهم في الحياة الدنيا ولسنا هنا بصدد مناقشة أصول أموالهم طبعا، مع العلم أن أغلب الأسلاف كانوا فقراء ووصلوا مشارف 1960 وهم لا يلبسون السروايل تحت دراريعهم لكنهم كانوا يتمتعون بشيء من التعفف رغم أن ثقافة المال العام نشأت مع ظهور المخزن، وربما ارتباط المال العام بالمخزن الذي أورثه الاستعمار موارد الدولة جعل المال العام غنائم من وجهة نظر كثير من الموريتانيين، حتى أنه أيام كانت الدولة تتحمل فواتير الماء والكهرباء عن الموظفين؛ تجد الحنفية مفتوحة في التراب والمصابيح مضاءة في النهار داخل قصور كبار الموظفين وبنزين سيارات الدولة يراق في مشاوير مربية الأطفال! وعندما تسألهم لم هذا التبذير والأسراف بحق المال العام؟ يقال لك وببرودة أعصاب؛ بأن الفواتير تسدد من طرف ميزانية الدولة!

ينقسم المترفون لثلاثة أقسام:

- المترفون الباردون: وأغلبهم خالطوا تأسيس موريتانيا وخرجوا من المدارس الفرنسية، ليسوا أصحاب أموال متنامية الموارد والاستثمارات، لكن لديهم تعليم جيد ويسكنون غالبا في أكناف القصر الرئاسي وتفرغ زينة من دون، ليسوا مبذرين ولا حتى من أهل التباهي، لديهم أناقة إيطالية، ومنازلهم بها الكثير من الأشجار والأزهار والقليل من الضيوف. وتقف أمامها سيارات ليست بتلك الفخامة. لا يحبون الأضواء، وتعاطيهم مع السياسة بارد خاصة القادمون منهم من خارج المشيخات القبلية، هذا إن لم يكن غائبا. أولادهم يشتغلون غالبا في القطاعات المحاسبية والمنظمات الدولية أو وظائف حكومية مهمة لكنها ليست أمام الواجهة. خدمهم دائما أجانب، ويقضون عطلهم غالبا في تونس والريف الفرنسي ونادرا ما يذهبون إلى البادية. تتسم حياتهم بالكثير من النظام والرتابة، لا يعارضون ولا يتكلمون، وأولادهم عندما ينشطون في السياسية ونادرا ما يفعلون ذلك؛ يعارضون باستحياء ويتشقلبون نحو النظام بهدوء واحترام. يمثلون نسبة قليلة جدا من مترفي البلاد، بل إن بعضهم تراجع إلى الطبقة الوسطى وإن بقي يقطن في منزله القديم في الأحياء الراقية صامدا أمام زحف البروجوازيات الجديدة والمتوحشة.

- المترفون المتوحشون: وهم طبقة يتقاسمها موظفو الدولة السامون ورجال الأعمال وأصحاب الحضور المتافيزيقي بهرم المجتمع والسماسرة والصاعدون بطموح أكاديمي أو سياسي إلى أعماق الدولة والمزورون، وهؤلاء كالأسهم في حالة صعود وهبوط مستمر دائما، ويزدادون ويتناقصون مع كل رأس نظام جديد. يمتاز المترفون المتوحشون بالبذخ والتباهي والتبرعات والسيارات الفارهة والتطاول في البنيان والجشع. كما يستطيع الواحد منهم أن يبتلع مشروعا كاملا دون الشعور بتأنيب القلب والمعدة والضمير، أولادهم ينجحون غالبا في التعينات، وأغلب عطلهم يقضونها في المغرب وأوروبا وتحبل زوجاتهم غالبا في المستشفيات الغربية. محسنون ويعتمرون باستمرار وينشطون في السياسة بنفس طويل جدا، وإذا قضوا عطلهم في البوادي يقتلون الأرانب ويدمرون البيئة. قبليون جدا وينشرون الوساطة أينما حلوا أو ارتحلوا. معظمهم كانوا فقراء أو قادمون من بيئة متوسطة النعم. معظم أمجادهم شيدوها من المال العام وهيبة السلطة وصلابة الوجوه، وهم من يتقاسمون مفاصل الدولة مع المترفين الباردين ممن بقي منهم متمسكا بخيوط اللعبة داخل أعماق الدولة. يتركون أبواب منازلهم مفتوحة غالبا ليدخل منها من يقتاتون على ألسنتهم وأقلامهم ليجلسوا على عتباتها.  

- المترفون العصاميون: وهم يتكونون غالبا ممن جمعوا ثروتهم في المهجر، أو من تفوقوا في دراستهم وحولوا معارفهم التي حصدوها لمشاريع طموحة أو نالوا وظائف كبيرة لدى الشركات الأجنبية، أو الذين مارسوا التجارة بالتدرج البطيئ جدا. وهؤلاء عندما يكبر طموحهم الاقتصادي في دولة الشفافية فيها محاطة بالشبهات؛ يمارسون السياسة اقترابا من الصفقات، أو يزورون تجارتهم اقترابا من الأرباح السريعة. عندئذ؛ يتماهون في طبقة المترفين المتوحشين ويصبحون منهم ويفقدون بريق عصاميتهم وذلك النور الذي كان يشع من جيوبهم...

2) الطبقة الوسطى: هي طبقة تتآكل منذ عدة سنوات وتشكل نسبة قليلة جدا من سكان البلاد، ومن المواطنين الذين يراوح دخلهم الشهري 350 الف أوقية قديمة، وهي تحتضر.

3) الفقراء: وهم السواد الأعظم من سكان البلاد، وليست هناك جدوى من التذكير بصفاتهم، فهم يوجدون في كل مكان. ولكن يمكن تقسيمهم إلى ثلاثة أقسام:

- فقراء ما وراء الوظيفة العمومية: وهم العمال الذين يعملون بداخل القطاع الخاص ولا يتمتعون بأي حقوق، يقضون أعمارهم بلا عطل وامتيازات وشبح الفصل يخيم عليهم. إضافة إلى عمال اليومية؛ ممن لا يملكون رؤوس الأموال ولا يجدون متنفسا في المصاريف ليدخروا، إضافة لصغار المزارعين الذين لا يملكون الأراضي، والرعاة. وهؤلاء يشكلون الأغلبية الساحقة من فقراء البلاد...

- فقراء الوظيفة العمومية: ويضمون غالبا المعلمين والأساتذة والممرضين والجنود والضباط والأطباء العامون. وأغلبهم يعيش على الأمل، وأحيانا مع الكدح الجانبي النبيل لبعضهم؛ تتوسع جيوبهم قليلا، وأحيانا يقفز بعضهم على الاستقامة والإخلاص في العمل فتتحسن أوضاعهم تحت الطاولة..

- فقراء لا يملكون شيئا: وهم الذين لا سند لهم، مهمشون قبل الاستقلال وبعده، وجاءوا من أقصى الحياة وسكنوا في المدن وتسرب أطفالهم مبكرا من المدارس. وهم ضحايا الغبن...

خلاصة القول؛ أن الفساد هو سبب ما نحن فيه من تردي جميع الخدمات وما لم يحارب بشكل جدي ستظل أقدام الوطن بنفس المكان. وغبار الفساد قليلون من سلموا منه للأسف، حتى جل من يتشدقون بالقيم والمبادئ، أغلبهم يناقضها وراء الكواليس للأسف. وهذه هي مشكلتنا العويصة؛ غياب الصدق والوضوح والجرأة في الاعتراف بالأخطاء وإصلاحها.

تنبيه: الحديث عن المترفين لا يدخل في نطاق الحسد، كما أن الحديث عن الفقراء لا يدخل في نطاق التمسكن. لكن اكتظاظ الوطن بالفقراء والخدمات الرديئة دليل على أن هناك من قام بتحريف الموارد عن وجهاتها، وهؤلاء هم المفسدون.

هنا توجنين. الساعة 00:20 وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.      

خالد الفاضل