الراصد : أثار ما يعرف بقانون حماية الرموز استياء كبيرا بين صفوف الإعلاميين و السياسيين و المواطنين المدنيين أثناء مداولته في البرلمان، باعتباره نكسة عظيمة لمبادئ الديمقراطية و حرية التعبير. و بينما قد يبدو القانون في ظاهره يحمي الأفراد من القذف والتشهير بصفتهم الشخصية، لكنه في الحقيقة ما هو إلا ذريعة لجلد وإسكات الأصوات التي تفضح ممارسة الفساد وغطرسة ذوي السلطة و النفوذ. الأمر الذي بدا جليا بعد اعتقال النائب السابق محمد ولو غدة بمجرد أنه متهم باتهام شركة معينة بالفساد والتحايل.
و كان الكاتب قد ناقش مدى جور و تعسف هذه القضية في مقال آخر يمكن الاطلاع عليه في موقع "رگبت لمراح Regbetlemrah"، و لذلك سنخصص هذا المقالة لمناقشة طرق مقاومة التطبيقات المجحفة لهذا القانون، و طرح استراتيجية متكاملة ترمي إلى نصرة المظلوم في هذه القضية و إلغاء هذا القانون كليا أو جزئيا.
مما لا شك فيه أنه تنتشر معارضة هذا القانون على أوسع نطاق بين مختلف فئات المجتمع الموريتاني. و بناء على هذه الحقيقة، فإنه يجب أن تكون هناك طريقة -إذا لم تكن موجودة أصلا- لوضعه للتصويت أمام جميع المواطنين الذين يجب أن تترك لهم الكلمة الأخيرة في تقرير مصيره.
هذه ليست فكرة راديكالية أو ثورية بقدر ما هي صمام أمان و اعتبار براغماتي لحماية البلد من دكتاتورية حزب الأغلبية في أي فترة زمنية، و منعه من استغلال نفوذه لتمرير قرارات تتنافى مع أبسط مبادئ العدل و الديمقراطية. فمثلا، يمكن للمواطنين في الولايات المتحدة الأميركية المطالبة بطرح قانون معين للتصويت أمام جميع المواطنين إذا تم تجميع عدد معين من التوقيعات التي تساند ذلك، و هو خيار يجب توفيره للموريتانيين أيضا.
و لكن قبل أن يتحقق ذلك، علينا أن نبدأ فورا بمحاربة هذا القانون و تطبيقاته و تفسيراته الضيقة و الجائرة -مثل قضية ولد غده الحالية- لرفع الظلم عن المظلوم ونصرته، ولفضح من يستغلون سلطتهم و نفوذهم في تجنيد النظام القضائي لحمايتهم من الملاحقة القضائية و التحقيق في اشتباههم بارتكاب جرائم الفساد والغش.
محاربة هذه القضية تتطلب تكاتف جهود جميع الفعاليات لشن حملات منسقة على الجبهات القضائية والإعلامية والسياسية، وحتى الدبلوماسية. فخطورة هذه القضية بشكل خاص، وتطبيقات هذا القانون بشكل عام تتطلب وقوف جميع الفاعلين من أفراد وجماعات في صف واحد لمحاربته على كافة الأصعدة.
أولا: الجبهة القضائية
يجب تكوين فريق دفاع قانوني من المحامين الأكثر كفاءة على المستوى الوطني والدولي -إذا تطلب الأمر- لفضح الأهداف الحقيقية وراء ملاحقة ولد غدة وسجنه، حتى قبل أن تثبت التهم الموجهة إليه. ملاحقة هذا الرجل ما هي إلا محاولة ترمي إلى تخويف غيره وقطع لسان كل من يتجرأ على فضح ما هو فساد أو يشتبه في أنه فساد.
ويجب أن تعهد مهمة تجميع هذا الفريق القانوني إلى نخبة من مناصري القضية المطلعين على متطلبات الإجراءات القانونية المحلية وطرق تسييرها. هذا الفريق يجب أيضا أن يكون مستقلا عن فريق دفاع السيد ولد غده، لكن يجب التنسيق بينهما بغية تضافر الجهود وإيجاد أنجع الطرق لردع هذا العدوان الصارخ وإفشاء جهود من يقف وراءه.
كما تجب إقامة صندوق تبرعات لاستقبال مساهمات مالية من طرف جميع أطياف وألوان الموريتانيين في الداخل والخارج من أفراد وهيأت لجمع المبالغ اللازمة لسد جميع تكاليف فريق الدفاع. فالجانب الآخر يمتلك مصادر هائلة ويجب على فريق الدفاع أن يكون مجهزا لخوض المعركة على تلك الجبهة.
ثانيا: الجبهة الإعلامية
يجب تنظيم حملة إعلامية واسعة النطاق لشرح أدق تفاصيل وملابسات هذه القضية وتوعية الجماهير على مخاطرها المرعبة لكل من يمارس حرية التعبير ويحاول فضح الفساد واستغلال السلطة الرسمية والاعتبارية والمالية للتهرب من المساءلة والتحقيق في لأعمال المشبوهة.
على جميع وسائل الإعلام وكل من يكتب عليها من صحافة وكتّاب ومدونين ونشطاء على وسائل التراصل الاجتماعي المشاركة في هذه الحملة كطرف في القضية لأنها تأثر على طريقة ممارسة أعمالهم بصورة مباشرة. ولذلك فأنهم لا يتمتعون برفاهية التفرج فقط. يجب إجراء مقابلات يومية مع الخبراء السياسيين والقانونيين، ودعوة الكتّاب إلى نشر مقلات لمناقشة مدى هشاشة المبادئ القانونية التي تقوم عليها هذه القضية، وتأثيراتها السلبية على المجتمع والشفافية.
فبينما يتم استهداف ولد غده اليوم بشكل خاص، من المؤكد أننا جميعا معرضون لمواجهة نفس الغطرسة والتعسف،وسيأتي كل واحد منا عاجلا أم آجلا.
ثالثا: الجبهة السياسية
يتوجب على الفعاليات السياسية العمل على إلغاء هذا القانون الجائر، أو الذي يتم استخدامه لأغراض جائرة. يجب على أحزاب الحكومة والمعارضة انتهاز فرصة هذه الحملة الانتخابية الراهنة للتنديد بهذا التعسف وطرح مشاريع قانونية بديلة تحمي من يحارب الفساد والغش بحق، وليس من يمارسهما أو يشتبه في ممارسته لهما. كما يجب على هذه الأحزاب فضح مواقف كل من يتقاعس ويولي الأدبار في هذه الملحمة الشريفة، وكل من يناصر الجانب الظالم على حساب المصلحة العامة والجانب المظلوم.
رابعا: الجبهة الديبلوماسية
يلاحظ كل من يتابع الأحداث في الفترة الأخيرة الأهمية البالغة التي توليها الحكومة لسمعة البلد على الصعيد الدولي. وهنا أريد أن أشير إلى بعض مصادر الضغط الدبلوماسية المتاحة للموريتانيين المقيمين في الخارج، وخصوصا في الولايات المتحدة وأوروبا.
لَفْتُ انتباه مراكز القوى السياسية وصنّاع القرار في الدول الغربية إلى غطرسة صُناع هذه القضية، وجور المبادئ القانونية التي تستند إليها ومعارضتها لأسس احترام الحريات التي يزعم الغرب مناصرتها. هذه استراتيجية فعالة للضغط على السلطات الموريتانية يكمن (وقد تم بالفعل) استخدامها في حالات لها أهمية قصوى وتداعيات وخيمة العواقب علي مبادئ العدالة وحماية الحقوق المدنية.
فلا زلنا جميعا نتذكر حجم الأزمة الدبلوماسية والإحراج الذي تعرضت له العربية السعودية بعد عملية اغتيال الشهيد جمال خاشقجي الشنيعة. وبطبيعة الحال، فأنه هناك فرق شاسع بين القضيتين، حيث إن ولد غده لا زال على قيد الحياة لحسن حظه ولم يتم تقطيع جسمه إلى أشلاء وحرقها في محرقة صممت لشواء الغنم. لكن كليهما (خاشقجي وولد غده) تم استهدافه لأنه قام بنشر آراء ومعلومات أغضبت ذوي السلطة والنفوذ. ولذلك فإنه ليس من المستحيل أن تسبب هذه القضية صداعا دبلوماسيا قد يدنس الصورة التي بذلت الحكومة الموريتانية الحالية جهودا جبارة من أجل تجميلها وتلميعها إبان مغازلتها للحكومات الغربية ومحاولتها إغرائهم لاستئصال مزيد من الدعم الديبلوماسي والمالي منهم.
الاستراتيجية الثانية -وربما الأكثر فاعلية- هي استخدام جهاز القضاء في الدول الغربية -الذي يتمتع باستقلالية أكثر نسبيا من القضاء الموريتاني-للضغط على السياسيين الغربيين ومحاولة إجبارهم على مناصرة قضايا حقوق الإنسان وحرية التعبير في موريتانيا، ولو بصورة رمزية أو مؤقتة.
و خلاصة القول هي إن البيانات الصحفية التي تستنكر وتشجب هذا الإنتهاك الصارخ لحرية التعبير والحقوق المدنية لهذا الرجل هي أضعف الإيمان ومن النادر أن تؤدي إلى أي تغيير ملموس، خصوصا في الدول التي غالبا ما تكون الحكومة فيها هي الخصم والحكم في آن واحد، مثل هذه الحالة. فتحقيق تغيير ملموس يتطلب خطة تكتيكية واستراتيجية محكمة ومتكاملة تأخذ بعين الاعتبار جميع نقاط ضعف الخصم، واستغلال هذه النقاط بطريقة شريفة ومشرفة لخدمة المصلحة الوطنية وقضايا المواطنين.
الدكتور احمد ولد سيدي محمد خبير في علم الأوبئة، وعضو هيئة تدريس جامعي، مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية