صدق بيرام و كذب المرجفون

جمعة, 20/03/2020 - 18:37

الراصد : صدق السيد بيرام وكذب المرجفون ، فموريتانيا يصرخ واقعها وحال مجتمعها منذ استقلالها - وخاصة في ظل الأنظمة العسكرية التي تحكمها حتى اليوم - بأنها دولة آبارتيد ، ومهما رسم حبر العاطفة الشرائحية على هذا الواقع من زهور ورش عليه من عطور وحط عليه من مساحيق ، فشروق الشمس اليومي عليه يزيل عنه كل المساحيق ويذبل زهوره ويفيح رائحته النتنة ، وأشعار أبناء الطبقة المخملية ومؤتمرات المتملقين الصحفية عن دولتهم الفاضلة ومجتمعهم الفاضل و .... يدمغها الواقع وينسفها بمجرد نظرة خاطفة للحظات فقط على أبسط جزء من عادات المجتمع أو من آلية حكم ونظام تسيير الدولة .  
1 - الشجرة الخبيثة لا تثمر طيبا ، وولد بوحبيني مثله مثل كل المسؤولين ( وزراء ومدراء للمؤسسات العمومية وأمناء و .. ) ثمرة خبيثة لنظام عسكري خبيث ولم أنتظر يوما أن يكون " مؤمن آل فرعون " .
 أمر الرجل أن يعقد مؤتمرا صحفيا على عجل يرسل من خلاله للرأي العام الوطني رسالة مفادها أن البلد لا عبودية فيه ولا تمييز ، فتحدث بالفرنسية وكان خطابه موجها حسب قوله للمنظمات الحقوقية الدولية فقول ما قال بالحسانية لإنارة الرأي العام الوطني سيكون مضيعة للوقت ومحاولة لإقناع العامة بأن السماء ليست زرقاء وهم يرونها رأي العين ، قام الرجل بما يمليه عليه العرف السياسي بالبلد وهو يعلم بأن تلك المنظمات ليست مصابة بعمى الألوان وعلى علم بأن محكمة مدينة النعمة ومحكمة مدينة انواذيبو حكمتا مؤخرا بالسجن والغرامة المالية على ممارسين للعبودية ، وهم على علم بالنفوذ القبلي لأسرة أهل حننا بباسكنو الذي راحت قضية الفتاة غاية ميگا ضحية له ، وهم على علم بما يجري في أعماق الريف الموريتاني من سلب لإرادة ضعاف من لحراطين تقطعت بهم السبل والوسائل مع غياب هيبة الدولة ولقوانينها وصاروا تحت رحمة أسيادهم في مفازة من الأرض يملون عليهم أقوالهم كما أفعالهم ويحاربون أية محاولة للنظر في حالات العبودية في مناطقهم التي هم أسيادها والقانون فيها قانونهم والرأي رأيهم .
ومع هذا تظن يا صاحب " حقوق الإنسان " بأن هذه المنظمات ستسمع منك ، أنا أقول لك بأنها ستشفق عليك وعلى حالك وأنت تررد كببغاء ما أملي عليك مما يكذبه الواقع.
بالبلد عبودية ومخلفات عبودية وعنصرية ضد من هم في المربع الأول وضد من هم في المربع الثاني .
تلكم الحقيقة الأولى .
2 - تعرف الآبارتيد بأنها ثقافة سياسية ودينية منتشرة - بمجتمع ما - ترتكز على نظريات عرقية تتبناها الدولة ومؤسستها الدينية، وتشكل تبريرا نظريا وأخلاقيا لنظام فصل عنصري .
والفصل العنصري يأخذ أوجها وآليات حسب المكان والزمان فقد يكون مقوننا كما كان في جنوب افريقيا أو عرفيا تدعمه سياسات الدولة بشتى الوسائل كما هو في موريتانيا، وقد يكون التمييز على أساس اللون أو العرق أو الدين والأمثلة كثيرة في هذا المقام قديما وحديثا .
نعم ، في موريتانيا عبودية وعنصرية وتمييز على أساس اللون والعرق منذ دخلت التاريخ كبلاد " السيبه " وصار التمييز عرفا من أعراف مجتمع البيظان الذي حكم البلاد منذ استقلالها حتى اليوم ، شريحة كانت نتيجة حكمها للبلد على مدى 6 عقود ما يتخبط البلد فيه اليوم من فقر وظلم وغبن وتخلف وديون و" سيبه " فساد ولصوصية وفشل في كل المجالات والقطاعات ،  فكل مآسي الوطن والمواطن كانت ومازالت بسبب وبفعل " نخبة " البيظان التي احتكرت تسيير البلد ومقدراته منذ إستقلاله حتى اليوم ، وهي الوحيدة المسؤولة عن وضع البلد المزري حاليا وما قد يترتب عليه .

كل رؤساء البلد كانوا بيظان ومن بين عشرات رؤساء الوزراء كان حرطاني واحد ، واليوم رئيس البلد بيظاني ، رئيس الوزراء بيظاني ، رئيس البرلمان بيظاني ، رئيس المحكمة العليا بيظاني ، رئيس المجلس الأعلى للقضاء بيظاني ( غزواني ) ، القضاة بيظان ، وزير الدفاع بيظاني والأغلبية من الوزراء بيظان ، مدير الأمن بيظاني ، الجنرالات بيظان ، الولاة والحكام وقادة المناطق العسكرية وقادة الأركان بيظان ، السفراء بيظان ، مدير الوكالة الموريتانية للأنباء بيظاني وكذلك مدير التلفزة الوطنية ومدير الإذاعة بيظان ، رجال الأعمال بيظان ، البنوك للبيظان ، رئيس اتحاد أرباب العمل بيظاني ، مدراء المؤسسات العمومية من اسنيم لأصغرها بيظان ، أمناء الوزارات بيظان ، رؤساء الجامعات بيظان ، مدير ميناء انواكشوط بيظاني ، رئيس الوطنية لحقوق الإنسان بيظاني ، مفوض حقوق الإنسان بيظاني ، مدير وكالة تآزر بيظاني وحتى أنه عين على صندوق مكافحة مخلفات الرق بيظاني ، .....
نعم ستجد هنا أو هناك حالة تشذ عن القاعدة العامة،  جنرالا حرطاني أو وزيرا أو موظفا ساميا حرطاني ولكن الكل يدرك ويقر بأن ذلك مجرد ديكور وتجميل للوحة وحيدة اللون .
يرى البعض بأن الغبن والظلم بالبلد يشمل البيظان أيضا ، فهل يعلم هؤلاء بأنه في ظل نظام لابارتيد بجنوب إفريقيا كانت هناك أسر من البيض تقطن ما يشبه " الزريبه " في ضواحي بعض المدن وفي الأرياف ويعاني أفرادها من البطالة والجوع والأمراض ونفس الشيء نجده بأمريكا في العشرينيات والثلاثينيات وصولا للستينيات التي كانت فيها حركة الحقوق المدنية ، نحن نتكلم هنا عن سياسة إقصاء متعمدة ومطبقة على شريحة بسبب لونها أو خلفيتها العرقية ولا نتحدث عن حالة فقر وسوء خدمات للمواطن ، ويبقى للبيظاني طوق نجاة من سوء الخدمات العامة أو من ظلم أو غبن يتمثل في التكافل " القبلي " الذي يضمن له في النهاية الحصول على حقه أو ما تقاعست الدولة عن توفيره له كدراسة ( منحة ) أو علاج أو حتى توظيف ، فالدولة في النهاية قائمة منذ استقلالها على مبدأ المحاصصة " القبلية " ولكل قبيلة وزيرها أو موظفها السامي الذي يمثلها ومصالحها في كعكة الدولة ، أما الحرطاني فليس له هكذا طوق نجاة من فقر أو من غيره .
تبخيس وتهوين معاناة لحراطين بوجود أسر من البيظان فقيرة أو تبرير العنصرية الممارسة ضدهم بأنه " حتى في أمريكا توجد عنصرية " لا يستقيم .
لحراطين لم يكن لهم حظ يوما في وطنهم والدولة مختطفة من شريحة واحدة ( البيظان ) منذ استقلالها حتى اليوم ، تلك الحقيقة الثانية .
3 - تكفير أو تسفيه من يقول بأن المجتمع البيظاني لم يستخدم الفقه الإسلامي ( الشريعة ) طوال قرون لتبرير العبودية أمر لا يستقيم هو الآخر ويناقض الواقع ، فهل تم استعباد البشر في موريتانيا على أساس قوانين وضعية مثلا ؟ 
لم يستعبد رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أسير في غزواته من بدر لحنين ، ولا خليفته الصديق في حروب الردة ولا الفاروق ولا حتى علي في حربه مع الخوارج ( عليهم رضوان الله جميعا ) وقد جاء الإسلام ليغير أمورا مشينة كثيرة وكان نهجه التدرج في تغييرها لتجذرها في المجتمع ونالت عنده قضية العبودية الإهتمام الذي تستحق ففتح 14 بابا للتخلص منها ( من كفارة اليمين لأوجه صرف الصدقات ) فمن أين جاء " فقه النخاسة " الذي فتح الأبواب لاستعباد الإنسان لأخيه بدل غلقها ؟ ظهر هذا الفقه مع ضعف الخلافة وتلسط السلاطين وأمراء الحروب الذين اعتبروا تجارة الرقيق أكثر ربحية وصاروا يغزون ويختطفون للحصول على ثروة من تجارة الرقيق وتنافس السلاطين وأمراء الحروب في هذا الجرم ووجدوا - بطبيعة الحال - في بلاطهم من " علماء " الدين من يقر أفعالهم بل ويزينها لهم ويأصلها ويلوي عنق النصوص الدينية في سبيل ذلك ، وعلى نهجهم وسننهم سار أهل المنتبذ القصي ، وحتى أن العبودية ظلت بالبلد في ظل الدولة " الحديثة " حتى الثمانينيات لتكون موريتانيا آخر دولة تلغي الرق ولم تجرم ممارسته إلا قبل سنوات تحت ضغط حركة إيرا والمجتمع الدولي .
لم يعد يتاجر بالبشر في سوق للنخاسة علنا فلا القانون الدولي يسمح بذلك ولاالقوانين المحلية ، ولكن السواد الأعظم من شريحة البيظان مازال يعتبر عبيد الأمس أقل درجة وقيمة منه وينظر إليهم بدونية ويجسد ذلك في حرمانهم من حقوقهم كمواطنين في فرص الولوج لعدة مناصب في الدولة ويغبنهم في الإستفادة من خيرات البلد وفي تسييرها ، هذه الحقيقة الثالثة .
4 - السيد بيرام لا يتحدث عن عبودية مكون السونينكي !
غير صحيح البتة ، وقد عاشت أروقة المحاكم قبل شهر تقريبا ( مباشرة قبل مغادرته للبلد ) أحداث ملف الأسرة المستعبدة في السونينكي والتي أثارت ضجة على هذا الفضاء حينما أمر القاضي بسجن المتظلم وترك الظالم ، وهناك ملف أراضي استطاعت الحركة الإنتصار فيه وانتزاع الأرض لملاكها الأصليين من عبيد السونينكي ، وهناك الحظر الذي مورس على السيد بيرام من دخول أو زيارة سيلبابي للإطلاع على أحوال الشرائح المهمشة في مكون السونينكي وتم إلقاء القبض عليه من طرف الدرك مباشرة بعد وصوله للمدينة بعد شكاية قدمها أسياد المكون ضده لدى الوالي والحاكم ، فتمت مرافقته بأفراد من الدرك حتى انواكشوط ، ولم يستطع التمكن من زيارة المدينة إلا وهو مرشح رئاسي ، هذا أولا .
ثانيا ، من يقارن التمييز الطبقي في مكون السونينكي مع العبودية التي مورست على شريحة لحراطين ومازالت حتى اليوم في الأرياف ،كمن يقارن العنصرية بأمريكا التي وصل اوباما للرئاسة رغما عنها مع عنصرية أهل لخيام ، التي تكبح تغيير المجتمع وتقدم البلد عبر دولة مدنية لا قبلية يسود فيها العدل والمساواة .
بالأمس نشر الناشط في حراك محال تغيير الدستور الرفيق محمد ولد الدحان صورا له مع السيد بيرام فعلق مئات الأشخاص تعاليق كلها بذاءة وسب وقدح وحتى أن بعضهم وصفه بالكافر والمرتد ، وإن دل ذلك على أمر فهو أنه هناك غالبية ساحقة من البيظان تعاني من " العنصرية الدفينة " التي يدعي صاحبها براءته من العنصرية ثم لا يستطع كبحها في ردات فعله فتطفو على لسانه أو عبر حبره ، وما حدث من تفاعل منذ أول أمس مع تصريحات السيد بيرام يفضح كم المجتمع البيظاني عنصري وكم هو عاجز عن مواكبة ركب الأمم مقيدا الدولة معه حيث هو باق في القرون الوسطى  ، والأغرب عندي في شطط التفاعل هذا هو ما خطه ولد محم !!! 
صحيح أن الرجل معروف ب " متن لوجه " إلا أن حديثه في الوطنية والدين والأخلاق مستفز حقيقة ! 
أما وليد جنبلاط الموريتاني المدعو جميل منصور فأتفهم قفزه على الأمر والمشهد السياسي قد خلا لحزب جماعته بعد أن لفظ الشعب زعماء المعارضة التقليدية وأحزابهم في الإنتخابات الرئاسية الأخيرة وصار الرئيس بيرام منافسا قويا لهم وشوكة في طريقهم وقد هزمهم ومرشحهم رغم إمكانياتهم المادية والإعلامية و .....
الأغلبية الساحقة من البيظان يعترف بكل ما سبق ولو ضمنيا ، ولكن شيطان الحسد والكبر يوسوس له كلما حقق السيد بيرام نصرا داخليا في انتخابات أو في المحافل الدولية ، فيقول له : الرجل يقول الصدق وقضيته نبيلة وعادلة ولكن كان أولى بهذا النصر وحمل هذه القضية وتوليها بيظاني " وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ " صدق الله العظيم .
 تلكم الحقيقة الرابعة .

نحن في حركة إيرا نتمسك بأسلوب نضال رئيسنا الذي جلب الإهتمام لقضية العبودية والعنصرية دوليا ومحليا بعدما عجز كل من سبقوه في تحقيق ذلك ، كما ندعمه في حقه  الكامل في تسمية الأشياء بمسمياتها ، ولدينا إيمان راسخ متين بأن موريتانيا لن تصير دولة على غرار دول العالم وتلتحق بركب دول الجوار ( حتى لا نبتعد كثيرا في المقارنة ) ما لم يتغير مجتمعها في عاداته ومعاملة شرائحه بعضها لبعض من ناحية ومع الدولة ومفهومها من ناحية أخرى  .
لن تتغير موريتانيا للأفضل بتغير الرؤساء بل بتغير المجتمع ، والرئيس بيرام هو السياسي الوحيد في البلد الذي لديه مشروع إصلاح المجتمع لإصلاح الممارسة السياسية ومن ثم دولة مدنية فعدالة فمساواة فأمن للبلد .

حقائق يقبلها من شاء ويرفضها من شاء ..... ولكنها تدور .

من صفحة المدون / hacen abbe