الراصد : في الأيام التي سبقت انزلاق السودان إلى صراع كارثي، اقترب أقوى جنرالين من التوصل إلى اتفاق كان الوسطاء الأميركيون والبريطانيون يأملون، من خلاله، في نزع فتيل التنافس المتفجر بين الرجلين، وحتى توجيه مسار الدولة الأفريقية الشاسعة إلى الديمقراطية، وفق تقرير لصحيفة (نيويورك تايمز)الأميركية.
وتضيف الصحيفة أن الرجلين قطعا وعودا وقدما تنازلات، حتى أنهما تناولا العشاء في منزل أحد كبار الجنرالات.
ويبحث التقرير الذي نشرته الصحيفة، الأربعاء، في أسباب انزلاق الجنرالين إلى الصراع الذي قد يدمر البلاد.
مشاكل قديمة
يقول التقرير إن "المخاطر كانت عالية للغاية" منذ بداية الثورة عام 2019، وتصاعدت عندما أوشكت الأمور على الوصول إلى اتفاق لحملهم على تسليم السلطة.
وتضيف الصحيفة أنه عشية الاقتتال، وبينما كان الجنرالات يتناولون العشاء، كانت الآلات العسكرية المتنافسة تستعد للقتال.
وفي الليل، تدفقت القوات بهدوء على معسكرات الجيش المتنافسة في جميع أنحاء العاصمة الخرطوم، ثم حاصر المقاتلون شبه العسكريين من قوات الدعم السريع قاعدة تضم طائرات حربية من مصر، وفقا للصحيفة.
ومنذ ذلك الوقت، يحتدم القتال في السودان ويتركز في العاصمة الخرطوم وما حولها.
وتنقل الصحيفة عن محللين قولهم إن أحد أسباب احتدام العنف في البلاد هو "اذعان المؤثرين الدوليين لتعنت الجنرالات على حساب القوى المدنية وإفلات العسكر من المساءلة".
وتشير الصحيفة إلى الشبكة المعقدة من التفاهمات والمصالح التي تجمع القوى الدولية بالمتصارعين.
وتقول إنه "بدعم من الاتحاد الأوروبي، منعت قوات الجنرال حميدتي المهاجرين من عبور حدود السودان الطويلة، على الرغم من أن اللواء نفسه كان يشتبه في أنه يستفيد من تهريب البشر".
وتضيف الصحيفة أن الانقلاب على الاتفاقات – بعد العشاء – لم يكن الأول، حيث فاجأ الجنرالان المبعوث الأميركي جيفري فيلتمان في 2021 حينما انقلبا على الحكومة المدنية وأطاحا برئيس الوزراء بعد ساعات من لقائه.
وأشارت إلى تسبب رئيس برنامج الأغذية العالمي، الحاكم السابق ديفيد بيزلي من ولاية كارولينا الجنوبية، في حالة من الذعر بين السفارات الغربية في السودان عندما كان ضيفا في احتفالين متتاليين. أولا، حينما منحه الجنرال البرهان أعلى وسام مدني في السودان، وسام النيلين.
وفي الليلة التالية، كان ضيف الشرف في مأدبة عشاء استضافها اللواء حميدتي.
بداية الخلاف
تقول الصحيفة إن حميدتي كان قلقا من أن الجيش كان مخترقا من قبل الإسلاميين، بمن فيهم الموالون السابقون لنظام البشير، أعداؤه اللدودون.
فيما بدأت المخابرات العسكرية، التي يسيطر عليها الجنرال البرهان، وفقا للصحيفة، في إخبار المسؤولين الأجانب بأن حميدتي حاول سرا استيراد طائرات مسلحة من دون طيار من تركيا لتعزيز قوته العسكرية.
وتقول إن الخلافات لوحظت حتى بين أفراد الجيش والدعم الذين تعاملوا كقوتين متنافستين، وليس منسجمتين ضمن نفس الدولة.
وأشارت إلى حملة علاقات عامة كان الفريق حميدتي يقوم بها كأنه "الزعيم المقبل للدولة" حيث يسافر في البلاد ويوزع الهدايا على زعماء القبائل المحليين ويصور نفسه على أنه "المدافع عن المهمشين".
لكن ما أدى إلى تفاقم الخلاف، وفقا للصحيفة، هو محاولة "الاتفاق على القضايا الرئيسية، ولا سيما مدى دمج قوات الجنرالين في جيش واحد – وهي عملية كان اللواء حميدتي هو الخاسر الأكبر فيها، لأن قوات الدعم السريع سيتم حلها فعليا".
وضغط قادة الجيش لإنجاز المهمة في غضون عامين، لكن الفريق حميدتي قال إن الأمر سيستغرق عقدا من الزمن.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول غربي كبير قوله إنه في مرحلة ما، منع اللواء حميدتي من حضور اجتماع رئيسي بقيادة الجنرال البرهان في القصر الرئاسي.
وقال المسؤول إنه لم يحصل على القبول إلا "بعد أن وقف في الخارج، وطرق الباب حرفيا".
وقال المفاوضون إن المحادثات لدمج قواتهم انتهت إلى نقطة رئيسية أخيرة، وهي هيكل قيادة الجيش خلال فترة انتقالية، لكن المعارك انطلقت على الرغم من أن "الأمم المتحدة كانت تعتقد أنه لا مؤشرات على حرب قادمة" بين الرجلين القويين.
واندلع العنف في السودان السبت الماضي في صراع على السلطة بين قوات الدعم السريع والجيش.
وقالت منظمة الصحة العالمية نقلا عن وزارة الصحة السودانية، الأربعاء، إن القتال أسفر عن مقتل 270 شخصا على الأقل وإصابة 2600 آخرين.
وبعيدا عن العاصمة الخرطوم، أشارت مصادر عسكرية، الأربعاء، إلى استيلاء الجيش على قاعدة الشفرليت، التابعة للدعم السريع على الحدود مع ليبيا.
كما أفاد مراسل الحرة بوقوع اشتباكات عنيفة بين قوات الدعم السريع والجيش في منطقة الفاشر، غربي البلاد.