حدثني أحد أفراد الجالية الموريتانية في واشنطون أن ولد الغزواني رد على من طلب منه استنساخ التجربة الرواندية الرائدة في التنمية بأن قال له “اعطني شعباً مثل الشعب الرواندي”.. و قد صدمني هذا الرد الذي لا يدل على أن الرجل يحترم شعبه، فوحدهم الرؤساء الموريتانيون يدلون بتصريحات تنتقص شعوبهم، ثم لا تنتطح في الأمر شاتان
يقولون إن المرأة تشتم نفسها حين تقول لزوجها و قد اقتنى لها ثوباً لم يعجبها “أنت عديم الذوق”.. و هكذا فإن الرئيس الذي يدعّي أنه منتحب من طرف شعب يصمِه بعدم الوعي إنما يثلب نفسه، لأنه خيار شعب لا وعي له و لا روّية.
ثم يبدو من هذا الرد الغريب أن ولد الغزواني ليس قارئا جيداً للتاريخ.. و التاريخ هو ما ينصح السياسيون و القادة عادة بقراءته.
الشعب الرواندي شعب كان مضرب المثل في التخلف، فقد ضربت قبائله التوتسي و الهوتو في حربهم الأهلية التي استمرت ثلاث سنوات أسوأ نموذج للتناحر و التجريم بالدم، أربى ضحاياها على مليون قتيل، حتى أصبحت همجيتها و قسوتها مادة أفلام أمريكية كثيرة، على غرار Beasts Of No Nation.
لعل ولد الغزواني لم يقرأ الكتاب الذي كتبه اللاجيء الرواندي في كندا ألبرت نسينجيمانا “ma mère m'a tué” حيث يتحدث عن والدته الهوتوية التي سلمته و أخوته لمقاتلي عشيرتها ليعدموهم لأن أباهم من التوتسي. و كان عمر الكاتب حينها لا يتجاوز ست سنوات، و قد تمكن لصغره من الاختباء، بعد أن رأى أخوته يقتلون، ثم عاد لأمه، فالصبي لا يعرف إلا أمه.. و يروي في كتابه أنها قالت له: اغسل يديك، فظن أنها ستطعمه، غير أنها سلّمته لأخيها و طلبت منه أن يقتله فقد نجى.. غير أن الصبي نجى مرة أخرى من الموت، ليكتب قصته و هو في الثانية و الثلاثين من عمره، لاجئا في كندا.
و القصص على هذا النحو الحيواني عن مجتمع رواندا المتناحر كثيرة، كالأم الهوتوية الأخرى التي طحنت ابنها الرضيع في رحى، لأنه من التوتسي هو الآخر.
فهل هذا هو نموذج المجتمع الذي يريد لنا ولد الغزواني؟!
لقد تم ترحيل أسرة بول كاغامي لأوغندا و هو في الثانية من عمره، و حارب إلى جانب موسيفيني و تولى منصب “رئيس وكالة الاستخبارات” غير أنه سخّر كل علاقاته و وسائله لتنظيم حركة مسلحة لاستعادة رواندا، و رغم اتهامه بجرائم حرب، فقد وصل للسلطة بتزكية من البرلمان، بعد أزاحة بيزيمنغو.
يتهم كاغامي بارتكاب جرائم حرب، و بالضلوع في الاغتيالات التي قام بها متطرفو الهوتو عقب اتفاقية أروشا، و بتغيير الدستور للبقاء في الحكم، و لكنه جعل من أشلاء دولةٍ قوة اقتضادية ضاربة، حقتت تنمية سريعة يضرب بها المثل. حتى أنها أطلقت في هذا العام قمرها الصناعي “التوجه”.
لقد حقق كاغامي هذه الطفرة الاقتصادية بصرامته و وطنيته و مكافحته للفساد، و ليس بشعبه المتخلف. فكما يقول المثل الحساني “الراجلِ يبني حلّه، يغير الحله ما تبني راجل”.. كما أنه استطاع بشخصيته التسلطية أن يجسد مصطلح “الديكتاتور العادل” و أن يعيد التفكير في الارتباط العضوي الذي تؤكده أدبيات الديمقراطية بمرجعياتها الأوروبية بين الديمقراطية و التنمية.
ما يفت في العضد، هو أن ولد الغزواني لم يكلف نفسه الالتزام ببذل الجهد لتطبيق نموذج رواندا أو ماهو أفضل، فلا أقل من المحاولة، و إنما طفق يبحث لنفسه عن عذر، مما يؤكد أنه ليس متفائلا جداً لفترة حكمه.
و ربما هو صادق أيضا، فشعب لا يزال يساق في المواسم الانتخابية للتصويت لمرشحي الدولة، و الذي يكون الخيار متاحاً لديه بين ولد الغزواني و ولد مولود فيختار الأول، هو شعب لا يرفع التحديات..!
الله غالب