الراصد: تحتل موريتانيا المركز الأخير كأفقر دولة عربية في تصنيف 2022 – 2023 ، حيث تأتي خلف دول عربية تعاني الحروب وتنعدم فيها الموارد مثل الصومال وجيبوتي وجزر القمر واليمن، فيما ترقد البلاد على ثروات هائلة بينها المتجددة كالسمك والثروة الحيوانية والزراعة (الأراضي الصالحة للزارعة) وثروات أخرى كالحديد والذهب والنحاس وغيرها من الثروات الطبيعية، ومع ذلك، ورغم مرور 62 سنة على (استقلال) البلاد، لم تتحسن أحوال المواطنين بقدر ما يمتلكونه افتراضا من ثروات هائلة، تُتّهم نخب الحكم (التحالف العسكري الرأسمالي) و (الاستثمار الأجنبي) بنهبها وتحويلها إلى حساباتها في الخارج وثروات "مشهودة" لها في الداخل. وخاصة بعد انقلاب يوليو 1978 حين استولى الجيش على السلطة ورفض تسليمها للمدنيين، بل أصبحت دُولة بين القيادات العسكرية التي تتخلى عن البزة العسكرية فقط لتتقلد منصب الرئيس المدني (المنتخب) ؟!
والحقيقة أن الثروة السمكية ومناجم الحديد يكفيان وحدهما لتحويل شعبنا البالغ قرابة 4 ملايين نسمة فقط، والذي يمكن أن يقيم في مدينة واحدة راقية وحديثة، من شعب يسوده الفقر وتُقيّده الحاجة، إلى شعب من أغنى شعوب إفريقيا والعرب، فحال سكان الإسكندرية المصرية (15 مليون نسمة) أفضل بكثير من حال مواطنينا رغم أن سكان المدينة المصرية يمثلون ثلاثة أضعاف سكان موريتانيا ولا يملكون موارد كموارد بلدنا.
ولعل عجز أغلب النخب السياسية والعسكرية المتعاقبة على الحكم، عن الاستقامة، وبُعدها عن الوطنية وروح المواطنة وصدق الانتماء لهذه الأرض المغضوب عليها، أباح لها تسيير ثروات الوطن الهائلة على هواها كما لو كانت ورثتها عن آبائها وأجدادها، وهي بذلك مطمئنة، إلى حد كبير، إلى أنها لن تتعرض للمساءلة والمحاسبة بما قامت وتقوم به من نهب ممنهج وتبديد أحمق لثروات وطن وشعب، بحجة تخلف شعبنا وارتهانه لهؤلاء الذين يمنّون عليه بفتات من ثرواته في مواسم بعينها، بعيدا عن صون كرامة المواطن الذي هو مبرر وجود الحكام والحكومات والسلط. ؟!!
والغريب أن هؤلاء لا يتورعون عن "استنعاج" شعبنا الصبور فيعدونه ولا يفون ويكذبون ألف مرة ولا من يحاسبهم على ما يقترفون من أذى بيّن بحق الشعب والوطن.
في بلد "ديمقراطي" منذ أزيد من 30 سنة، لا توجد مؤسسات حزبية تمتلك برامج طموحة تصاغ على أساس خدمة المواطن، وإنما مجرد وعود تتجدد مع كل موسم انتخابي، بل إن بعض مرشحي الأحزاب لا يملكون برامج انتخابية يقدمونها للمواطن وإنما يملكون النفوذ والجاه والمال (الحرام في مجمله) وبه تتجدد ظاهرة تزوير إرادة الناخبين عبر شراء بطاقات التعريف والتصويت لأن الحاجة الملحة لسد الحاجة تفرض على الذين أرغموا على التعايش مع الفقر والعيش في كنفه أن يبيعوا أي شيء وهو ما جعل انتخاباتنا كلها منذ البلديات الريفية في الثمانينيات مرورا بأول انتخابات رئاسية ونيابية وحتى اليوم لا تخلو من تزوير إرادة الناخبين سواء بملء صناديق الاقتراع بأصوات الأحياء المغبونين والأموات المبعوثين، أو بشراء أصوات الغالبية الفقيرة ليتربع النافذون وأبناؤهم وأحفادهم على واجهة المشهد السياسي من جديد ثم يعاودون سياسة التفقير والنهب لثروات شعب ما زال يتلمس طريقه بحثا عن نخبة مواطنين تخدم الوطن والمواطن.
حين أتحدث لأي مواطن عربي أو غربي عن ثروات وطني، وهو يعرف "ملامح" الوطن والشعب، يستغرب تماما من واقع بلدي وشعبي، فيسألني غالبا عن مصير هذه الثروات الهائلة ولماذا لا تنعكس على الظروف المعيشية للمواطن وواجهة البلد على العالم؟
حقيقة لا يمكن للمواطن أن يعيش الفقر والمعاناة والحرمان في بلد يمتلك أكبر ثروة سمكية في العالم تقريبا، وواحدة من أكبر الثروات الحيوانية في إفريقيا وأوسع الأراضي الصالحة للزراعة مع ثروات معدنية كبيرة كالحديد والنحاس والذهب وما تزخر به البلاد من موارد أخرى لا تقل أهمية لو قيض الله لها من يتقي الله ويحسن التسيير والتوزيع العادل للثروات المتوفرة، إلا أننا لم نحاسب من سبقوا على ما اقترفوا فسار من جاؤوا بعدهم على نهجهم في النهب والتخريب والتدمير.
وعود على بدء، أعتقد أن من حق المواطن أن يتساءل: لمن أصوت في الانتخابات التشريعية والبلدية والجهوية الراهنة؟ ذلك أنه لا منجز يغري، ولا برامج واعدة، ولا صدق مع الله ومع المواطن في أغلب الوعود الانتخابية، ثم إن حال المواطن ومصير ثرواته وحال نخبه المتخمة يفرض عليه التساؤل: لمن أصوت؟
ولأن الصوت أمانة وتزكية ستحاسبنا عليها الأجيال اللاحقة قبل حساب رب العالمين، فمن واجبنا أن نصوت بما نراه مبرئا لنا أمام الله وأمام هذه الأجيال، فالنخب السياسية المتعاقبة لا تستحق، في معظمها، أن تكون خارج أسوار السجون ومصادرة الثروات المنهوبة من شعبنا، والنواب الذين يصوتون بــ"لا" لكل ما يخدم المواطن، وبــ"نعم" لكل ما يعزز من ثرائهم وثراء ونفوذ الحكام وبطانتهم، لا يستحقون علينا أن نمكّن لهم من جديد إذا أردنا الخروج من دوامة سوء التسيير وتبديد الثروات واستغباء المواطن واستنعاجه، لذلك علينا أن ننظر في المترشحين من أصحاب السير والأيادي النظيفة، من أي حزب كانوا، لعل تغييرا في واقعنا المتردي يغير من دمامة هذا الواقع المتردي الذي لم تبرحه بلادنا منذ 1978 وحتى اليوم، مع استثناءات خجولة.
وعلينا أن نستحضر باستمرار قوله تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، فما استحمرنا هؤلاء إلا لتمادينا، كشعب، في التغاضي عن تجاوزاتهم الكبيرة بحق الوطن والمواطن، وترميزهم لذواتهم، وتلميعهم لأنفسهم عبر الصحافة المدجنة بأموال دافعي الضرائب والمتملقين لكل حاكم وحكم.
ولنا عودة، بمشيئة الله.
حفظ الله الوطن والمواطن
أحمد مولاي محمد