الراصد: كتب الشاعر المبدع و الطبيب الثائر خالد عبد الودود فأجاد و أفاد و أمتع و أبدع كالعادة :
ثُمّ يتسلّلُ ديسمبَرُ في أجندة التقويم المُعلّقَة على جدار الغرفة فلا نرى أو نحس به إلا لِماما
تماما كما تسلّلَت مأمورية كاملة من "حُكم الأَنصَاف" واقتُطِعَت من أعمارنا دون تحقيق شيءٍ مِمّا يَعِدون
وهل يجوز حساب الأيام المهدورة من أعمارنا دون حب أو خيبة أو جنون!
ثُم لماذا يُخاصِمُ الشتاءُ مدينتَنا الآثمة؟
ماذا جرَى لِلنّدى والضباب والبَرَد!
ما لِهذه الثلاثةِ لا تأتي بعد أنْ كانَت تراودُنا في الليالي الأولى من تشرين!
أين الليالي القارسة والمساءات الغائمة والضبابُ الذي كان لا ينسحب من حواري المدينة قبل خروج الأطفال لاستراحة العاشرة صباحا في المدارس
نعَم ... اختفت برانسُ الرجال البُنّيَةِ الداكنة التي كانوا يلبسونها فوق الدراعة، تماما كما اختفَت الشواربُ الكثيفة السوداء، وشالاتُ الصوف وعطرُ الأماريج وسجائر الجيتان
واندثَرت كَنزات الصوف والقبّعاتُ القطنية المُلوّنة التي كانت النسوة تلبسنها اتقاءً لِبرد نواكشوط ومراوغة للتيار الكناري الذي كان يَغمُرُ المدينةَ بينَ الظُّهرَين على أقصى تأخير
لقد حُسِمَت المعركةُ لصالِح دخان سيارات الخُردَة ومصانع لبلاستيك، على حساب دخّان السجائر الفاخرة وأسلاكِ البخور
تماما كما طَغَى التمجيد المُتكلّف و"فاقُو" الصاخِب على وداعَةِ "لَبتَيْت" وأشوار الظّلِ وتبراع الغواني؛
فسلامٌ عليهِنّ في العالَمين
ثم بين عشرِيّةٍ وأُختِها أمْسَت نواكشوط مدينة لا شتاء لها
يا لِتَعشِ العاشقين والشعراء وأعواد الثّقاب.