تعمل الشابة الموريتانية، فاطمة بنت المامي، مع والدتها في محل تجاري تملكه، في سوق شعبية في العاصمة نواكشوط، يطلق عليها البعض سوق "التبتابات" أو "سوق المطلقات".
ترتّب سلعها، وتفاوض الزبائن، وتتابع ببصرها المارّة كلّما سنحت لها الفرصة للرّاحة من العمل الذي يشغلها مع والداتها.
هنا سوق تحاك حولها الأساطير الكثيرة في وسائل الإعلام الدولية والعربيّة. فأصل اسمها تحوّل إلى صورة نمطّية تزعم أنها سوق تبيع فيها النساء متاعهنّ بعد الطلاق، وتصوّر في بعض الصفحات على مواقع الاتصال الاجتماعي على أنها مكان تنتقم فيه المرأة من الطليق ببيع الممتلكات.
لكنها في واقع الأمر، سوق نشطة تصارع فيها نساء موريتانيات من أجل ضمان عيش كريم ويحافظن بها على مكانتهن الراسخة منذ عقود في عالم التجارة ولا تخص المطلّقات لوحدهن....
سوق نسائية موريتانية
هذه السوق من ضمن أسواق كثيرة تنتشر في نواكشوط، تزخر بالمحلات المملوكة من طرف النساء، اللواتي يبعن أشكالاً مختلفة من البضاعة. فتجد محلّات تبيع الثياب، وأخرى مختصة في حليّ النساء وزينتهن، فيما تختصّ متاجر في بيع الأثاث، وغير ذلك من البضائع المختلفة. أما المشترك بين هذه المتاجر فهي أنها تظهر الحضور القوي للمرأة الموريتانية في عالم التجارة. فما السبب في شهرة "سوق المطلّقات؟
صعد في السنوات الأخيرة، اسم "سوق المطلقات" وهو المصطلح الذي صاغه الشارع ووسائل الإعلام، وتتحفظ عليه النساء العاملات في السوق وممّن يملكن متاجر في السوق ومن ضمنهنّ الشابة بنت المامي.
تقول هذه الأخيرة في حديثها لرصيف22، إن بداية حكاية السوق سابقة على التّسمية فقد مر على وجوده عقدان من الزمن. ولم تكن بدايته كما قد يتخيّل البعض، فقد "أسّسته سيدات طاعنات في السن، وكنّ يبعن في البدايات حليّ النساء والخرز. في البدء كانت السوق مجرد حانوتين أو ثلاثة، وكانت المُؤسِّسات ممّن يُعلن أسرهنَّ ولم يكنّ أبداً من المطلقات".
تكمل الشابة قائلة إن السوق ابتدأت "تكبر شيئاً فشيئاً، وتتنوع البضاعة فيها وتكثر المحلات حتى أصبحت سوقاً كبيرة"، وسبب تسميتها بسوق المطلقات، هو أنه كانت تأتي النساء المطلقات إلى الفضاء التجاري "لبيع فراش منازلهن وأحياناً كانت تأتي غير المطلقة بدورها لبيع متاع قديم، أو من أجل استبدال فراش منزلها أو بعضه. فتبيع المرأة التي تريد شراء الفراش الجديد القديم وتستبدله بآخر، وهكذا أصبح قبلة لهن دون أن يقتصر على المطلقات".
كما أن العادات الاجتماعية المحلية في موريتانيا، تدفع أحياناً المرأة التي تتطلّق إلى أن تأخذ متاعها من بيت الزوجية، وفي الأول كان المصير بيت أهلها حيث تستقر مع متاعها. لكن اليوم ومع ضغوط الحياة، أصبحت بعض النساء يبعن الأثاث في السوق، التي أصبحت قبلة لمن يردن شراء سلع منزلية بأثمان معقولة.
عن بداية تجربتها مع السوق، قالت بنت المامي "بدأت تجربتي في السوق، منذ 2016، وهي تجربة جيدة. السوق فيها جميع البضائع من حليّ النساء ولباسهن وكل مستلزمات النساء والأطفال، والأثاث بكل أنواعه. باختصار أصبحت سوقاً كبيرة تشهد إقبالاً من الزبائن".
لكنها تؤكد أن السوق "لا تقتصر على بائعات من المطلّقات كما يعتقد، بل هناك النساء بجميع فئاتهن، من المسنّات والعازبات وذلك منذ تأسيسها، والسوق تكبر يوماً بعد يوم وأصبح اسمها رائجاً، هكذا أصبحت وجهةً يفد إليها الناس من كل حدب وصوب، ومن ضمنهم النساء".
ومن الأسباب التي دفعت أيضاً إلى شهرة السوق في العاصمة نواكشوط أنها توفر لمتوسطي الدخل من الموريتانيين، الأفرشة والأواني والملابس المستعملة بأسعار رخيصة.
لذلك أصبحت قبلة كل من يريد بيع أثاثه القديم ومن ضمنهم الرجال، حيث تعدّ السوق فرصة مناسبة للعديد من الأسر، التي لا يمكنها توفير ثمن الفراش المرتفع في السوق، فتشتري منه بأسعار تناسب دخلها.
النساء سيّدات التجارة
في موريتانيا لا تلعب المرأة دور ربة البيت فقط كما قد يخال البعض، بل تحضر بقوّة في المجتمع منذ قرون. وتبرز النساء في مجال التجارة بالخصوص إذ فرضت النساء الموريتانيات حضورهن في عالم المال والأعمال وتبوأن مكانة محترمة على الرغم من المتاعب.
ويتنوع هذا الحضور من التاجرة البسيطة إلى سيدة الأعمال المخضرمة. وعبر المشاريع البسيطة، كالمتاجر في أسواق شعبية، استطاعت النساء من الفئات المتوسّطة تحقيق نجاحات هامة، وفرضن أنفسهن داخل أسرهنّ بالعمل.
وحسب فاطمة بنت المامي، فإن حضور المرأة في عالم التجارة داخل "سوق المطلقات" واضح ودفع الرجال إلى الالتحاق بهنّ بل والاقتداء بنجاحهن في تطوير مكان يتوافد الزبائن إليه.
فهذا النّجاح تقول بنت المامي جليّ "خصوصا في سوق التبتابات، أو المطلقات، مع أن الوصف الأخير ليس محبباً إليهن، لأن هناك الكثير من النساء لسن مطلقات، ولا يحبّذن هذا الوصف. الجدير بالذكر أن هذه السوق استقطبت منذ ثلاثة سنوات التجار الرجال الذين أضحى لهم حضور أيضاً، يبيعون الأثاث المستعمل والجديد، وينافسون النساء بقوة".
وخلصت المتحدثة إلى القول بأن "إقدام المرأة الموريتانية على عالم التجارة، مردّه إلى سوء الظروف الاقتصادية وتدني الدخل، فوجدن فرصة في هذا العالم"، هذا وقد حققت النساء الموريتانيات عبر تجارتهن استقلالاً مادياً، فرضن به أنفسهن كقوة مؤثرة في المجتمع والأسرة.
"التبتابات" ليست السوق النسائية الوحيدة
ليست سوق "المطلقات" السوق الموريتانية الوحيدة التي تفرض فيها النساء حضورهن بقوة، فقد أنشأت النسوة في موريتانيا من قبلُ أسواقهنَّ الخاصة، مثل سوق "شنقيط" التي يطلق عليها محلياً "مرصة لعليات" أو "سوق النساء"، وقد أسّسها "اتحاد التاجرات والمقاولات"، عام 1997، وهي سوق كبيرة وزاخرة بتجارة النساء، من عطور وألبسة وأثاث، وكل فترة تبرز أسواق جديدة ومحلات تجارية لها طابع نسائي، بحيث لا تكاد تمرّ من شارع كبير في العاصمة نواكشوط دون أن يصادفك سوق أو متجر نسائي.
وتنخرط النساء الموريتانيات في مجالات تجارية متعددة، ويحضرن أيضاً في مجال استيراد السلع من أوروبا والصين وتركيا، وكذلك في نطاق أعمال أخرى مختلفة.
لكن تجب الإشارة إلى أنه رغم أن النساء يمثلن نصف سكان موريتانيا، وفقاً للإحصائيات الرسمية، إلّا أنهن يصارعن منذ زمن من أجل التمكين السياسي وفي الوظيفة العمومية، ويرفعن المطالب من أجل المزيد من التمكين، ويشتكين أيضاً من عدم تكافؤ الفرص مع الرجال في مجال التجارة والصناعة وريادة الأعمال.