الراصد: تعرف الدول الديمقراطية الغربية التقليدية هذه الأيام تحوّلات ذات دلالات مستقبلية أكيدة، التحوّل الأول من الولايات المتحدة حيث لم تتمكّن الآلية الديمقراطية من منع وصول مرشحين اثنين كلاهما مثير للجدل، والتحوّل الثاني من فرنسا، حيث كادت اللعبة الديمقراطية أن توصل حزبا يمينيا متطرفا للحكم بما لذلك من انعكاسات سلبية على السياستين الداخلية والخارجية لهذا البلد، وعلى كل أوروبا ومنطقة المتوسط وبخاصة شمال إفريقيا..
القراءة الأولى لهذه التحوّلات تفيدنا ببعض النتائج:
ـ الأولى إيجابية ومفادها أنه يمكن في تجربة ديمقراطية تفادي الأسوأ عن طريق الانتخابات بما فيها من تحالفات وتلاعب، وهذا ما يمكن استخلاصه من التجربة الفرنسية. بمجرد أن لاحظ الرئيس الفرنسي فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية في بداية شهر جوان الماضي، حتى اعتبر ذلك إشارة حاملة لمستقبل سيء وسارع إلى حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات تشريعية مسبقة في التاسع من الشهر ذاته، أسفرت في دورتها الأولى على نتائج مخيفة بتقدم اليمين المتطرف، ولكنها اعتدلت فيما بعد مناورة تكتيكية انتخابية بين التحالف الرئاسي والجبهة الشعبية الجديدة اليسارية، أدت إلى قلب الطاولة على اليمين ووضعه في حالة عدم القدرة على تغيير المسار العام للدولة الفرنسية القادر على التأثير على طبيعتها الجمهورية وبخاصة على مصالحها الخارجية.
ـ الثانية سلبية ومفادها أن دولة ديمقراطية في حجم الولايات المتحدة، عجزت عن إيجاد بدائل لمترشحين اثنين أحدهما رفض الاعتراف بهزيمته في الانتخابات السابقة واحتلّ أنصاره البيت الأبيض، والثاني رفض الانسحاب من السباق ـ على الأقل إلى حد الآن ـ رغم أن كل المؤشرات تدل على أنه لم يعد مؤهّلا، على الأقل صحيا، لتولي منصب رئيس أكبر دولة في العالم. وهذا يتناقض كل التناقض مع كل الخطاب السياسي الأمريكي الأسبق الموجّه لبقية العالم والقائل بضرورة التداول على الحكم، والساخر في بعض الأحيان من بعض تجارب حكم المتقدّمين في السن غير القادرين على تحمّل المسؤوليات في هذا المستوى!.
ومن التجربتين، نستخلص أنه لا وجود لخيار سياسي نموذجي في العالم يمكن اعتباره صالحا لكل الدول بما في ذلك الديمقراطية. كل دولة ينبغي أن تنطلق من خصوصياتها لإيجاد ما يناسبها من نظام حكم وتحالفات وتغييرات، لا الصين على خطأ، ولا روسيا على خطأ ولا إيران على خطأ، برغم أن الغربيين يصنّفون أنظمة هذه الدول بغير الديمقراطية، كما أننا لا نستطيع وصف التجربة الديمقراطية الفرنسية بغير السليمة ولا التجربة الأمريكية الحالية، كل له خصوصياته، وكل يتحرك وفق معطيات داخلية وخارجية ومصالح مختلفة عن الآخر…
ليكفّ الجميع عن إعطاء دروس للآخرين، أو الدعوة للاقتداء بهم، على كل تجربة أن تبرهن على كفاءة أداء نظامها السياسي وفق خصائصها.. الفرنسيون وجدوا حلا سلميا لإشارة مستقبلية تهدّدهم من خلال اليمين المتطرف، والأمريكيون سيجدون حلا لثنائية ترامب – بايدن، وكذلك فعل الصينيون والروس والإيرانيون وغيرهم، وعلينا نحن أن نجد حلولا مناسبة لأوضاعنا الداخلية والخارجية من دون لوم أحد أو تقديم “نصيحة” لأحد بما عليه أن يفعل أو لا يفعل…
لعلّ ذلك هو أفضل درس نستخلصه مما يحدث في هذا العالم المتقلب وغير المفهوم.. بلادنا أولى، وعلينا التفكير في البديل الأفضل لها، وغير ذلك هي مزايدات
المصدر:الشروق الجزائرية