........ التقيا بعد سنين من الغربة حيث جمعتهما رحلة فى الطائرة و أثناء حديثهما عن ( لخيام) أعربا عن انبهارهما بما يحدث من تطور سريع ومذهل في مختلف عواصم الدول رغم اختلاف مواقعها وشعوبها مقارنة مع موريتانيا ،فلا تكاد تغادرعاصمة بلد ــ يحترم أهله أنفسهم ــ لمدة عام وتعود اليه الا ولاحت لكــ وانت قادم ــ انماطا عمرانية جديدة وجسورا وانفاقا وممرات وأرضيات جديدة للساحات والممرات والحدائق اضافة الى ظهور خدمات حديثة وكأنها تريد أن تشعرك بمغادرتك المكان وعودتك بعد فترة من الزمن لكونها لم تكن موجودة من قبل ، وحتى أنك تلمس من خلال الخدمات المقدمة لك تغييرا للأفضل وانسيابية فى الاجراء لتكتشف من خلال اللوحات الارشادية فى زوايا أخرى من المنطقة أن هذا القطاع أو ذاك اضاف هذه التحسينات نتيجة لعوامل عديدة ومختلفة بعضها يتعلق بالفترات الزمنية التى مرت عليه فى تقديم هكذا خدمات وبعضها يتعلق بالنجاحات وبعضها يتعلق بتغير الادارات المشرفة وبعضها يتعلق بالتقدم التكنولوجي ....... الى غيرذلك.
استرسلا فى الحديث وتطرقا لانتخابات 2023 باعتبارها الحدث الأبرز الملامس لموضوع انبهارهما بالمدن وتحسيناتها وتطورها وتطرقا لكون البلديات فى موريتانيا تخضع للأمر القانوني 87 –289 الصادر بتاريخ 20 أكتوبر 1987 الذي يلغي و يحل محل الأمر القانوني رقم 86 –134 الصادر بتاريخ 13 أغسطس 1986 المنشئ للبلديات ، حيث تنص المادة الاولى من الباب الأول على أن البلدية هي مجموعة ترابية خاضعة للقانون العام و لها شخصية قانونية و استقلال مالي وتتمتع بميزانية وموظفين وممتلكات خاصة لممارسة الصلاحيات التي يخولها إياها القانون.
وأن المادة الثانية تنص على تكليفها أي البلدية بتسيير المصالح البلدية و المرافق العمومية التي تستجيب لحاجيات المواطنين المحليين و التي لا تخضع بطبيعتها أو درجة أهميتها لاختصاص الدولة ، وبعد نقاش طويل تطرقا فيه الى صلاحيات البلدياتوأنها تشمل أساسا : صيانة الطرق المحلية وبناء و صيانة المنشآت الصحية و مراكز حماية الأمومة و الطفولة وتوفير المياه و الإنارة العمومية والنقل الحضري و الصحي و المدرسي ومكافحة الحرائق والصحة الوقائية وإزاحة الأوساخ والاشراف على الأسواق و المسالخ والمنشآت الرياضية و الثقافية والمروج و الحدائق و استصلاح و تسيير القطع الأرضية التي تقطعها الدولة للبلدية وأن يتم تحويل المهام التي كانت تمارسها الدولة أو الولاية إلى البلدية طبقا لأحكام الباب الخامس من هذا الأمر القانوني.
قال لزميله ومحدثه : كل هذا يعرفه عمدنا ومساعدوهم ويجهلون أو يتجاهلون حقيقة أن الدولة بجهازها التنفيذي ــوكما سمعنا ورأينا من بعيد ــ عمل فى الآونة الاخيرة ــ حتى نكون أكثر موضوعية ــ على تشييد الكثير من الطرق المعبدةوتزويدها بالانارة فى ولايات نواكشوط الثلاث ، واستطاع هذا الجهاز التنفيذي القضاء على أغلبية الأحياء العشوائية التى كانت عائقا أمام كل تطوراضافة الى تشييد عديد المستشفيات والمدارس والأسواق فيها ........... الى غير ذلك من المرافق الحيوية كالموفوضيات الشرطية والأمنية لبسط الأمن ونشر السكينة ، ومراكز الحماية المدنية وغيرها ؟ أو ليست هذه دعائم مهمة وأساسية للمدن ؟أولم توجد البلديات أصلا الا من أجل صيانتها والمحافظة عليها وتسييرها تسييرا معقلنا من أجل تطويرها الى الأحسن ؟قاطعهضاحكا يبدو أنك لم تزر موريتانيا بعد انتخابات 2018 فقد تغيرت العاصمة نواكشوط ولم تعد تعرفها.
فقد استطاع عمد ومستشارو البلديات فيها بسرعة البرق بعد 2018 وبالتنسيق مع الجهات المختلفة فى الدولة من انجاز أجود صرف صحي فى العالم للعاصمة نواكشوط اشرفت عليه جمهورية الصين الشعبية ، فلم تعد مياه الامطار وغير الامطار عائقا فى شوارعها وساحاتها ، واختفت خزانات الصرف غير الصحي من واجهات المساجد والبيوت والمدارس والقصورالرئاسية والقصور الوزارية والاسواق ....... والتي كانت سببا فى هلاك الكثير من الناس بطرق غير مباشرة ، حيث أن كل أنابيب مياه الشرب المستخدمة تفتقر للمواصفات المطلوبة ـ بدليل تلفها السريع وتسرب المياه الدائم منها والملاحظ من طرف الجميع ـ وتمر من أرض مشبعة بمخلفات ضارة منذو عشرات السنين ، اضافة الى سقوط العديد من المارة فى الشوارع في هذه الخزانات المشؤومة وخاصة الأطفال ، اضافة الى تهديد العاصمة بالغرق وما يشكله من خطر نتيجة الوصول الى مرحلة التشبع التام للتربة مع انخفاض نواكشوط أصلا عن مستوى سطح البحر.
ولم يقف العمد ومستشاروهم هنا فحسب بل تمكنوا من صيانة جميع الطرق المعبدة واعادو بناء جميع الارصفة المتضررة واصبحت الشوارع فسيحة لكونها كانت تحجبها الأتربة والاوساخ والنفايات لأنها لم تعرف صيانة تذكر منذو انشائها ــ حالها حال البنايات الكبيرة التى خصصت للوزارات والادارات المختلفة وتركت للزمن يعبث بها ، حيث الاهمال والاوساخ المنتشرة فى كل مكان بما فى ذلك مكاتب من يوكل اليهم تسيير هذه المرافق ــ ورسموا وصبغواالخطوط والشارات والأسهم عند مفترق الطرقات بألوانها المختلفة واعادو تصميم اللوحات الارشادية على كل الطرقات بما فيها تلك التى تحذرك من منبه السيارة لكون المنطقة منطقة مستشفيات وتلك التى تحدد وتضبط درجات السرعة ، فعند تجاوزك للسرعة المحددة على أي طريق فى نواكشوط يظهر لك ضوء مصدره(رادار) ينبهك على تجاوزكللسرعة المحددة مسبقا قبل أن تصل المكانلأنهم حددوا سرعات فى المدينة تبعا لنوعية المنطقة فمثلا مناطق المدارس والتجمعات والاسواق تنخفض فيها السرعات لكونها تختلف كليا عن الشوارع العامة المؤدية للطرق السريعة والتى أصبحت كثيرة بسبب انتشار الجسوروالانفاق الممهدة لها....ولتظهر فى الحال رسالة نصية على هاتف مالك السيارة تفيد بان السيارة صاحبة الرقم كذا تجاوزت السرعة فى المكان كذا وعليه تحمل دفع غرامة قدرها خمسة الاف أوقية قديمة.
وقاموا بتزويد كل ملتقيات الطرق باشارات ضوئية حديثة وعملوا على تفعيل وربط كل تلك الاشارات الضوئية بغرف تحكم وكاميرات مراقبة يعمل عليها فريق متخصص على مدار الساعة ، وحددوا غرامة مالية على كل سيارة تتجاوزالاشارة الحمراء بمبلغ 10 آلاف أوقية جديدة تسجل تلقائيا على الرقم الوطني لمالك السيارة وتظهر له رسالة نصية على هاتفه تفيد بذلك مع احتفاظ جهة الاختصاص بتسجيل فيديو يثبت الحادثة للرجوع اليه عند الحاجة ، ولا يمكن تجديد ملكية أي سيارة عليها غرامة مالية الا بعد دفعها ولا يمكن لمالكها أن يسجل على اسمه أي سيارة أو يقوم بتجديد ملكية أخرى الا بعد تسديد كل الغرامات المسجلة على كلالمركبات التى يمتلكها ، وقبل ذلك قامو بفتح مراكز لاعادة منح رخصجديدة للسائقين حيث أصبح كل من لدية رخصة سابقة لا تغنيه عن الخضوع للاختبار الجديد باعتبارها مزورة ـ سابقا ـ مالم يتجاوزالامتحان الجديد حيث يتم استبدالها برخصة جديدة فى حال نجاحه والا فعليه أن يخضع لتدريب جديد يمكنه من الحصول على رخصة سياقة جديدة غير مزورة ومعتمدة وتم لذلك الغرض تحديد مدارس تابعة معينة تخضع للشروط المهنية ، واكملواحصر وتسجيل جميع السيارات والمركبات على اختلاف احجامها وانواعها والزموا أصحابها بتجديد ملكياتها وتأمينها ضد الحوادث سنويا ـ مع ضمان تعويض التأمين لكل طرف متضرر من الحادث والزام شركات التأمين بهذا الغرضـولا يمكن استخدامها أبدا فى حال لم تتجاوز الفحص الميكانيكي الذي يثبت سلامة الهيكل " الشاصية " ليتم بعد ذلك حجز كل سيارة لم تطبق هذا الاجراء ، اضافة الى منع مرور الشاحنات الكبيرة من داخل العاصمة الا بعد خضوعها لشروط الحمولة المناسبة للطرق المعبدة حيث خصصوا أجهزة لذلك الغرض فى جميع مداخل نواكشوط لا تسمح الا بمرور الوزن المعهود لنوعية الطرق المعبدة فى موريتانيا ، وقد خدموا بهذا الاجراء كل الطرق فى البلد ـــنظرا لموقع العاصمة نواكشوط الجغرافي والذي لا يسمح بتجاوز العابرين من الشمال الى الجنوب دون المرور به ــ حيث كانت الى وقت قريب تمر الشاحنات القادمة من جمهورية مالى والمملكة المغربيةولا تخضع لهذا الاجراء وبذلك تتضرركل الطرق من نواذيبو الى النعمة بسرعة لكونها لم تشيد لتتحمل وزن هذه الشاحنات أصلا.
أما بالنسبة للأسواق والشوارع والساحات العمومية فقد عملوا على نظافتها وازالة كل المخلفات التى كانت مكدسة فيها من بقايا سيارات وأكواخ وأوساخ وقاموا بتخطيطها بمواقف عامة مخططة باتقان ومجهزة باشارات تنظمها ويتحمل كل من يتوقف ويترك سيارته فيها 100 أوقية قديمة عن كل ساعة من الزمن وخصصوا لذلك ماكينات منتشرة فى كل مكان تدفع فيها وتعطيك وصلا كدليل تتركه داخل السيارة واكتتبوا فريقا عماليا تابعا لكل بلدية يتولى التحقق من دفع أصحاب هذه السيارات ويحررالمخالفات لمن لم يدفع ، واختفت عربات الحمير كليا من هذه الاسواق وتم استبدالها بعربات ذات العجلات الثلاث ، واكتتبوا فريقا آخر لحراسة هذه الاسواق ، وفريقا آخر عليه حصر جميع الشوارع والمنازل وتزويدها بحاويات غير حديدية و مثبتتة يتم رمي الاوساخ فيها من طرف البيوت المجاورة ويتم نقلها يوميا والاشراف عليها من هذا الفريق حفاظا عليها من السرقة ، كل هذا مقابل مبلغ 2000 أوقية قديمة عن كل شهر لكل منزل وكل محل تجاري فى السوق .
عند هذه الفقرة رن صوت جرس معلنا استعداد الطائرة للهبوط وحاول زميله اكمال الحديث بسرد النتائج التى تحصلت فى هذا الظرف الوجيز حيث استطاعت البلديات فى نواكشوط تغيير وجه العاصمة وفرض هذا الأمر على كل قاطني العاصمة وعلى الاسواق وعلى كل المنازل بقوة القانون و بالعمل الجاد والمتواصل والذي لمسه المستهدفون جميعا من ملاك السيارات و اصحاب المحلات التجارية وقاطني المنازل حيث اختفت الاوساخ من محيطهم وشعروا بقيمة الخدمات المقدمة لهم من طرف البلديات والتى كانوا يدفعون مقابل جزء منها مصاريف أكثر ، واستطاعت البلديات بذلك تحصيل عائدات مالية كبيرة كانت مهدرة وتمكنت أجهزة الدولة الاخرى من تحصيل مكاسب مالية هائلة نظير التجديد الجبري لملكيات السيارات واستفاد ملاك السيارات من تعويض تامينها وتم دفع المخالفات والغرامات المستحقة وانتظم سير المرور وانخفضت نسبة الحوادث المرورية واحترم الجميع الشارع واشارة المرور بعد أن كانت ضربا من الخيال ، كما تمكنت البلديات من امتصاص بطالة الكثير من الشباب وذلك بادماجهم فى وظائف تم خلقها من هذه العملية ، لكونها وظائف تؤمن لهم دخولا ثابتة وآمنة فى بلدياتهم التى يسكنون فيها دون التنقل بعيدا عن أهلهم ومناطقهم.
وهبطت الطائرة بسلام فى مطار ام التونسي الدولى ليتبين أنه كان حلما ممتعا وجميلا ، لكنه ليس مستحيلا ، ويمكن تحقيقه بعمد ومستشارين يحترمون شعوبهم التى يمثلونها ويدركون حجم المسؤولية .