الراصد : لم يمرَّ على سياسات الحكومة في مجال قطاع الصيد وإدارة الثروة السمكية للبلاد، من التخبط والارتجالية ومحاباة الأغنياء والأساطيل الأجنبية، مثلما تشهده اليوم.
وتتجلى بعض تلك الإخفاقات والفوضى العارمة، التي تفاقمت في عهد الوزير الحالي محمد ولد عابدين ولد معييف، في انهيار غير مسبوق لأسعار الأسماك المخصصة للتصدير للخارج، نتيجة تلاعب رجال الأعمال، الذي تغذيه سياسات الوزير المتمالئة؛ إلى جانب استفحال ظاهرة خرق التوقيفات البيولوجية فيما يعرف بظاهرة "الكزرة"؛ فضلا عن انعدام وسائل الرقابة، بعد غرق سفينة "العوام" في ظروف غامضة في عهد الوزير مع وعد مخلوف بالتحقيق في الحادث؛ هذا إلى جانب الظاهرة المتكررة لنفوق ملايين الأسماك دون أي سعي للتحقيق فيها وفي أسبابها الغامضة. ويأتي ذلك كله بعد رفع الدعم عن المحروقات، الذي كان يستفيد منه الصيادون التقليديون.
وقد اتسمت إدارة الوزير الحالي للثروة السمكية للبلاد، بانحياز غير مسبوق للأغنياء. وقد تجلى ذلك في مسألتين:
-تخفيض الإتاوات عن سفن الصيد الصناعي بمبلغ 8 مليارات أوقية قديمة وهو ما صادق عليه مجلس الوزراء مؤخرا.
-الثانية في حرب شعواء يشنها على سفن الصيد التقليدي المعروفة بسفن CNM ومثيلاتها؟
وقد تجلت تلك الحرب في إعلان الوزير، غداة تعيينه قبل أشهر، سعيه إلى تصنيف تلك السفن ضمن الصيد الشاطئ وفرض حملها أجهزة تتبع، وهو ما قاد إلى مظاهرات عارمة وإضرابات، التفّ عليها الوزير مرتين باتفاقات مكتوبة مع الصيادين تراجع عنها لاحقا فيما يؤكد أن ليس عنده فيما يبدو "للعهد معنى".
أولى تلك الاتفاقات كانت قبيل زيارة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزاوني لنواذيب في ديسمبر الماضي، والثانية وقعت مع انطلاق الحملات الانتخابية الأخيرة. وقد رعى هذه الاتفاقية رئيس البرلمان السابق الشيخ ولد باية وضمِنها، لكنه اختفى بمجرد انتهاء الحملات الانتخابية!
وقد انعكست هذه السياسة الصدامية اللامسؤولة للوزير عن انخفاض حاد في مساهمة الصيد في الدخل القومي للبلاد من نحو 35% إلى نحو 20% فقط.
وقد أخذت حربُ الوزير على سفن الصيد التقليدي بُعدين: بعدا دعائيا وآخر فنيا (قانونيا)، الأول بـ"شيطنتها" والإيحاء تصريحا أو تلويحا من مقربين منه بأنها "سفن عزيز" بما أن الشركة الموريتانية لصناعة السفن التي أنشئت في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز هي من أنجزها، متجاهلين أنها سفن موريتانية وتعمل عليها طواقم موريتانية خالصة.
وترمي تلك الحملة الدعائية فيما يبدو إلى خلق أجواء للتخلص من الشركة ومنتجاتها وإحلال أخرى محلها يقال إن أحد كبار رجال الأعمال الموريتانيين عاكف على تأسيسها.
أما الجانب الفني القانوني الذي استند إليه الوزير فهو أنها تزيد ثمانية سنتمترات ! عن 14 مترا (الحد الأعلى لسفن الصيد التقليدي وفق مدونة الصيد)، وهو ما يعترف به الصيادون ويقولون إن جميع وزراء الصيد السابقين لاحظوه لكنهم استثنوها من تلك الأحكام على قاعدة ما قارب الشيء أعطي حكمه، ولكونها بيعت لهم أصلا كسفن صيد تقليدي، ولأن أدوات الصيد التي تستخدمها (الأناصات) هي ذاتها التي تستخدمها القوارب التقليدية (لكوانيط).
ومن زاوية السنتيمترات الثمانية تلك، يقال إن سفن رجل الأعمال المذكور ستكون أقل من 14 مترا بـ10 سنتمترات على أن يزيد عرضها بنحو متر!
ويقول ملاك تلك السفن وقباطنتها إن مسعى الوزير يمثل إخلالا بالعقود التي أبرموها مع "الشركة الموريتانية لصناعة السفن" والتي تنص على أنها جزء من منظومة الصيد التقليدي، ويجادلون بأن سفنهم لا تمتاز عن "الكوانيط" في أي شيء -سواء من حيث الأدوات المستخدمة في الصيد أو الحجم- إلا أنها تتوفر على أدوات السلامة، من جهاز اتصال ونظام ملاحي للاهتداء، ومراحيض تناسب الكرامة الآدمية.
يذكر أن الاتجاه العام للدولة خلال السنوات الماضية كان حظر "الكوانيط" تدريجيا لخطورتها على البحارين ولعدم ملاءمتها للكرامة الإنسانية، حيث كانت الحكومة تشجع انخراط الجميع في سياسة ترمي لاقتناء سفن "الشركة الموريتانية لصناعة السفن" بوصفها سفن الصيد التقليدي الوحيدة القابلة للاستمرار والآمنة على ممارسيها، والتخلي نهائيا عن لكوانيط.
ويتهم ملاك السفن وطواقمها الوزير الجديد صراحة بالانحياز لأصحاب السفن العملاقة التي تتبع في غالبها لرجال أعمال أثرياء وشركاء خارجيين، صينيين وأتراك، على حساب الغالبية الساحقة من ملاك هذه السفن وأغلبهم بحارة سابقون ومواطنون عاديون.
ومع لاعتراف بأن الكثير من أمراض وعلل قطاع الصيد مزمنة وليست وليدة اليوم، فإن سياسات وزير الصيد والاقتصاد البحري الحالي، محمد ولد عابدين ولد معييف، مثلت القشة التي قصمت ظهر البعير ونقطة الماء التي أفاضت الكأس، وحبة الدواء التي قضت على المريض.
محمد غلام ولد محمدو