الراصد: بسم الله الرحمن الرحيم
واهم من يعتقد أنّ وظيفة القاضي يمكن أن يقوم بها أي إطار عال لم يتلق أيّ تكوين مهني يهيئه لممارستها
موجبه سألني أحد الزملاء القضاة عن امكانية تولي أحد مفوضي الشرطة الوطنية منصب المدعي العام لدى المحكمة العليا فأجبته بالنفي وسألته بدوري عن سبب طرحه للسؤال فقال سمعت أنّ المدعي العام لدى المحكمة العليا القادم سيكون أحد مفوضي الشرطة
مساء ذات اليوم سمعت من أحدهم أنّ النظام الأساسي للشرطة الوطنية توضع اللمسات الأخيرة على تعديل له
مساء الجمعة الماضي نشر أحد الزملاء الكتاب العدليين تدوينة جاء فيها: (....تعيين لواء مدعى عام لدى المحكمة العليا سيكون بداية اصلاح حقيقى للقضاء)
بغض النظر عن هذه الشائعات والأمنيات فإنّ ما يجب التذكير به هنا هو أنّ الوظيفة العمومية تنقسم إلى أسلاك ويولج إلى كلّ سلك منها عبر مسابقة فمثلا تنصّ المادة: 28 من المرسوم رقم: 126/ 2006 المتعلق بتحديد النظام الخاص بالمدرسين الجامعيين ... على أنّ الاكتتاب في سلك التعليم العالي يكون عبر مسابقة كما تنصّ المادة: 21 من المرسوم رقم: 136/ 2006 على مقتضيات مشابهة بالنسبة للمدرسين التكنولوجيين وتنصّ المادة: 11 من المرسوم رقم: 015/ 2007 المتعلق بتحديد النظام الخاص بأسلاك التعليم الأساسي والثانوي على مقتضيات مشابهة فكلّ سلك من أسلاك الوظيفة العمومية له نظامه الخاص ولا يمكن ولوجه إلا بالطريقة التي ينصّ عليها أي أنّ الولوج إلى سلك من هذه الأسلاك يكون بشروط محددة بنظامه الأساسي
وعند افتراض أنّه يمكن أن ينصّ عليها بنصّ آخر يمكن أن يكون من النصوص التي تعلو أو تساوي من حيث الدرجة النصّ المنظم للسلك الذي يتمّ إدخال الموظف فيه أو تحويل إليه من سلكه الأصلي ولو كان التحويل بشكل مؤقت
يجب التذكير هنا بأنّ القضاء ليس سلكا من أسلاك الوظيفة بقدر ما هو سلطة من سلطات الدولة ولأنّه كذلك كان منذ القدم و لا يزال بالنسبة للأمم المتحضرة من أكثر المهن احتراما بل قدسية لذا تم تنظيمه في معظم البلدان بقوانين عالية الدرجة مثل الدساتير والقوانين النظامية وعلى هذا الحال سارت الدولة الموريتاني حيث تم فيها توزيع النصوص التي تحكم المهنة القضائية بين الدستور وقانون نظامي هو القانون النظامي رقم: 94/ 012 المعدل بالأمر القانوني رقم: 2006/ 016 .... والذي تضمنت المواد: 21 إلى 23ـ 6 منه طريقة اكتتاب القضاة على سبيل الحصر
ولم تسمح المواد أعلاه بإمكانية دخول مفوضي الشرطة الوطنية ... لسلك القضاء كما لم تسمح بدمج غيرهم من الموظفين فيه إلا عن طريق مسابقة هذا طبعا باستثناء الإعارة التي يمكن عن طريقها إلحاق بعض الإداريين وأساتذة الجامعة بالقضاء بأشكال ومساطر حدّدتها المادة: 54ـ 1 وما بعدها من القانون أعلاه على سبيل الحصر هي الأخرى
صحيح أنّ بعض من حكموا موريتانيا في الآونة الأخيرة انتهكوا أو انتهكت في أيامهم مقتضيات القانون النظامي رقم: 94/ 012 المعدل بالأمر القانوني رقم: 2006/ 016 المتضمن النظام الأساسي للقضاء ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
ـ تعيين أشخاص من خارج سلك القضاة رؤساء للمحكمة العليا تطبيقا للفقرة الأولى من المادة: 14 من ق ت ق ذلك أنّه بالتعيين يدمج المعين في سلك القضاة مؤقتا بنصّ أدنى درجة من النصّ المنظم للقضاء
ولأن المادة: 14 من ق ت ق أدنى درجة من القانون النظامي رقم: 94/ 012 المعدل المشار إليه أعلاه
ولأنّ القانون النظامي رقم: 94/ 012 المعدل المشار إليه أعلاه لا يتضمن النص على الولوج لسلك القضاء بهذه الطريقة تكون هذه المادة مخالفة لنصّ أعلى منها ويشار هنا إلى أنّ النص الأدنى لا يستمد مشروعيته إلا من انسجامه مع النصوص التي تعلوه وذلك دون الخوض في احتمال مخالفة المادة: 14 من ق ت ق للدستور من جوانب أخرى لا أرغب في التطرق لها
ـ دمج المرسوم رقم: 121/ 2020 الصادر بتاريخ: 09 يونيو 2020 لبعض الموظفين الإداريين في سلك القضاء بطريقة لم ينصّ عليها القانون النظامي رقم: 94/ 012 المعدل المشار إليه أعلاه
ولصيانة ثقة القضاة في وظيفتهم ولتعزيز ثقة المواطنين فيها و لصيانة هيبة الدولة وسمعتها الخارجية يجب التوقف عن النوع من الانتهاكات التي أظن أنّها تعود في معظمها لعدم جودة الاستشارات القانونية التي تقدم لرؤساء البلد
ومن جهتي لو خيرت لاخترت أن أدمج في أحد الأسلاك التالية:
ـ سلك عقداء الجيش الوطني لأنّ القضاء يهاب استدعائهم عند الشكاية ويرسل لهم قضاة يستمعون لهم في ثكناتهم
ـ سلك ضابط الشرطة الوطنية لأنّ النيابة تهاب تنفيذ الأحكام الصادرة عليهم في المجال الجزائي
ـ سلك الإداريين المدنيين على أن أكون على الدوام رئيس دائرة فهؤلاء أكثر احتراما وامتيازات من القضاة
ـ سلك القضاة الماليين لأنّ هؤلاء أكثر هيبة وامتيازات من القضاة العاديين ذلك أنّني لم أسمع أنّ أيّا منهم منعته الشرطة أو وزارة العدل من دخول مكتبه من الباب الذي يريد وسبق أن حصل ذلك معي ومع زملاء يعلونني في الرتبة
القضاة في بلدي مساكين لا يصرف على تكوينهم بشكل جيّد وأقلّ احتراما وامتيازات حتى من زملائهم الماليين ويتأخر رئيس الجمهورية في الوفاء بالوعود التي منحهم ....
عموما ليس من الصواب الاعتقاد بأنّ وظيفة القاضي يمكن أن يقوم بها أي إطار من أطر الدولة العالين حتى الذي لم يتلق أيّ تكوين مهني يهيئه لممارستها
بعد تكوين قاعدي مدته سنتين شمل دروسا نظرية في المدرسة الوطنية للإدارة وتدريبا في المحاكم وبعض التكوينات المستمرة بعضها استمرّ 30 يوما على تقنيات المحاكمة العادلة وتكوين الناس عليها خضعت له بعد النجاح في مسابقة لتكوين مكونين أجراها الاتحاد الأوربي وإعداد رسالة تخرج حول المحاكمة العادلة وصرف ما يناهز مليوني أوقية في كتب القانون وبعد ما يزيد على 14 سنة من الخدمة لا أشعر بأنّني قاض جيد
عموما عندما يعين غير قاض في منصب المدعي العام لدى المحكمة العليا سأفكر بشكل جدّي في الاستقالة وطلب اللجوء في أوروبا
هذا ليس حطّا من شأن الشرطة والجيش فهما أهمّ أجهزة الدولة ولولاهما لما كان تنفيذ الأحكام ممكنا في أغلب الأحيان بل إنّ مجرد انعقاد جلسات المحاكم يتطلب توفيرهم للأمن لكن لكلّ مجاله
وفق الله الجميع