تدوير مخلفات النظام.. هل استقالت معارضة موريتانيا من النضال؟

جمعة, 22/02/2019 - 19:37

ينشط في موريتانيا أزيد من عشرين حزبا معارضا، وعندما أدرك قادتها ضرورة إحداث تغيير في البلاد قرروا البحث عن مرشح من النظام لهزيمة ذات النظام في الاستحقاقات الرئاسية المقررة منتصف العام الجاري.

وليست المفارقة في البحث عن منقذ من داخل النظام فحسب، إنما في كون الاختيار وقع على اثنين لعبا أدوارا بارزة في التمكين لدولة العسكر وألحقا بالمعارضة أذى بليغا على مدى سنوات.

وقد بات من المرجح أن سيدي محمد ولد بوبكر سيخوض السباق الرئاسي مدعوما من أحزاب منتدى المعارضة الذي يضم: اتحاد قوى التقدم اليساري، تواصل الإسلامي، العهد الوطني للديمقراطية والتنمية (عادل)، والاتحاد والتغيير (حاتم)، التجمع من أجل الديمقراطية والوحدة، والحركة من أجل إعادة التأسيس.

شغل فارس أحلام المعارضة منصب رئيس الوزراء عام 1992 في عهد الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد الطايع، وتولى قيادة الحزب الجمهوري الحاكم آنذاك لفترة، ثم عين أمينا عاما للرئاسة، فسفيرا في العديد من البلدان.

خلال رئاسة ولد بوبكر للوزراء والحزب الجمهوري مارس نظام ولد الطائع مختلف أساليب الفساد السياسي والمالي والقمع والتزوير والتضييق على المعارضة بجميع مكوناتها.

وفي 5 أغسطس/آب 2005 انقلب العسكر على ولد الطايع، واستدعوا ولد بوبكر لقيادة حكومة جديدة أشرفت على انتخابات كانت شفافة في ظاهرها، لكن الضباط الكبار وجهوها لمنع مرشح المعارضة أحمد ولد داداه من الوصول إلى القصر الرئاسي في 2007، وفق العديد من المراقبين.

عاد ولد بوبكر سفيرا من جديد، ولاحقا انقلب العسكر على الرئيس الجديد، وطوال مسار ولد ببكر في السلطة لم يسمع عنه انتقاد للنظام، ولم يحدث أن استقال من أي منصب احتجاجا على عملية فساد أو قمع أو تزوير.

لكن المعارضة ترى فيه الآن الشخص الأكثر قدرة على إحداث التغيير ومنافسة مرشح النظام الجنرال محمد ولد الغزواني وزير الدفاع الحالي قائد الأركان السابق.

وقبل أيام، أكد رئيس حزب قوى التقدم والرئيس الدوري لمنتدى المعارضة محمد ولد مولود أن ولد ببكر من أبرز الأسماء التي تدرس المعارضة ترشيحها.

هذا التوجه أثار غضب الكثير من المدونين والصحفيين والسياسيين، إذ رأوا فيه تدويرا لمخلفات نظام ولد الطايع وخيانة للنضال وتطلعات الشعب الطامح إلى التغيير.

وتعليقا على اختيار المعارضة للرجل، تساءل الكاتب عبد الرحمن ودادي: هل سيستطيع تحقيق نتيجة معتبرة في ولايات الضفة وهو الوزير الأول السابق لولد الطائع، وأهم داعميه الإسلاميون الذين لهم وجود ضعيف في المنطقة.

وفي الحقيقة فإن العديد من مكونات التيار الإسلامي ليست راضية عن ترشيح الرجل، مثل أنصار أحزاب المعارضة الأخرى الذين عبروا على منصات مواقع التواصل عن رفضهم مواجهة النظام بمخلفاته.

الأحذية البالية
وقبل أيام، كتب الشيخاني ولد بيب نائب رئيس حزب تواصل أنه يرفض "تلميع أحذية بالية لأنظمة غابرة"، وحذر الإسلاميين من خطورة خذلان المعارضة وتضحياتها.

وليس ولد بوبكر رجل النظام الوحيد الذي حصل على صك غفران من المعارضة إنما هناك رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو، حيث يعتزم الترشح ويتلقى دعما من بعض أحزاب المعارضة التقليدية.

وولد بوعماتو رجل أعمال، كان على صلة وثيقة بنظام الرئيس ولد الطايع، وحصل على العديد من الصفقات العمومية والرخص، مما مكنه من بناء ثروة هائلة في ظرف وجيز.

وعلى الرغم من أن ولد بوعماتو أحد أبرز رجال الأعمال في البلد وله بصمة في العمل الخيري فإنه لم يتورط في المشهد السياسي مباشرة إلا عندما أطاح ابن عمه الجنرال محمد ولد عبد العزيز بالرئيس المدني المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في 2008.

وبينما عملت المعارضة حينها على إجهاض الانقلاب كرس ولد بوعماتو إمكاناته المادية وعلاقاته مع المؤسسات الغربية، لدعم سيطرة العسكر على القصر وطحن التجربة الديمقراطية الوليدة.

قادة أحزاب المعارضة كثفوا أنشطتهم مؤخرا بحثا عن مرشح قوي لمواجهة النظام في الرئاسيات المقبلة (الجزيرة)

وحينما خلع الجنرال عزيز بزته العسكرية وترشح للانتخابات في مأموريته الأولى عام 2009 كان ولد بوعماتو يقف إلى جانبه في أحد مهرجاناته الدعائية، وتحدثت التقارير عن أنه مول حملته بسخاء.

لكن خلافات مالية وحساسيات عائلية عصفت بعلاقات الرجلين، وانتهى المطاف بولد بوعماتو طريدا وملاحقا من طرف نظام ولد عبد العزيز.

ساحة التطهر
ومثل سيرتها مع كل مغاضبي النظام احتضنت المعارضة ولد بوعماتو، وطالبت بإنصافه عندما وضعت حكومة ولد عبد العزيز عراقيل أمام مؤسساته المالية وصادرت بعض ممتلكاته.

وخلال الأعوام الثلاثة الأخيرة تعززت علاقة رجل الأعمال بزعماء أحزاب المعارضة، وتتحدث بعض المصادر عن تمويله أنشطتها المناهضة للتعديلات الدستورية في 2017. 

وأمس الخميس، بدأت المعارضة تحركا جديا لإقناع السفراء الغربيين بالضغط على نواكشوط لإلغاء مذكرة توقيف بحق ولد بوعماتو، وتمكينه من العودة لخوض السباق الرئاسي منتصف العام الجاري.

ووصف البيان مذكرة التوقيف الصادرة بحق رجل الأعمال بأنها تدخل ضمن إجراءات تهدف إلى الانتقام منه بسبب معارضته النظام ودعمه حقوق الإنسان.

وجاء في البيان الذي وقعته سبعة أحزاب معارضة أن اللجنة المكلفة باختيار مرشح موحد تسعى للقاء المترشح ولد بوعماتو.

وبينما يشعر أنصار المعارضة بالخيبة إزاء عجزها عن الدفع بمرشح من صفوفها لتطبيق الشعارات التي تنادي بها منذ عقود يتفهم البعض استنجاد المناضلين بخصومهم السابقين.

مخاوف وأوجاع
ويرى مراقبون أن ما يهم التيار الإسلامي في هذه المرحلة هو الحفاظ على مكسب الاعتراف به وتمثيله في البرلمان، مما جعله يتجنب الصدام مع النظام المقرب من دول خليجية تريد اقتلاع الإخوان المسلمين من المشهد السياسي في الوطن العربي بأكمله.

أما بقية أحزاب المعارضة فقد أنهكتها عقود من التضييق والإقصاء المالي والوظيفي، وفشلت أيضا في تغيير قياداتها وتجديد هيئاتها على مدى عقود.

ويقول الصحفي المقرب من التيار الإسلامي الحافظ الغابد إن سيدي محمد ولد ببكر يمثل خيارا مقبولا في ظل هذه الظروف انطلاقا من كون المعارضة "أجلت التغيير والتطوير داخل أحزابها، مما أضعفها في هذه اللحظة".

أما القيادية في حزب تكتل القوى المعارضة منى بنت الدي فتعلق بالقول إن "المعارضة منهكة ماليا ولوجستيا، وليست لها إمكانيات لصراع النظام بنفس الوسائل التقليدية، وتريد أن تتقدم بمرشح مدني له القدرة على مصارعة النظام بنفس وسائله".

وبشأن أي الرجلين أولى بدعم المعارضة، تقول بنت الدي "ولد بوعماتو أتى فعلا معارضا، وضحى هو الآخر بمصالح، وأنا بحكم معرفتي به أعرف أن لديه طموحا لموريتانيا، ولد ببكر لا أعرفه ولا أستطيع تقييمه".

المصدر : الجزيرة,الصحافة الموريتانية