الراصد : في خطوة لافتة وغير مسبوقة قرر الرئيس الانتقالي المالي عاصيمي غويتا تعليق نشاط الأحزاب والجمعيات ذات الطابع السياسي إلى أجل غير مسمى، وذلك بعدما دعته أزيد من 80 حزبا سياسيا ومنظمة مدنية إلى إجراء انتخابات رئاسية في أسرع وقت، من أجل تسليم الحكم لسلطة مدنية منتخبة.
واعتبر غويتا في مرسوم رئاسي صادر عنه بالمناسبة، أن مالي تمر بمرحلة حرجة، وبالتالي فإنه لا يمكن القبول ب”السجالات السياسية العقيمة” التي من شأنها أن تعيد البلاد إلى المربع الأول.
ولكن هذه الخطوة التي أراد من خلالها غويتا البقاء في السلطة لفترة أطول من 4 سنوات التي أمضاها حتى الآن، عبر إسكات الأحزاب والمنظمات، هي التي ستعيد مالي إلى ما يخشاه النظام العسكري.
وقد بدت بوادر ذلك واضحة في ردود الفعل التي أعقبت هذا القرار، خصوصا من الإمام صاحب النفوذ الواسع والشعبية الكبيرة محمود ديكو، الذي كان له دور كبير في الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق الراحل إبراهيم بوبكر كيتا، من خلال الحشد الجماهيري الواسع ضده، ما مهد الطريق أمام العسكريين للانقلاب عليه.
وقد اعتبر ديكو في تسجيل مصور تم تداوله على نطاق واسع، أن مالي باتت اليوم “على حافة الهاوية ولا حل يلوح في الأفق”، متهما العسكريين “بتقسيم الماليين”، كما تحدث عن وجود “خلاف بين من هم في السلطة، وهو أمر مكشوف هذه الأيام” بحسبه.
وأوضح ديكو الموجود في الجزائر منذ مدة، أن مالي وصلت هذا الوضع “لأن الحقيقة لا تقال”، وأن أي شخص يجرؤ على قولها “يعدم دون محاكمة”، مضيفا أنه سيعود قريبا إلى البلاد.
وتعني العودة المرتقبة، ضمنيا أنه لن يسكت، وأن معارضته للنظام لن تبقى مقتصرة على التصريحات المنتقدة فقط، وإنما سيعود للتظاهر، وهنا مكمن الخطر، إذ سينضاف عدم الاستقرار السياسي، إلى عدم الاستقرار الأمني.
وفي موقف آخر حاد رافض لقرار عسكريي باماكو، دعا رئيس حزب الوفاق من أجل تنمية مالي حسيني أميون غيندو إلى “العصيان المدني حتى سقوط النظام غير الشرعي”، متهما إياه بالعجز “عن تلبية الحاجات الأساسية للشعب المالي”.
ودعا من جانبه محمد شريف كوني وهو قاض أقاله المجلس العسكري من منصبه في وقت سابق، إلى العصيان المدني، مضيفا أنه من “المستحيل السماح للدكتاتورية بالازدهار”.
وتعكس هذه الردود وغيرها، أن من المستحيل الرضوخ لتكميم الأفواه وخنق الحريات، وأن تراجع النظام عن تعهداته بشأن تنظيم انتخابات ولو بمشاركة العقيد غويتا وانتخابه، لن يقود إلا إلى الاحتقان غير محسوب العواقب.
وفي محاولة للرد على رافضي قرار النظام تعليق الأحزاب والمنظمات، وقبل ذلك تأجيل الانتخابات دون تحديد موعد جديد لها، اشترط رئيس الوزراء المالي شوغيل كوكالا مايغا استتباب الأمن، من أجل إجراء أي اقتراع، وهي خطوة شبيهة بما أعلنه نظام النقيب الحاكم في بوركينا فاسو إبراهيم تراوري، حيث أكد أن الأمن سابق على الانتخابات.
إن ربط الانتخابات بالاستقرار الأمني في بلدان غير مستقرة منذ أزيد من عقد من الزمن، ولم تتخذ سلطاتها العسكرية التي تولت السلطة بالقوة، من إجراءات سوى تغيير شريك بآخر تحت يافطة “السيادة”، يعني أن لا نية لتنظيمها، لأن استباب الأمن صعب التحقق على الأقل في المنظور القريب، ويستدعي تضافر عديد العوامل المتداخلة.
وإلى جانب ردود الفعل الداخلية التي خلفها قرار السلطات المالية، فإنه أثار كذلك مواقف خارجية مناهضة له، فقد دعا الاتحاد الإفريقي المجلس العسكري إلى وضع خارطة طريق من أجل استكمال المسار الانتقالي، وأعرب عن “قلقه العميق” إزاء تعليق الأحزاب السياسية والجمعيات ذات الطابع السياسي، داعيا إلى “إعادة النظر في القرار”.
كما أعربت المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة عن “بالغ قلقها” من قرار تعليق نشاطات الأحزاب السياسية، ودعت لإلغائه.
فهل تجازف سلطات باماكو، وتواصل في مسار تعليق الأحزاب والمنظمات، وعدم وضع أجندة انتخابية؟ أم تتدارك الأمر قبل فوات الأمان؟
*محفوظ ولد السالك صحافي وباحث متخصص في الشؤون الإفريقية*