الحوادث اليومية، وما من وقاية!

سبت, 14/09/2019 - 12:46

لا أُفصح غالبا عن ألمي، فالحزن يُعجزُ التَّرجمة أحياناً..

الأرواح كانت بيد الله، وستظل كذلك،.. وليسَ الموقف موقف جدلٍ بين الأجل المُقضَى بالحوادث أوالأجل المُسمَّى بالموت الطبيعي.

هناك صُوَّر أصبحت مألوفة جدًّا، سيارة اسعاف من مستشفى الشيخ حمد بن خليفة، متوقفة جنب هشيم حادث عند مقطع "بوتلميت" المُميت، وشرطي أو دركي أعزل من الوسائل، حائر في سُبل إخراج جُثث مفرومة،.. أسفٌ منَّا وحرارة نَعيٍ،.. ثم نُقْبل على بعضنا نتلاومُ في صخبٍ، ونتقاذف المسؤوليات في شططٍ،.. ونحفظ نفس الموَّال للحادث الموالي،.. ولا أثر لتفعيل العقل.

الخريف أصبح مُفزعا، موسم المجازر الصَّامتة، والرَّحيل الجماعي بالموت السَّهل،.. أسرٌ تتحوَّل بعدد أفرادها في دقائق إلى وسيلة إشهار للحوادث، واتّعاظ منها، واستعاذة من جهد البلاء.. وتُطوى صفحتهم.

لكن الخريف أيضا، موسم تسمينٍ لأرقام أعمال وكالات تأجير السَّيارات ذات الدّفع الرباعي، وحافلات النقل، ويحسبون الطريق مُلكا للناقل، يُحسن فيه التَّصرف أو يُسيء..

لن نَعدم أسبابًا فنية للحوادث، من سوء الطرق، إلى استيرادنا لما القتْ به أوربا في مزابلها من إطارات وقطع غيار مُنتهية الصّلاحية التقنية، وما زور في آسيا.. لكن كل الدّراسات- ولسنا استثناء- تثبت أنَّ العامل البشري يتقدَّم بعيدا أمام غيره من العوامل التقنية.

لقد وُسِّد أمر السّياقة في بلدنا إلى مُتهورين، مُستهترين، يكتفون بمهارة القيادة، دون دراية بقانونها أو بإرشادات المرور، ويحتقرون كل ما يمتُّ للانضباط بصلة ..، غياب دفتر الصيانة الدورية، انعدام معداتٍ للإسعاف، العداوة التَّامة مع حزام الأمان، والتَّهكم على مستعمليه!

يتباهى سائق النقل بالأجرة بتكسير أرقامه القياسية بعد كلّ رحلة، (من إمَّايرْ الفُتوَّة عَندْ الشفيرات)،.. يطوي نواكشوط - النعمة – نواكشوط في 24 ساعة،.. مرهق، مُنفعل، نعسان، يداعب هاتفه، ويفكر في التخلص من الرحلة و"الرَّاحلين" للتفرغ لأخرى...

قُتل ابن رئيس الجمهورية وحفيدته، ومنذ شهر فقط قُتل القاضي والمهندس والطيار والضَّابط السَّامي على الطرقات الحضرية.. لكن أيضا قُتل عشرات النِّكِرات ممَّن لا يحملون اسم معرفة ولا اسم عَلَم، ولا بواكي لهم ولا نائحات، ولن تظهر أخبارهم ولا ملامحهم البائسة على صفحات التواصل، لأنهم الدَّرجة الموالية للعدم البشري.. ومن قُتل منهم أحسن حظًّا ممَّن نجا ليموت ألف مرة في اليوم،.. تسجنه الإعاقة في قبو الحياة إلى الأبد.

الرَّدع لن يكون إلا في صرامة القانون، ووضع رادارات، وفرق من الدَّرك والشرطة تُعطي قيمةً للآدمية، ومُحصَّنة من السّقوط الرّخيص، وقادرة بتجرّد على بسط عدالة الرَّدع بين الجميع وعلى تنقيط رُخص السياقة، وسحبها نهائيا عند الاقتضاء،.. فالمتهور في حكم القاتل بعَمْد..

الأكيد أنه حينها سيُضرِب السائقون، وسيهبُّ السّاسة لدعمهم في ضَرْب القانون والسَّير على جثته وعرضها عاريَّة في المزادات السّياسية والعرقية كما سبق وأن فعلوا في أحداث مايو.. حتما سيخجل العُهر السياسي من نفسه يوما ما مُقابل صيانة الأرواح .. وآن لها أن تُصان.

رحم الله الرَّاحلين، وحفظ بحفظه السَّالكين.

الدهماء