الراصد : من الصعوبة بمكان ان يصل رئيس عربي الى السلطة عبر إنقلاب عسكري، على ظهر دبابة ثم يسلمها لمن يخلفه بانتخابات حرة يستثني منها نفسه، تكريسا للممارسة الديمقراطية والتأسيس لاحترام الدستور، والتداول السلمي على السلطة، هذا النموذج الفريد في افريقيا والعالم جسده الرئيس الموريتاني المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز الذي استطاع ان ينتشل البلد الذي يواجه تحديات اقتصادية وامنية من الحسابات السياسية لدول الجوار والتدخل الاجنبي السافر في القرار السيادي خاصة فرنسا والعبث بالنسيج الاجتماعي والمكونات العرقية وخلق اوراق ضغط داخله لتهديد النظام القائم وابتزازه، وهي الورقة التي لعبت بها الرباط لسنوات عديدة باذكاء الصراع بين الزنوج والمكونات الاخرى للمجتمع الموريتاني عبر اذرعها المخابراتية بالسنغال، بل محاولة خلق معارضة للنظام القائم وإيواء المعارضين، ومحاولة التحكم في وسائل الاعلام باحتكار الاستثمار في شركات الاتصال العاملة بموريتانيا واستغلال ذلك في خلق لوبي اعلامي يخدم الاجندة المغربية، وهو ما تفطن له الرئيس ولد عبد العزيز سريعا وقام بطرد مدير مكتب وكالة الانباء المغربية واذرعها الاعلامية التي حولت البلد الى حلبة صراع بين ارادة البناء واستقلالية القرار السياسي والمجندين باملاءات الرباط وخدمة الاجندات الخارجية، الى جانب قراره الشجاع في قطع العلاقات نهائيا مع الكيان الصهيوني.
لقد استطاع الجنرال محمد ولد عبد العزيز ان يحارب الفساد بنسب عالية، ما ساهم في النهوض بقطاعات شتى، والوقوف ميدانيا على مختلف مناطق موريتانيا والنزول الى الواقع المعيشي للمواطنين والتعهد بحل مشاكل الماء وتعبيد الطرق وبناء المرافق التعليمية والصحية وتحقيق الامن وتقوية المؤسسات الامنية.كما ركز على تقوية المؤسسة العسكرية بالتكوين والتسليح، باعتبارها الضامن للاستقرار والحفاظ على المكتسبات من التحولات العشوائية المدعومة من الخارج وتحصين البلد من العواصف التي عبثت بامن واستقرار دول عربية عديدة، وواجه بحزم وقوة وبتنسيق محكم مع دول الجوار خاصة الجمهورية الصحراوية والجزائر ومالي خطر الارهاب والتطرق وتدفق المخدرات والجريمة العابرة للحدود، وبالرغم من المساحة الشاسعة لموريتانيا والحدود الكبيرة مع عدة دول في منطقة ملتهبة، إلا ان موريتانيا استطاعت في عهده التغلب على التهديدات الامنية والمخاطر المحدقة التي كادت ان تحول موريتانيا الى دولة فاشلة في عهد سلفه.وعلى الصعيد الخارجي ساهم الرئيس ولد عبد العزيز على تحسين صورة موريتانيا خارجيا وأثبت قدرتها على استضافة اول قمة عربية كانت ناجحة بامتياز واخرى للاتحاد الافريقي ونسج علاقات شراكة مع الاتحاد الاوروبي وامريكا في مجال مكافحة الارهاب والهجرة غير الشرعية وغيرها من ميادين التعاون.وعلى المستوى الاقليمي استعادة موريتانيا مكانتها وقرارها السياسي بشكل جعلها تتعامل مع دول الجوار بندية ومعاملة بالمثل واعطى ولد عبد العزيز للحيادة الايجابي في قضية الصحراء الغربية جوهره باخذ نفس المسافة مع الجمهورية الصحراوية والمملكة المغربية، حيث عملت موريتانيا على التعامل مع البلدين العضوين في الاتحاد الافريقي والمعترف بهما من قبل موريتانيا على قدم المساواة، وفي اول اختبار لذلك رفضت موريتانيا دعوة المغرب إلى فتح قنصلية لنواقشوط في مدينة الداخلة المحتلة بسبب تناقض ذلك مع الوضع القانوني للاقليم المحتل.
كما امتنعت عن تعيين سفير لها بالرباط لمدة خمس سنوات لاسباب مرتبطة بالمس من سيادة موريتانيا والعبث باستقرارها السياسي، بعدما تحولت البعثات الدبلوماسية المغربية في موريتانيا الى مراكز مخابراتية تعبث بامن البلد. وفي حين استقبلت موريتانيا الرئيس الصحراوي مرتين خلال حكم ولد عبد العزيز الاولى للمشاركة في اشغال القمة الـ31 للاتحاد الافريقي والتي وجد في انتظاره بالمطار الرئيس الموريتاني والثانية لحضور تنصيب الرئيس الجديد، لم يلتق الرئيس الموريتاني السابق مع ملك المغرب طيلة العشر سنوات من حكمه رغم تلقى دعوة لزيارة الرباط وتزامن حضور الرجلين في قمم وملتقيات دولية، في رد ضمني على النظرة الدونية التي ظلت الرباط تنظر بها الى موريتانية وقيادتها السياسية فاسحا المجال امام التعامل بندية مع دول الجوار والمنطقة.وفي عهده تأسست لجنة برلمانية للصداقة مع الشعب الصحراوي بمشاركة الحزب الحاكم الى جانب المعارضة واستقبال رئيس البرلمان الموريتاني لرئيس لجنة الصداقة الصحراوية الموريتانية بالبرلمان الصحراوي فضلا عن استقبال الرئيس الموريتاني لمسؤولين صحراويين ومبعوثين شخصيين للرئيس الصحراوي وتبادل رسائل التهانيء في المناسبات الوطنية للبلدين.وفي الاخير يبقى القول بأن التاريخ سيسجل للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بانه مهندس الديمقراطية بموريتانيا وصانع الحياد الايجابي في قضية الصحراء الغربية.بقلم: حمة المهدي
المصدر موقع الضمير