يخترق « شارع جمال عبد الناصر » العاصمة الموريتانية نواكشوط، كأشهر شارع في البلاد، ولكن الحكومة الموريتانية بدأت إجراءات تغيير اسمه لتزيل عنه اسم واحد من أشهر الزعماء العرب في القرن العشرين، وتعطيه اسماً جديداً متاشياً مع المرحلة التي تمر بها البلاد؛ « شارع الوحدة الوطنية ».
بدأت القصة عندما اقترحت لجنة وزارية معنية بتسمية الشوارع والأماكن تغيير اسم « شارع جمال عبد الناصر »، وإعطائه اسم « شارع الوحدة الوطنية »، وحسب مصدر شبه رسمي تحدث لـ « صحراء ميديا » فإن اللجنة أطلعت وزير الداخلية الموريتاني أحمدو ولد عبد الله، الذي يرأس اللجنة على اقتراحها، فوافق عليه.
عقد الوزير اجتماعاً مع عمدتي تفرغ زينه ولكصر، اللذين يمر الشارع فى مجالهما الترابي، وأبلغهم بنية السلطات الموريتانية تغيير اسم الشارع الذي ظل محتفظا به منذ بدايات قيام الدولة الموريتانية واستقلالها عن المستعمر الفرنسي، وعاصر جميع الأنظمة التي حكمت موريتانيا بغض النظر عن انتماءاتها الفكرية أو الإيديولوجية.
جدل سياسي
ما إن بدأ الحديث عن إمكانية تغيير اسم « شارع جمال عبد الناصر »، حتى اندلع الجدل في أوساط الموريتانيين، وخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت الساحة التي يعبر من خلالها الموريتانيون عن آرائهم في نقاشات مفتوحة لا رقيب فيها ولا ناظم لها.
انقسم الموريتانيون ما بين مؤيد لقرار الحكومة ورافض له، وهو نقاش لم يخلُ من مسحة سياسية تقوم على الموقف من « جمال عبد الناصر » والتيار الإيديولوجي الذي ينتمي إليه، وهو تيار يملك جذوراً قوية في موريتانيا، ولكنه بدأ يتلاشى مؤخراً أمام الصعود القوي للإسلاميين واليسار.
المدافعون عن الاسم القديم للشارع الأشهر في نواكشوط، قالوا إن أي تغيير له هو « اعتداء على ذاكرة المدينة »، حتى أن « تيار الطليعة التقدمية »، وهو تيار شبابي ذو توجه ناصري، اصدر بياناً صحفياً يتحدث فيه عن القرار، وقال إنه « خطوة مستغربة » من الحكومة الموريتانية.
وقال التيار: « السلطات الموريتانية تعمل حاليا على إجراءات نزع اسم الزعيم الخالد جمال عبد الناصر عن أهم وأشهر شارع في العاصمة نواكشوط، بعد أن عُرف به طويلا وانتزعه لمكانته في قلوب الموريتانيين كغيرهم من الشعوب العربية والأفريقة »، التيار الشبابي دعا السلطات إلى « التراجع الفوري عن القرار ».
شخصيات سياسية معروفة علقت على القرار، من ضمنها الرئيس السابق لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية « تواصل » محمد جميل منصور، الذي كتب على الفيسبوك إنه « ليس من المناسب أن نتعامل مع كل ما ورثناه من تاريخ الدولة الوطنية بعقلية التغيير، والتغيير فقط ».
وأضاف ولد منصور الذي كان يقود حزباً إسلامياً معارضاً: « هناك أمور ورموز وأسماء تعود الناس عليها، وليس من اللائق محو هذه الذاكرة والإساءة للمناسبات التي أفرزتها »، قبل أن يشير إلى أن « الرئيس جمال عبد الناصر، رحمه الله، ليس محل اتفاق وله مؤيدوه ومنتقدوه، صارع البعض وصارعه البعض، لم يشتهر حكمه بحماية الحريات وقبول الآخر، ولكنه مع ذلك كان زعيما وطنيا وتحرريا طبع مرحلة من تاريخ العرب والأفارقة، وليس مناسبا ولا لائقا تغيير اسم شارع حمل اسمه ».
أما أنصار تغيير اسم الشارع فقد تناولوا الموضوع من جهة أخرى، من دون أن يتطرقوا إلى مكانة « جمال عبد الناصر » أو يتخذوا منه أي موقف، مشيرين إلى أن « الوحدة الوطنية » تستحق أن تكون اسماً لأشهر شارع في نواكشوط وموريتانيا.
تاريخ الشارع
الشارع كان حاضراً بشكل دائم في تفاصيل الأحداث البارزة التي عاشتها موريتانيا، والعاصمة نواكشوط بالتحديد، فعلى جادته يوجد مقر الإذاعة الرسمية التي كانت صلة الوصل بين الحكومة والمواطنين، ومنها ألقى الرئيس الراحل المختار ولد داداه، أول رئيس للبلاد، خطاباته الأولى، ومنها أيضاً صدر « البيان رقم 1 » في أكثر من مرة، منهياً حقبة رئيس وفاتحاً الباب أمام رئيس جديد، في بلد شهد العديد من الانقلابات العسكرية، كان هذا الشارع مسرحاً للعديد من تفاصيلها.
لقد كان « شارع جمال عبد الناصر » هو التسمية التي يتفق عليها جميع الموريتانيين، والعنوان الذي لا يجهله أي أحد، في مدينة تفتقد لنظام عناوين دقيق، فعلى ناصيته أعرق المؤسسات المالية من بنوك وسيطة ومقر هيأة البريد التي كانت جسر الموريتانيين إلى الخارج، كما تتوزع على جنباته العديد من المؤسسات العمومية ذات التأثير الكبير في حياة الناس.
ارتبط أيضاً « شارع جمال عبد الناصر » في أذهان العديد من المثقفين الموريتانيين بالنقاشات السياسية الساخنة خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وفي السنوات الأخيرة كان مسرحاً لعشرات المسيرات المناهضة لنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وأخيراً نظمت فيه مسيرة يتقدمها ولد عبد العزيز لمناهضة « خطاب الكراهية والتطرف ».