من الأمور التي لا يختلف فيها اثنان أنّنا شعب مهووس بالسياسة..انظر من حولك أخي القارئ، فلن تجد موريتانيّا واحدا في الدّاخل أو الخارج إلاّ و له كلمة و رأي و تحليل و اجتهاد في الشؤون السياسية المحلية و الدولية. ما خلق اللّه على وجه الأرض مجتمعا كمجتمعنا: يُناقش، و يُحللّ، و يُعلّق، و يُفسّر، و يُقرّر، و يَبْني، و يَطوي في "السياسة" بجميع أفراده و مكوّناته. الرّاعي يخوض في "السياسة"، و السّائق يُجادل فيها، و التاجر يُحاضر، و الفلاّح يُنظّر، و المهندس يُؤكّد، و الأستاذ يُفنّد، والحلاق يُؤيدْ، و الطبيب يُبدّدْ، و الإمام يُسدّد، و هذا يُزبّد، و ذاك يُعرْبِد...و الرجل و المرأة و الصبّي و الشاب و الكهل، كلّ له "قراءته" و أطروحاته". لا أحد ينوبُ في السياسة عن أحد، ولا أحد يرضى بأن يكون أقّل "تسيّس" من أحد. كل شِبْر من الوطن ساحة للنقاش و الخوض في السياسة -ما يهمّنا منها و ما لا يهمّنا- من الهند إلى باكستان و أفغانستان،، ومن ملف إيران النووي إلى الحرب في القرم، إلى حقوق التيبت، و انقلاب الهندوراس، و إصلاح الأمم المتحدة، إلخ...السياسة عندنا ملازمة للشاي (فهي رابعة الجيمات: اجْماعَ و الجّرْ و اجْمرْ). فقط مسألة حشْو و لهوٍ و فُضول. معلومة بالطبع، لا تحتاج إلى تدريس أو تكوين أو تجربة. ليست مهنة، أو مهمة، أو وظيفة خاصة بالأحزاب و برؤساء الأحزاب و القيادات و المنتخبين دون غيرهم أو قبل غيرهم، كما هو الحال في جميع أنحاء العالم، بل هي عندنا خيْمة مفتوحة يدخلها من يشاء، متى شاء، و كيفما شاء. وفي المحصّلة : مشهد عبثي و هوس كبير و جنون! و لكنّ المُضحك و المُبكي في الأمر هو أنّنا -و مع ذلك كلّه- نلعنُ السياسة و نكرهُ السياسيين...على غرار لحم الرّقبة..."موْكول و مذموم".